تحتفل المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الخميس بعيد ميلادها الستين. وفي بادرة اعتراف بسطوتها، أُعيد النظر بتقويم أوروبا السياسي بأكمله لكي لا يتعارض مع هذه المناسبة.

&
إعداد عبدالاله مجيد: قرر قادة أوروبا تغيير مواعيد قممهم وانتخاباتهم البرلمانية وتعديلاتهم الوزارية هذا الاسبوع ارضاء للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ملكة أوروبا غير المتوجة، بما يناسب مواقيت ارتباطاتها.
&
وقد أجروا هذه التغييرات طائعين، بعد أن اشارت ميركل بطريقة عابرة الشهر الماضي إلى انها ستلغي حفلة عيد ميلادها في 17 تموز (يوليو) لحضور قمة كان من المقرر أن تستضيفها برلين في هذا الموعد. وأعلن رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومباي تغيير موعد القمة، باسم القادة الأوروبيين.
&
حفل يحييه مؤرخ
&
ورفضت ميركل، التي تعتز بجديتها وحياتها المتقشفة، اقامة حفلة باذخة بمناسبة عيد ميلادها بعد كل هذه التغييرات التي أدخلها القادة الأوروبيون على برامجهم اليومية وارتباطاتهم السياسية. فبدلًا من فتح قناني الشمبانيا ورفع الأنخاب أو اقامة ولائم واحتفالات ترتقي إلى مستوى القيادة الالمانية للقارة الأوروبية، فان الألف ضيف الذين دعتهم ميركل بمناسبة عيد ميلادها سيحضرون للاستماع إلى محاضرة اقتصادية بعنوان "العولمة في القرن التاسع عشر"، يلقيها المؤرخ المعروف يورغن اوسترهامل.
&
وكان أسطع دليل على انصياع القادة الأوروبيين لمشيئة المستشارة الالمانية قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تقديم موعد التعديل الوزاري الذي اعلنه يوم الثلاثاء كي لا يتعارض مع عيد ميلاد ميركل، دافعا الطبقة السياسية البريطانية كلها& إلى الرقص على النغمة التي تريدها.
&
ميركافيلي
&
وكان اختيار المانيا جان كلود يونكر رئيسًا للمفوضية الأوروبية لاقى معارضة كاميرون لكن يونكر فُرض رغم هذه المعارضة في سابقة تاريخية وهزيمة مهينة من تدبير الزعيمة الالمانية.
&
تعين على يونكر أن يمتثل لمواعيد "صاحبة الجلالة" بتقديم يوم المصادقة على تعيينه رئيسًا للمفوصية الأوروبية في البرلمان الأوروبي في سالسبورغ. وانصاع مع يونكر اعضاء البرلمان الأوروبي، الذين انتخبوا قبل اسبوعين الاشتراكي الالماني مارتن شولتز رئيسًا للبرلمان، في إطار صفقة ترتبط بتنصيب يونكر، كما افادت صحيفة ديلي تلغراف، لافتة إلى أن تعيين شولتز أُعلن في برلين قبل 11 يوما على تصويت البرلمان الأوروبي بانتخابه رئيسًا.
&
ويُطلق على المستشارة الالمانية لقب "ميركافيلي"، كناية بفيلسوف عصر النهضة الايطالي ميكافيلي الذي اصبح كتابه "الأمير" دليل الحكام في ممارسة السلطة والاحتفاظ بها. فهي بصرامتها ومهارتها في استخدام الآخرين لتحقيق اهدافها السياسية فرضت احترام قادة الاتحاد الأوروبي لها، في حين أن فكاهتها وشخصيتها الساحرة تدفعهم& إلى التسابق على خطب ودها.
&
نوافذ ألمانية
&
داخليًا، ميركل أكثر السياسيين شعبية في المانيا بنسبة تأييد تبلغ 77 بالمئة من الالمان، لكن بيئتها الطبيعية ليست المسرح العالمي أو الفخفخة المرتبطة بقادة القوى الكبرى. وعلى غير عادة القادة السياسيين في القرن الحادي والعشرين، فإن ميركل لا تملك حسابا تغرد منه على تويتر، ولا تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.
&
وفكرة التقاط صورة لنفسها مع الرئيس الأميركي باراك اوباما، كما فعل كاميرون خلال مراسم تشييع زعيم جنوب افريقيا الراحل نلسون مانديلا، فكرة غريبة عنها لا تخطر ابدا على بالها. ومن الأفضليات التي تتمتع بها ميركل على نظرائها في الغرب انها زعيمة اقوى اقتصاد في أوروبا، لكنها لا توحي للآخرين بأن بلدها يشكل تهديدًا أو قوة مهيمنة.
&
وحين سُئلت ذات يوم ما الذي يجعل المانيا دولة عظيمة، قالت: "ما من بلد يستطيع أن يصنع نوافذ جميلة لا تسرب الهواء كما تصنعها المانيا".
&
دروس أوروبية
&
لكن وراء مظهر ميركل المتواضع تكمن شخصية سياسية حازمة، كما اكتشف رئيس الوزراء اليوناني السابق جورج بابندريو، عندما هدد باجراء استفتاء على الاجراءات التقشفية في منطقة اليورو فتحركت ميركل، واختفى بابندريو في غضون شهر من تحركها ضده. وكما اكتشف رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني، الذي ارتكب خطأ فادحًا حين اصطدم معها حول الاصلاحات الاقتصادية، وتخلف ايطاليا عن تطبيق قواعد منطقة اليورو.
&
تعلم كاميرون درسًا قاسيًا بشأن صرامتها حين يتعلق الأمر بمصالح المانيا. فهي رفضت معارضته لترشيح يونكر رغم تحفظها على السياسي اللوكسمبورغي، واضعة مصالح المانيا السياسية فوق اعتبارات تحالفها مع بريطانيا.
&
ملكة أوروبا
&
وفي حين أن دور ميركل، بوصفها ملكة أوروبا غير المتوجة، غير رسمي، فان هذا الوضع لا يمكن أن يستمر& إلى ما لا نهاية. وخلال مأدبة عشاء أُقيمت الأربعاء، بدأت عملية البحث عن بديل يتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي من رومباي، الذي تنتهي ولايته في العام 2017.
&
وسيكون منصب رئيس الاتحاد الأوروبي شاغرا في ذلك العام. وأفادت تقارير بأن ميركل تعتزم التنحي فيه من منصب المستشار. وحينذاك، مع شروع بريطانيا في التحضير للاستفتاء الذي وعد به كاميرون على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو انسحابها منه، سيكون الطريق مفتوحًا أمام ميركل لتسلم رئاسة الاتحاد. وستُتوج ملكة أوروبا رئيسة للاتحاد الأوروبي تقود الأوروبيين في عهد جديد يرتبط هو ايضا باسمها.
&