أخرج العفو سجناء من أقبية النظام السوري ليرووا معاناتهم في المعتقلات، وأساليب التعذيب التي تعرضوا لها، معبرين عن خوفهم من اعتقالهم ثانية.

&
إعداد عبدالاله مجيد: يخشى آلاف السوريين، الذين أفرج عنهم النظام السوري، أن تعود أجهزته الأمنية إلى اعتقالهم مجددًا في أي لحظة. وكان بشار الأسد، رئيس النظام السوري، أصدر في حزيران (يونيو) الماضي عفوًا عامًا عن السجناء، أحدهم حسام، وهو نجار من حرستا في ريف دمشق.
&
من حرستا
&
قال حسام إنه اعتُقل للمرة الاولى&في نيسان (ابريل) 2013، وبقي محبوسًا خمسة أشهر في معتقل تابع لمخابرات القوة الجوية في حرستا. ثم اعتُقل ثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) اثناء محاولته عبور الحدود السورية ـ اللبنانية، وعاد إلى المعتقل نفسه، إلى أن صدر عفو الأسد.
&
وأوضح حسام أنه المعيل الوحيد لأسرته، وكان يحرص على الابتعاد عن مؤيدي المعارضة. لكن قوات الأسد دهمت الحي الذي يعيش فيه، واعتقلت العديد من الشبان. أضاف: "التهمة الوحيدة التي واجهتها هي أنني رجل من حرستا، التي كانت متميزة بنشاطها في الانتفاضة ضد الأسد".
&
عائد في المساء
&
تتذكر ليلى، والدة حسام، أنها توسلت للضابط الذي اعتقل ابنها، فقال لها ألا تقلق، فابنها سيعود في المساء. لكنه لم يعد إلا بعد ستة اشهر. وقالت ليلى إنها فقدت الكثير من وزنها، وبدأت تعاني من ارتفاع ضغط الدم، واصيبت بالشقيقة أو الصداع النصفي بسبب القلق على مصير ابنها. وذات يوم، بعد ستة أشهر، سمعت طرقًا على الباب، وكان الطارق ابنها حسام بثياب رثة قذرة، حافي القدمين، تفوح من جسمه رائحة كريهة ويعج شعر رأسه بالقمل. أخذته في احضانها باكية ما أن رأته واقفًا امامها.
&
ذهبت لأداء الصلاة فسمعت ابنها ينتحب في الحمام. وبعد ساعة خرج من الحمام، لكنه ظل صامتًا لا يتكلم حتى أنها ظنت أن ابنها عاد اليها أبكم.
&
لم يكن حسام قادرًا على تلفظ الكلمات بصورة صحيحة، ورد الطبيب ذلك إلى أنه بقي معزولًا فترة طويلة. بقي حسام منطويًا على نفسه، وحاولت والدته مع اصدقائه التخفيف من معاناته. وبمرور الوقت، تحسّن وضعه، وبدأ يعود إلى شخصيته الاجتماعية السابقة، وقرر أنه لا يستطيع البقاء في سوريا.
&
النوم مع الموتى
&
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، حزم حسام أمتعته وانطلق في سيارة أجرة إلى الحدود السورية ـ اللبنانية. وفي مساء اليوم نفسه، تلقت ليلى اتصالات هاتفية من سائق السيارة يقول لها إن ابنها اعتُقل على الحدود، لأن اسمه كان موجودًا عند رجال الأمن. مرت الأسابيع والأشهر، وكادت ليلى تصاب بالجنون من شدة قلقها على مصير ابنها، إلى أن اصدر الأسد عفوه وأُفرج عن حسام في منتصف حزيران (يونيو).
&
اخبر حسام صحيفة كريستيان ساينس مونيتور أنهم اتهموه في المرة الثانية بتهريب السلاح إلى المعارضة في الغوطة الشرقية. أضاف: "هناك، ينام المعتقلون مع الجثث، وعندما كنا نطلب من الضباط أن يدفنوا الموتى، كان يُعاقب كل من في الزنزانة، وعندما تحدثتُ مع احد الضباط قال أنت من حرستا، فهل تعتقد أنك ستخرج من هنا حيًا؟".
&
رائحة الدم
&
وتابع حسام: "ذات مرة جردوني من ملابسي ورموني عاريًا على الأرض ثم صبوا ماءً باردًا على جسمي وجلدوني بسوط، شعرتُ أن نارًا تلسعني، ثم ضربوني على اعضائي الحساسة وصبوا ماءً ساخنًا عليّ، ثم أوقفوني على قدمي وضربوني بسلك كهربائي مبلل، فظننتُ أنني سأموت".
&
وحين أُخذ إلى زنزانته، رأى اطفالاً. قال: "كان المعتقلون يتناوبون على الوقوف والجلوس وحتى على النوم. كان البعض ينامون واقفين أو جالسين أو ينامون بين قدمي معتقل آخر. وكان المكان يعط برائحة الدم بسبب التعذيب، وبرائحة العطن لأن الزنزانة كانت في قبو مغلق تحت الأرض".
&
أضاف: "يحصل كل اربعة معتقلين يوميًا على برتقالة واحدة وثلاث حبات زيتون وقطعة صغيرة من الخبز العتيق، فكان الطعام بالكاد يبقينا على قيد الأحياء".
&
صراخ الفتيات
&
وروى حسام: "اسوأ شيء كان سماع فتيات يصرخن وينتحبن، كان ذلك مؤلمًا علينا جميعًا، وكان في زنزانتي طفل عمره 12 عامًا، يحضنني طول الوقت، ولم أعرف سبب التصاقه بي، إلى أن قال إنه يحبني لأني اشبه شقيقه الذي سقط مقاتلًا مع المعارضة، وكان هذا الطفل يُعذَّب كما يُعذب الآخرون، وكان من المؤلم جدًا أن نرى ذلك، وبعد ثلاثة اشهر نُقلتُ إلى الحبس الانفرادي. وذات يوم جاء حارس وأخذني إلى ضابطه، الذي اخبرني بالعفو الذي اصدره الأسد وشمولي به".
&
خرج حسام، وحاول العثور على اهله، لكنهم هربوا من المنطقة، ولم اتذكر إلا رقم هاتف شقيقتي التي كانت في دمشق، "اتصلتُ بها ووجدت عائلتي عندها، وبعد ساعة كنتُ بينهم". وختم حسام قصته مع الأسد وأجهزته الأمنية: "أخاف من السفر، وأخاف من البقاء، وأتوقع اعتقالي مرة أخرى، ففي هذا البلد لا أحد يعرف ماذا سيحدث له بعد ساعة".