تنادت كتائب المعارضة السورية وتوحدت من أجل منع وقوع مدينة حلب الاستراتيجية في قبضة النظام السوري مجددًا. وتبدو حلب، أو ما تبقى منها، عنوانًا لـ"أم المعارك" في الثورة السورية التي شهدت خلال الأسابيع الأخيرة انتكاسة ملحوظة.


إسماعيل دبارة: تبدو حلب السورية على موعد مع معركة مصيرية خلال الساعات القادمة، إذ حشد النظام قواته على مشارفها بعد أن طوقها من كافة الجوانب، استعدادًا لإقتحامها واستعادتها من المعارضة، فيما أعلن الثوار النفير العام وشكلوا قيادة موحدة لإدارة المعركة التي قد تحدد مصير الثورة السورية برمتها.

أهمية استراتيجية

تحتل مدينة حلب السورية أهمية استراتيجية، فهي ثاني أكبر مدن البلاد بعد دمشق، وتعد العاصمة الاقتصادية لسوريا، أو بالأحرى، كانت تعدّ العاصمة الاقتصادية، نظراً للتدمير الذي طالها وقضى على مصانعها وأسواقها وأحيائها وتجارتها المزدهرة، وهي أيضاً مدينة متاخمة للحدود مع تركيا التي تتهمها السلطات السورية بدعم وإيواء مسلحي المعارضة.

ويرى مراقبون أن ثمة عوامل عديدة أدت إلى تغيير الواقع الميداني في مدينة حلب، وشجعت الجيش السوري على التأهب لإعادة السيطرة على المدينة وريفها بعدما استعاد السيطرة على مناطق استراتيجية في المحافظة.

ولعل العامل الأول يتمثل في الصراعات التي اشتعلت بين فصائل المعارضة السورية، والمعركة التي خاضتها المعارضة المسلحة ضد تنظيم "داعش" المتطرّف، ما أضعف قدرة الثوار على المواجهة وإدارة المناطق المحررة.

وبعد سقوط حمص من جديد في قبضة النظام، تشجعت قواته لمواصلة المشوار نحو حلب، ومناطق أخرى ظلت لأكثر من عامين خارج سيطرة الأسد.

ويأتي تقدم الجيش السوري في حلب بعد مرور أسابيع على إخماد جبهة الساحل، معقل الرئيس السوري بشار الأسد، والذي تحقق، وفق تقارير إعلامية، إثر اتفاق بين إيران وتركيا قضى بتوقف تركيا عن دعم تلك الجبهة في مقابل توقف دمشق عن دعمها لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يسعى لانتزاع حقوق الأكراد في تركيا.

ويقول متابعون إن الأزمة العراقية كذلك، ساهمت بشدة في العمل على إعادة ترتيب المشهد العسكري والميداني في سوريا لصالح نظام الأسد، ففي ظل انهماك تنظيم داعش بالمعارك الجارية هناك، وجد الجيش السوري فرصة مؤاتية كي يبسط سيطرته على حلب التي تعد منفذًا رئيسًا نحو مناطق في شرق وشمال شرق سوريا، وهي تمثل المسرح الرئيس لأنشطة المعارضة بعدما خسرت مناطق في حمص وريفها وفي الساحل وفي ريف دمشق.

مدينة متمردة

حلب التي تستعد لتحديد مصيرها خلال ساعات، تبدو أكثر المدن السورية تمردًا. فقد دبر أهلها أول انقلابين في سوريا الحديثة: انقلاب العقيد حسني الزعيم في (نيسان 1949)، وانقلاب العقيد سامي الحناوي بعده بأربعة أشهر، وقد أدراك الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد هذا الأمر جيدًا، وأراد أن يحصن حكمه من دوامة الانقلابات التي اجتاحت البلاد قبل استيلائه على السلطة في الثورة التصحيحية (عام 1970)؛ ممَّا جعله يعي بسرعة الدرس ألا وهو "وجوب السيطرة على حلب".

سعى الأسد الأب، ومن بعده الابن، إلى كسب تأييد شريحتين مهمتين في حلب، تشكلان مفصل الحياة فيها، وهما: طبقة تجار حلب، والسلطة الدينية السنية في المدينة.

ولذلك شكل النظام السوري تحالفات مع الفصيل الأول وأغرى الفصيل الثاني؛ مما أدى إلى تهدئة المدينة بنجاح لفترة من الزمن. ما عدا بعض الاضطرابات في الثمانينات، وسرعان ما أعادها إلى حدٍ ما إلى سابق عهدها.

وفي 19 يوليو 2012، بدأت معركة حلب كفيصل في مسار الثورة السورية، وتمكن الثوار بعد أسابيع من القتال الضاري من تحريرها وطرد قوات النظام والشبيحة منها.

المعارضة تتوحّد

أصدرت مجموعة من فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري بيانًا موحدًا ينص على تشكيل قوة عسكرية موحدة بقيادة عسكرية موحدة لإنقاذ مدينة حلب.

وقال بيان لعدد من الفصائل المعارضة في سوريا إن تشكيل تلك القوة يأتي بالنظر لأهمية حلب الكبرى ولإنقاذ جبهاتها من هجمات النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية.

وأوضح ذات البيان أنه ستشكل قوة تدخل سريع من الفصائل يقودها عسكريون أكفاء مهمتها الأولى إنقاذ حلب.

وحسب البيان، فإن هذه القوة مستقلة في قرارها العسكري وقوامها 600 مقاتل مبدئيًا. وتضم تلك القوة فصائل حركة حزم وجبهة ثوار سوريا والمجلس العسكري الفرقة ١٠١ والفرقة ١٣ ولواء فرسان الحق وصقور الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام وجبهة ثوار سراقب.

تعزيزات من الجانبين

أرسل النظام السوري، وكذلك المعارضة، تعزيزات الى حلب حيث يرتسم هجوم للجيش على الاحياء التي تسيطر عليها المعارضة.

وارسل النظام وحدات من الكوماندوس مدعومة من مقاتلين من حزب الله الشيعي اللبناني، حسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

واعلن مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ"فرانس برس" عن "وصول تعزيزات عسكرية من مقاتلي الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية إلى محيط المدينة الصناعية وقرية الشيخ نجار في مدخل حلب الشمالي الشرقي".

واوضح أن ذلك تزامن مع "وصول تعزيزات من قوات المهام الخاصة في الحرس الجمهوري ومن عناصر حزب الله اللبناني إلى حلب في محاولة منهم للسيطرة على مخيم حندرات وتطويق مدينة حلب، قاطعين بذلك خطوط الإمداد عن الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية في أحياء حلب الشمالية والشرقية".

واشار المرصد الى أن "الدولة الإسلامية هي الوحيدة القادرة على قطع خطوط إمدادات قوات النظام من مطار النيرب العسكري وصولاً إلى المدينة الصناعية والمدخل الشمالي الشرقي لمدينة حلب".

وعزا هذا الامر الى "تمركز تنظيم الدولة الإسلامية في قريتي شامر ومران، عند مدخل حلب الشمالي الشرقي، وسيطرتهم ورصدهم نارياً لخطوط إمداد قوات النظام".

وكان الائتلاف السوري المعارض اعلن الاثنين أن مدينة حلب في شمال سوريا باتت مطوقة، مشيرًا الى استعدادات قوات النظام لاقتحامها.

عزلة المعارضة

في غضون ذلك، أكد المتحدث باسم الائتلاف السوري المعارض لؤي الصافي، توقفاً شبه كامل للمساعدات، التي كانت تصل لفصائل المعارضة من الدول الداعمة لها، مشيرًا إلى أن ذلك يتزامن مع عودة مسلحي "داعش" من العراق، وهم مدججون بالذخيرة التي اغتنموها من الجيش العراقي الذي سلحته القوات الأميركية.

وتحدث الصافي، خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين في إسطنبول، عن الأوضاع الصعبة التي تشهدها مدينة حلب في مواجهة قوات النظام من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى، قائلاً إن الائتلاف السوري استدعى رئيس هيئة الأركان "عبد الإله البشير" للتباحث معه حول آخر المستجدات على الأرض في حلب.

وقال الناطق الرسمي باسم الائتلاف إن الوضع العسكري حرج للغاية، وعزا صافي تراجع مقاتلي المعارضة في عدد من المناطق السورية، إلى عدم جدية المجتمع الدولي في دعم المعارضة، مؤكدًا أن حلب باتت شبه مطوقة.

في السياق ذاته، طالب المعارض جلال الدين الخانجي المجتمع الدولي بتقديم السلاح للمعارضة لتمكينها من مواجهة النظام وداعش الذي سيطر على مناطق واسعة في دير الزور شرقي سوريا.

وحذر الخانجي من أن النظام يوشك على السيطرة على طريق حندرات (الذي يعرف بأنه طريق الموت)، إذ إن ثمانية كيلومترات فقط من هذا الطريق بقيت خارج سيطرة النظام، مؤكدًا أن حلب ستحاصر بالكامل في حال سقوط هذا الطريق.
&