دعا رئيس الحكومة العراقية المكلف حيدر العبادي الكتل السياسية إلى تعيين مفاوضين للاتفاق على الحقائب الوزارية، إنقاذًا للبلد من الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهه.. فيما قال المفكر حسن العلوي إن التطورات الأخيرة في العراق كشفت عن الحجم الهائل للمعارضة الداخلية والخارجية للمالكي.


أسامة مهدي: أعلن المكتب الاعلامي للعبادي أن رئيس الحكومة المكلف بدأ مشاورات لتشكيل الكابينة الوزارية الحكومية منذ الساعات الاولى لتكليفه بشكل رسمي. وقال إن العبادي منشغل حالياً بتشكيل الوزارة الجديدة وإعداد البرنامج الحكومي بالاتفاق مع باقي الكتل السياسية. واوضح أن هناك جهودًا مضنية تبذل في هذا المجال من اجل الخروج بحكومة قوية تعتمد على الكفاءة والنزاهة، وتساهم في إنقاذ البلد من الأزمات والإشكالات التي تواجهه على المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية.

ودعا العبادي الكتل السياسية الى تعيين ممثلين لها لغرض التفاوض والاتفاق على الحقائب الوزارية، وأن يكون المرشحون من الكفاءات الوطنية القادرة على النهوض بالعراق الى المستوى اللائق به، كما وركز على اهمية تمثيل المرأة في الحكومة القادمة بشكل مناسب. واكد مكتبه أن العبادي "يبذل قصارى جهده من اجل عرض الكابينة الوزارية بأسرع وقت ممكن من اجل التوجه لمرحلة اعادة الامن والقضاء على عصابات داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى، والتي تتطلب جهداً كبيرًا واستراتيجية امنية جديدة تتناسب مع الاوضاع الامنية الحالية".

ومن المنتظر أن يعقد العبادي الذي يتولى حاليًا منصب النائب الاول لرئيس مجلس النواب العراقي، مؤتمرًا صحافيًا ظهر اليوم يتحدث فيه عن آخر التطورات السياسية في البلاد، ثم يغادر مع الرئيس فؤاد معصوم الى اربيل عاصمة اقليم كردستان، لبحث تشكيل الحكومة المقبلة مع& القادة الاكراد والاوضاع الامنية في الاقليم على ضوء المعارك الدائرة بين قواته ومسلحي الدولة الاسلامية "داعش".

وكان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني قد عبّرا خلال اتصال هاتفي امس عن تأييدهما ودعمهما للمسار القانوني الذي اعتمد بخصوص تكليف العبادي بتشكيل الحكومة& الجديدة. وكان العبادي دعا القوى السياسية امس الى الجلوس معاً ليس لتشكيل الحكومة فقط، وانما لوضع رؤية وطنية مشتركة لحل مشكلات العراق الدستورية والسياسية والاقتصادية.. بينما انطلقت مفاوضات تشكيل الحكومة.

العلوي: التطورات كشفت حجم المعارضة الهائل للمالكي
من جهته، قال المفكر والسياسي العراقي المستقل حسن العلوي إن التطورات الاخيرة في العراق كشفت عن حجم المعارضة الهائلة، سواء على المستويات المحلية& أو الاقليمية والدولية لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي.

وقال العلوي في تحليل للتطورات السياسية التي شهدها العراق خلال الثماني والاربعين ساعة الماضية، وتسلمت "إيلاف" نسخة منه الاربعاء، إن رد الفعل ضد المالكي قد تحول الى مكاسب لمصلحة رئيس الوزراء المكلف (حيدر العبادي) وإلى درجة لم يسبق أن حدثت اثناء تشكيل وزارات في منطقة الشرق الاوسط من العالم، الى الحد الذي دفع مجلس الامن الى اصدار قرار بالترحيب بالمرشح الجديد، كما ان الولايات المتحدة الاميركية في ليلة واحدة قد ارسلت ثلاثة تعليقات معادية للمالكي، وانتهت حملة الترحيب بالمرشح الجديد الى تهنئة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لرئيس الوزراء المرشح.

واشار العلوي الى أن الحملة المحلية والعربية والاقليمية والدولية التي اجمعت على الترحيب برئيس الوزراء الجديد كانت تعني من طرف آخر استياءَها من سياسة المالكي المتشددة، وهذا يعني ايضاً تحميل رئيس الوزراء المكلف ما لاطاقة له أو لغيره به، فقد انعقدت آمال فضفاضة وكأن مشاكل العراق ستمتد اليها عصا ساحرة فيسود السلم الاهلي وتتحقق الوحدة الوطنية ويبدأ مشروع السنوات الخمس للتنمية، وتعود مكانة العراق في محيطه العربي، وتحل مشاكل المركز مع الاقليم، وتخرج داعش الى ما وراء الحدود، وتنتهي البطالة، ويتحول العراق بسهولة الى الصورة التي كان عليها في نزاهة اليد ونظافتها.
&
&لكنه استدرك قائلاً إن من أهم التطورات المثيرة التي حدثت خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية هي قيام تكتل برلماني جديد ضم اليه مجموعات فعالة من كتلة دولة القانون، اضافة الى كتلتي الفضيلة والاصلاح الوطني والكتلتين الاساسيتين المجلس الاسلامي الأعلى والتيار الصدري بعدم التجديد لدورة ثالثة للمالكي.. موضحاً "كان ابرز ما في هذا الخيار أن الكتل التي اجمعت على عدم التمديد للمالكي قد اختارت مرشحاً من داخل حزبه، مما فتح الأبواب امام تساؤل عريض بأن المالكي لا يرفض فقط تسليم السلطة لمعارضيه، بل لمرشح قيادي من حزبه، وهذه الالتفاتة الذكية من خصومه كانت المقتل في خاصرة مبدأ التمديد للولاية وإحداث انشقاق داخل حزب الدعوة وداخل ائتلاف دولة القانون".

وأضاف العلوي: انه من الطبيعي جداً أن لجاذبية السلطة وما تقدمه من منافع وامتيازات شرعية وغير شرعية قد تدفع معظم الاسماء البارزة المحسوبة على المالكي شخصيًا الى جانب المرشح الجديد لرئاسة الوزراء، وسيكون من الصعب على الزعيم الجديد للحزب، سواء كان المالكي ام العبادي، ترميم الحزب من جديد وتوحيده، وبهذا صدقت نبوءات سابقة لي بأن مستقبل حزب الدعوة سيرتبط بمستقبل مجلس الوزراء، وهو الامر الذي حدث خلال الساعات الماضية.
&
واشار العلوي الى أنه كان من ابرز اخطاء المالكي التي ادت الى هذه النتيجة الصادمة بالنسبة إليه خطابه في الدقائق الاخيرة من انتهاء المدة المخصصة لاختيار رئيس الوزراء ونزول قوات عسكرية الى الشارع، مما دفع بجهات محلية وإقليمية بعضها كان محايداً الى الوقوف في صف واحد ضد فكرة تمديد ولايته. وكان عليه أن يتحاشى هذا المنعطف ويتعالى بعدما شعر أن حزبه قد انشق وانشقت معه دولة القانون وترك الرجل مع أقلية لا تصل الى خمسين صوتًا في افضل الاحوال.
&
وحذر العلوي من التفاؤل المفرط بالحكومة الجديدة قائلاً "لا ينبغي ان تأخذنا الموجة، ونحن سياسيون مجربون، فنرقص على صوت الطبل، فالرئيس المرشح اذا اراد أن ينجح فأمامه طريق واحد، مادامت هناك كتل سياسية متناقضة، وهو أن لا يحكم وأن يتحول دوره الى منسق عام لهذه الكتل والتيارات المتناحرة، فإذا حكم فسيقع فيما وقع فيه سلفه المالكي، واذا لم يَحكُم فقد تستبد بالحكم كتل اخرى حوله، فيوصم بالضعف، والطريق الوحيد أمامه هو ان يقبل بأن يسمى ضعيفاً حتى يستمر رئيساً للوزراء من دون أن يكون حاكمًا، وهذا هو الهدف من فلسفة الدستور العراقي الذي حول لقب رئيس الوزراء الى رئيس مجلس الوزراء".
&
وقال العلوي انه تلقى شخصيًا رسائل من اطراف معارضة تبدي تفاؤلها بهذه الخطوة، وانها حملته رسائل الى المجلس الاعلى والتيار الصدري حول حسن نوايا من فئات معارضة مستعدة لأن تبدأ صفحة جديدة. وقال "مع علمي بأن الامور قد لا تكون بهذه السهولة، وان الانفراج المتوقع قد لايتحقق بهذه السرعة، فقد حملت هذه الرسائل الى اصحابها امس". واضاف "لا شك انها فرصة نادرة امام الرئيس المكلف، ولكن مثل هذه المهمات لا تحتاج رئيس وزراء، بل مجلس وزراء يشعر كل عضو فيه أن صلاحياته ومسؤولياته هي مسؤوليات رئيس المجلس، فيتشكل مجلس الوزراء، لا من وزراء، بل من رؤساء وزارات، بما لدى الوزير من صلاحيات، وأن تكون حول رئيس الوزراء لجان تخصصية نوعية للنفط والتربية والامن والاقتصاد والزراعة والصناعة والصحة، لأن منصب الوزير يبقى منصباً سياسياً، وليس مهنياً، ومجلس الوزراء سيحتاج خبراء مهنيين".

ونصح العلوي رئيس الوزراء المكلف اذا نجح بتشكيل الحكومة "أن يحضر في الاسبوع مرتين على الاقل الى مجلس النواب، علما بأن رئيس الوزراء البريطاني يتزعم كتلته في مواجهة زعيم المعارضة في مجلس العموم في كل جلسة، فاذا غاب لسفر او مرض، فإن نائبه يكون بديلًا منه في حضور مجلس العموم، ولعل من اخطاء المالكي الكبرى انه كان يستنكف من مجلس النواب عند دعوته للحضور".

وقال العلوي في الختام "بين التفاؤل والتشاؤم اتمنى لمعارضي المالكي ألا يذهبوا مذاهب الشماتة المنبوذة في اعراف السياسة والاخلاق، كما اتمنى عليهم أن يقتصدوا في المراهنة على نسب عالية من النجاح في دولة تفتقر الى عناصر وجودها وقيمومتها". يذكر ان أمام العبادي حتى التاسع من الشهر المقبل كحد اقصى لتشكيل حكومته وتقديمها الى مجلس النواب مع برنامجها الحكومي لنيل الثقة وبعكسه فإن على الرئيس فؤاد معصوم ان يكلف أي شخصية اخرى للقيام بالمهمة نفسها.

&