أصبحت أزمة انقطاع الكهرباء في الشارقة أكبر تحدٍّ يواجه الإمارة، خاصة في أشهر الصيف شديدة الحرارة، لا سيما وإن صادفت هذه الأشهر الحارة شهر رمضان، وهو الأمر الذي تكرر في السنوات الثلاث الأخيرة، وهذا هو العام الثالث الذي تتناول فيه "إيلاف" مأساة انقطاع الكهرباء في الشارقة.
محمود العوضي من دبي: كل رمضان تنقطع الكهرباء في الإمارة، ولا يجد السكان حلًا سوى الهروب إلى المراكز التجارية للاستظلال بأجوائها الباردة، وتناول وجبات الإفطار والسحور، بعيدًا عن منازلهم، التي حوّلتها هيئة كهرباء ومياه الشارقة إلى "سونا" تحرقهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي من دون قدرتها على إيجاد حل جذري ينهي المشكلة، ويعيد البرودة إلى منازل السكان، الذين طفح بهم الكيل في "كلاكيت ومسرحية الكهرباء السنوي" في الإمارة.
الأمر الغريب أن الهيئة كل عام لا تلقي باللوم على نفسها في الانقطاعات المتكررة، وتكيل الاتهامات إلى أطراف أخرى، مثل شركات الغاز، في المقابل تقوم تلك الأطراف بالرد وتكيل الاتهامات بدورها إلى هيئة كهرباء ومياه الشارقة من دون الوصول إلى حل ينهي المشكلة أو من دون أن يعرف أحد من هو المتسبب الحقيقي في تلك الأزمة الكبيرة. ودائمًا يكون المستهلك هو الخاسر الوحيد والدائم.
الحاكم يحاسب المقصرين
الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة أيقن هذه المرة أنه لا مناص من محاسبة المقصرين، والوصول إلى المتسبب الحقيقي، ومعاقبته، مهما بلغ قدره أو منصبه أو علاقته به شخصيًا، والبحث عن حلول جذرية تنهي المشكلة من دون رجعة. فأمر بإقالة عدد يصل إلى نحو 40 شخصًا من كبار المسؤولين في هيئة كهرباء ومياه الشارقة، بعدما استشرى الفساد وانتشر بقوة في الهيئة، التي من المفترض أن تدرّ مليارات الدولارات، ورغم ذلك تعاني من انقطاعات متكررة وأزمة ديزل متواصلة نتيجة عدم قدرتها على سداد مديونياتها لشركات الديزل الموردة لها.
هذا وكان الشيخ سلطان قد أعلن أنه سيقطع إجازته خلال العيد ويسافر إلى ألمانيا وبريطانيا وفرنسا للإطلاع على الخبرات الغربية وأفضل الطرق الحديثة في مجال الكهرباء من أجل تطبيقها في الإمارة ومنع انقطاعها مجددًا.
وذكرت مصادر مطلعة لـ"إيلاف" أن الأسباب التي تؤدي إلى استمرار أزمة الكهرباء في الإمارة تكمن في أن هناك فئة عريضة من أقرباء الحاكم ومديري الدوائر الحكومية في الإمارة وبعض الشخصيات الكبيرة، يتم إعفاؤهم من سداد رسوم استهلاك الكهرباء، بناء على توصيات ومجاملات لهم من قبل مسؤولين في الهيئة، هذا إضافة إلى أن هناك عددًا كبيرًا جدًا من مسؤولي هيئة الكهرباء نفسها لا يقومون بسداد فواتير الاستهلاك الخاصة بمنازلهم ومتاجرهم ومزارعهم، وذلك على الرغم من أن كل الشخصيات سالفة الذكر يستهلكون الكهرباء بشكل خيالي، ولا يدفعون في المقابل ما عليهم من حقوق واستهلاك.
احتكار لبناني
وأشارت المصادر إلى أن الأمر الآخر في أزمة الكهرباء هو انتشار واستشراء الفساد في الهيئة، لدرجة خطيرة، وأن هناك تلاعبًا كبيرًا في عمليات توزيع الكهرباء وتلاعبًا في الموارد والعطاءات والمناقصات التي تربط الهيئة بشركات الديزل.
وبينت أن هناك شركة واحدة في الشارقة هي التي توزع الكهرباء، ويملكها شخص لبناني ومعه مجموعة من الشركاء، وتحتكر هذه الشركة إبرام عقود واشتراكات الكهرباء مع الناس والشركات. وهذه الشركة هي التي لديها صلاحية وتقدير من يعفي ومن يدفع رسوم الكهرباء. وأكدت أن هناك محسوبيات ومجاملات لا حصر لها تقدم إلى عدد كبير من الناس في الإمارة، الأمر الذي يشير إلى أن هناك شبهات فساد واسعة تدور حول هيئة كهرباء الشارقة والشركات المتعاونة معها والمرتبطة بها.
خبرة دبي وأبوظبي
وتساءلت المصادر: لماذا لا تستعين هيئة كهرباء ومياه الشارقة بخبرة نظيرتيها في دبي وابوظبي الكبيرة في استراتيجية توزيع الكهرباء بشكل عادل والقضاء على مشاكله؟!، حيث انه لا يوجد هناك أي نوع من المحسوبية او المجاملة او الفساد في قطاعات الكهرباء هناك، كما ان هناك الكثير من الخبراء الالمان والبريطانيين والفرنسيين موجودين في تلك الهيئات وبالتالي يمكن الاستفادة منهم والاستعانة بهم بشكل مباشر دون الحاجة الى استقطاب خبراء جدد.
ولماذا لا يتم تسليم مهام إدارة هيئة كهرباء الشارقة الى الهيئة الاتحادية للكهرباء والمياه؟، والتي يمكنها ان تقضى على كافة التجاوزات التي توجد في الشارقة وتعمل على إعادة التوزيع العادل ومنع أي مسؤول من استغلال سلطاته او تجاوزه عن سداد ما عليه من استهلاك.
الأخوان ديماس
تجدر الإشارة إلى أنه تم تعيين جديد مدير عام جديد لهيئة كهرباء ومياه الشارقة في نيسان (إبريل) الماضي، وهو المهندس راشد عبيد جمعه الليم، وذلك ليعمل على إعادة هيكلة الهيئة من جديد، والقضاء على ما فيها من فساد ومفسدين. والمدير السابق للهيئة هو إبراهيم راشد ديماس، وكان أخوه يشغل منصب مساعد مدير عام الهيئة، وهناك غيره الكثير من المسؤولين الذين كانوا يعيّنون أقرباءهم في مناصب قيادية في الهيئة، ما ينبئ بأن الهيئة تدار بشكل عائلي. ويبدوا أن هذا هو السبب وراء استشراء الفساد والمحسوبية فيها.
ومنذ عام 2009 يقول المسؤولون في الهيئة إن السبب في انقطاع الكهرباء هو توقف شركة "فال" للبترول عن توريد الغاز والديزل إلى الهيئة لتأخرها في تسديد مستحقات مالية للشركة.
وذكر تقرير لـ"رويترز" أن هناك خلافات مالية منذ 6 سنوات بين امارة الشارقة وشركة فال، التي كانت تورد الغاز للإمارة، حيث إن الشركة التي تملكها عائلة آل ثري، ويشغل فيها ماجد عبد الله جمعة آل ثري، منصب العضو المنتدب لها، تقاضي حكومة الشارقة في معركة علنية نادرة في المحاكم، وتطالبها بسداد مستحقات تقدر بـ 750 مليون دولار، وهي عبارة عن فاتورة الوقود للنفط المتنازع عليه بين الإمارة والشركة.
وفي عام 2008 أعلنت شركة دولفين للطاقة عن تزويد هيئة كهرباء ومياه الشارقة بالغاز الطبيعي للمرة الأولى، وذلك عبر وصلة خط أنابيب غاز دولفين. وقال أحمد علي الصايغ الرئيس التنفيذي لشركة دولفين للطاقة في ذلك الوقت إن دولفين تقوم بإمدادات الغاز مباشرة إلى أبوظبي ودبي والفجيرة ورأس الخيمة.. موضحًا أنه من خلال الترتيبات القائمة للتوريد إلى الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء وهيئة كهرباء ومياه الشارقة تكون الشركة قد أمدت جميع الإمارات في الدولة بالغاز الطبيعي. وكانت "إيلاف" قد كتبت موضوعات سابقة عدة عن انقطاع الكهرباء المستمر على مدى السنوات الثلاث الماضية ومعاناة السكان هناك جراء ذلك.
&
&
&
&
&
التعليقات