تحوّل الدعم الشعبي الكامل لعبد الفتاح السيسي إلى نقمة متنامية عليه، بعدما قرر رفع الدعم بشكل جزئي عن الوقود والكهرباء، ليتم إلغاؤه نهائيًا خلال خمس سنوات.
القاهرة: أثارت قرارات الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود والكهرباء عاصفة من الغضب في أوساط المصريين، لا سيما الطبقة الفقيرة التي تعاني من ظروف معيشية قاسية منذ إندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011.
تراجعت شعبيته
ساهمت قرارات الحكومة رفع الأسعار في تراجع شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أنتخبه المصريون رئيسًا لهم بنسبة 96% في شهر أيار (مايو) الماضي، ولم يعد اسمه يتردد في الشوارع أو في وسائل المواصلات الشعبية. وتتضارب الأرقام الرسمية المصرية حول نسبة من يعيشون تحت خط الفقر، لكنها أجمعت على أنهم لا يقلون عن 43% من الشعب المصري، بحسب أحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وقال اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز، في تصريحات له أن 40 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، مشيرًا إلى وجود 3.6 ملايين عاطل في مصر، معتبرًا أنها نسبة مفزعة وكبيرة للغاية. وأضاف: "معدلات الفقر في ريف الصعيد زادت عن 50%،& بينما قالت وزارة التضامن الإجتماعي ان النسبة 26%، وتقدرها منظمات محلية غير رسمية ودولية بـ50% ".
تجاوز الخط الأحمر
طوال ما يزيد على 50 عامًا، لم تجرؤ أية حكومات على المساس بالدعم الذي يستفيد منه الفقراء والأثرياء على حد سواء، خشية الغضب الشعبي. وحده الرئيس الراحل أنور السادات حاول تخفيف الدعم، إلا أن قراره قوبل بتظاهرات عارمة، عرفت بـ"تظاهرات 17 و18 يناير" في العام 1977، كما عرفت باسم "انتفاضة الخبز"، فيما أطلق عليها السادات اسم "انتفاضة الحرامية".
وظلت قضية الدعم خطًا أحمر لأية حكومة أو نظام حكم مصر، إلى أن قرر السيسي رفع الدعم بشكل جزئي عن الوقود والكهرباء، ليتم إلغاؤه نهائيًا خلال خمس سنوات.
قوبلت قرارات السيسي برفع أسعار الوقود والكهرباء، كخطوة أولى نحو إلغاء الدعم نهائيًا خلال الخمس سنوات المقبلة، بالكثير من الغضب الشعبي المكتوم. وتقع مشاجرات على مدار الساعة بين سائقي سيارات الأجرة والمواطنين، ولا يحضر اسم السيسي في تلك المشاجرات إلا مقرونًا بالشتائم والدعاء عليه، في مؤشر واضح لتراجع شعبيته التي ظلت طاغية منذ تدخله في 3 تموز& 2013، وعزل الرئيس السابق محمد مرسي.
نور عينيّ
يشعر بعض المصريين، لا سيما من المنتمين إلى الطبقات الفقيرة بالحزن والغضب تجاه السيسي، لا سيما أنهم يحفظون عبارته الآسرة "متعرفوش إنكم نور عيني ولا إيه"، والتي رددها السيسي أكثر من مرة أثناء خطابات قبل تولي منصب رئيس الجمهورية، وتحولت تلك العبارة إلى مثار للسخرية الممزوجة بالغضب. كما تحولت عبارات أخرى قالها تعبر عن حبه للمصريين، مثارًا للسخرية أيضًا، ومنها: "ادفعوا وأنا هوريكم اللي عمركم ما شفتوه"، "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا"، و"الشعب المصري لم يجد من يحنو عليه".
ووفقًا لوجهة نظر عبد النبي عبد الستار، القيادي في حملة كمل جميلك التي تدعم السيسي، فإن شعبية الرئيس تراجعت بالفعل. وهو قال لـ"إيلاف" إن ثمة فئة من المصريين كانت تأمل أن ينقلها السيسي من الفقر إلى الثراء، وأنه يمتلك مصباح علاء الدين السحري لتقديم حلول سحرية للأزمات الإقتصادية الراهنة، لكنها فوجئت بقراره الأخير.
وأضاف أن شعبية السيسي ربما تتأثر بين أبناء تلك الفئة، لكنها لن تتأثر بين الطبقات الإجتماعية الأكثر وعيًا وإدراكًا لطبيعة الظروف الراهنة، لافتًا إلى خطاب السيسي بمناسبة ذكرى العاشر من رمضان، الذي تحدث فيه بصدق وشفافية، خفف كثيرًا من حدة الغضب الشعبي تجاهه بعد رفع الأسعار، "فالسيسي أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، وأكد أنه لا يسعى إلى شعبية زائفة أو وهمية على حساب مصلحة مصر".
مبالغات خطابية
ونبه عبد الستار إلى أن السيسي سيتخذ قرارات أخرى لترضية الغاضبين من الفقراء، ربما تطول الأغنياء فقط، وسيحملهم مزيدًا من الأعباء وأوضح أن القرارات المتوقعة ستشمل التخلص من جيش المستشارين في مؤسسات الدولة، الذي يلتهم 12 مليار جنيه كرواتب سنوية. كما توقع عبد الستار إعتماد مبلغ 22 مليار جنيه لدعم قطاعي الصحة والتعليم، وتطبيق الحد الأدني للأجور البالغ 1200 جنيه شهريًا.
وأضاف عبد الستار: "الجيش المصري سيزيد من تدخله للحد من آثار ارتفاع الأسعار، فالقوات المسلحة خصصت سيارات وحافلات لنقل المواطنين بأسعار أقل من أسعار سيارات الأجرة، وخصصت منافذ لبيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة، وهذه الإجراءات سوف تمتص غضب المواطنين البسطاء".
وتراجع شعبية السيسي أمر متوقع، لا سيما أن سقف الآمال التي علقها المصريون، كان كبيرًا جدًا. وقال الدكتور خالد خيري، استاذ الرأي العام في جامعة القاهرة، لـ"إيلاف" إن وسائل الإعلام قدمت السيسي على أنه المنقذ، مشيرًا إلى أن بعض أنصاره وحواريه بالغوا بشدة في قدراته، وأنه قادر على انتشال مصر. ولفت إلى أن السيسي نفسه بالغ كثيرًا في خطاباته أثناء قيادته الجيش، وقال مثلًا: "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا"، وهو تعبير ينطوي على مبالغة ودغدغة لمشاعر البسطاء.
لن يطول صبر المصريين
وأفاد خيري بأن شعبية أي رئيس أو زعيم تخضع لمؤشر يتحرك صعودًا ونزولًا حسب القرارات والمواقف التي يتخذها وتتعلق بحياة مواطنيه بشكل مباشر، ولا سيما ما يتعلق بالأوضاع المعيشية والإقتصادية.
ولفت إلى أن شعبية السيسي ستستمر في التراجع، طالما لم يحدث تحرك واضح في الإقتصاد المصري، "فالمصريون تحملوا ارتفاع الأسعار ولم يخرجوا في تظاهرات حاشدة وغاضبة لأنهم أنهكوا& على مدار ثلاث سنوات بعد ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى رغبتهم الحقيقية في تجنيب بلادهم مصائر دول مجاورة كليبيا وسوريا والعراق، وهم يدركون أن هناك أعداء في الداخل والخارج يتمنون أن تسقط مصر في دوامة الفوضى".
غير أنه يتوقع ألا يطول صبر المصريين على السيسي، إذا لم يتخذ اجراءات فعالة للنهوض بالإقتصاد، وأن يشعروا هم بنتائج ملموسة في حياتهم اليومية.
السيسي نفسه تأكد أن شعبيته بدأت في التراجع، لكنه قال: "لو قلقت وخفت أبقى مبخافش من ربنا، ولن أكون مصريًا حقيقيًا مستعدًا لأن أموت عشان خاطرهم". ولفت إلى أن القرار رغم أنه يضر بشعبيته إلا أنه ينقذ مصر من الخطر الكبير.
التعليقات