سيول: وصل البابا فرنسيس صباح الخميس الى سيول في زيارة تستمر خمسة ايام هي الاولى لحبر اعظم الى آسيا منذ 15 عاما تهدف الى تعزيز الحضور الكاثوليكي في آسيا والدعوة الى المصالحة بين الكوريتين.

وبعدما حلقت فوق الصين، وحطت طائرة الايرباص ايه-330 البابوية "ميكيل انجيلو بوناروتي" التابعة لشركة الطيران اليتاليا، في الساعة 10,15 (01,15 تغ) في مطار اينشيون حيث كانت الرئيسة بارك غوين بانتظاره قبل ان يقدم له تلامي باقات ورود.

وبعد ذلك، استقل الحبر الاعظم سيارة صغيرة سوداء وهو يبتسم وحيي بيده الحشد الذي تجمع على جانبي الطريق. وبالتزامن مع وصول البابا تقريبا، أطلقت كوريا الشمالية ثلاثة صواريخ قصيرة المدى من سواحلها الشرقية باتجاه البحر، كما اعلنت الحكومة الكورية الجنوبية. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع ان "كوريا الشمالية اطلقت ثلاثة صواريخ قصيرة المدى في بحر الشرق (بحر اليابان)".

وسيوجه البابا من سيول غير البعيدة عن خط العرض 38 الذي رسمت عليه الحدود بين الكوريتين، رسالة في محاولة للمساعدة على التقريب بين الجنوب الرأسمالي والشمال الشيوعي المنفصلين منذ 1953. وسيترأس "قداسا من اجل السلام والمصالحة" في شبه الجزيرة الكورية في كاتدرائية ميونغ دونغ في سيول في 18 آب/اغسطس في اليوم الخامس والاخير من زيارته الى كوريا الجنوبية.

وبشكل عام تضمن سلطات بيونغ يانغ التي لم تسمح لكاثوليك بالتوجه الى الجنوب للقاء البابا، حرية العبادة مبدئيا، المدرجة في الدستور. لكن الامم المتحدة تقول ان المسيحيين الذين يمارسون الشعائر خارج اطار الجمعيات الرسمية يمكن ان يتعرضوا للملاحقة.

في المقابل تشهد الكاثوليكية ازدهارا في كوريا الجنوبية التي تعد من "نمور" آسيا وتسجل نسبة نمو مرتفعة. وقد زارها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في 1989. والمسيحيون من كل الطوائف اكثر عددا من البوذيين. ويشكل الكاثوليك (10,7 بالمئة من السكان) كنيسة تتسم بالحيوية وتتمتع بنفوذ كبير.

وبسبب الفارق في الوقت، سيكون برنامج اليوم الاول للزيارة محدودا للبابا البالغ من العمر 77 عاما وسيقتصر على احتفال في مقر الرئاسة البيت الازرق، بحضور 800 شخصية من جميع انحاء البلاد، ثم لقاء مع 35 اسقفا.

واعلن الكرسي الرسولي ان للجولة ثلاثة اهداف اولها توجيه رسالة تبشير لآسيا حيث يشكل الكاثوليك 3,2 بالمئة من السكان لكن عددهم يزداد، الى آلاف الشبان الذين سيأتون من 23 بلدا "ليوم للشباب الكاثوليكي" في القارة.

ويبدو ان مسيحيي الصين سيكونون في صلب افكار البابا. وقال الرجل الثاني في الفاتيكان بيترو بارولين في مقابلة بثها التلفزيون ان البابا فرنسيس "يأتي ليتوجه الى كل بلدان القارة" حاملا رسالة من اجل "مستقبل آسيا".

وتعود آخر زيارة لحبر اعظم الى آسيا الى 1999، عندما توجه يوحنا بولس الثاني الى الهند. وقال ليونيل جينسن من جامعة نوتردام الاميركية ان "رحلة البابا رمز قوي لاعتراف الفاتيكان بان الكنيسة تنمو باسرع شكل في آسيا وافريقيا جنوب الصحراء".

ووجه البابا الذي يرسل دائما رسائل الى سلطات الدول التي تحلق طائرته فوقها "تمنياته" الى الرئيس الصيني شي جينبينغ "ومواطنيه (...) بالسلام والرخاء". وكانت بكين منعت طائرة يومنا بولس الثاني من التحليق فوق اراضيها خلال الزيارة التي قام بها الى كوريا الجنوبية قبل 25 عاما.

وتضم الصين ملايين الكاثوليك لكنها لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان منذ 1951. اما الهدف الثاني لزيارة البابا الى سيول فهو تطويبه عند باب غوانغوامون في سيول بول يون جيشونغ و123 شهيدا آخر من بدايات المسيحية.

وهي طريقة لتكريم مقاومة المسيحيين الآسيويين للاضطهاد الذي تعرضوا له في الماضي وتأكيد دور العلمانيين في الكنيسة اذ ان العقيدة المسيحية انتشرت عن طريق علمانيين متعلمين. وسيلقي البابا احد عشر خطابا في كوريا الجنوبية لن ينسى التطرق فيها الى الابعاد الاجتماعية والمجتمعية العزيزة على قلبه، كالفقر والفساد والعولمة والاجهاض.

وسيدعو الكنيسة التي خرج منها قسم من الطبقة القيادية، الى البقاء قرب المستبعدين من النمو السريع جدا. وقال المرسل الايطالي فنشينزو بوردو على موقع "فاتيكان اينسايدر" "ثمة تخوف من ان تبدو الكنيسة اليوم كنيسة الاثرياء للاثرياء".

وانتشرت المسيحية في اسيا بشكل كبير خلال القرن الماضي. واظهر استطلاع ان عدد المسيحيين تزايد عشرة اضعاف من 28 مليون في العام 1910 الى 285 مليونا في 2010 ليشكلوا بمختلف طوائفهم نحو 7 بالمئة من عدد سكان القارة.

ومن المقرر ان يزور البابا الفيليبين التي يدين نحو 87 مليون من سكانها بالمسيحية في كانون الثاني/يناير 2015. البابا الذي لم يعلن بعد عن اي رحلة الى افريقيا، يولي مسألة التبشير بالمسيحية في اطار الثقافات الاسيوية عناية خاصة.

وقد اتخذ من الراهب اليسوعي الايطالي ماتيو ريتشي (1552-1610) المدفون في بكين مثاله الاعلى. وحاز هذا الراهب على ثقة امبراطور الصين، ونشر بشارة الانجيل في هذا البلد في اطار احترام الثقافة المحلية.

ومن الهند الى سريلانكا ومن تيمور الشرقية الى اندونيسيا، ومن باكستان الى بورما واليابان، تتعايش كنائس كانت صغيرة جدا وغالبا ما تدافع عن حقوق الاقليات، مع الاديان الاخرى، -البوذية والهندوسية والاسلام- في ظروف صعبة اغلب الاحيان. وهذه الكاثوليكية المرنة هي التي سيشدد عليها البابا في اسيا.
&