كابول: اعلن الاحد فوز الجامعي والخبير الاقتصادي اشرف غني في الانتخابات الرئاسية الافغانية، بحسب النتائج النهائية التي نشرتها اللجنة الانتخابية بعد ثلاثة اشهر من الاعتراضات من قبل خصمه، الذي لم يحالفه الحظ عبد الله عبد الله.

وجاء ذلك بعد ان وقع المرشحان المتنافسان في وقت سابق الاحد اتفاقا لتشكيل حكومة وحدة وطنية لوضع حد للخلاف الانتخابي بينهما منذ الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 14 حزيران/يونيو التي شابتها عمليات تزوير كثيفة. وصرح رئيس اللجنة الانتخابية احمد يوسف نورستاني للصحافيين لاحقا ان "لجنة الانتخابات المستقلة تعلن اشرف غني رئيسا، وبالتالي تعلن نهاية العملية الانتخابية".& واضاف "خلال العملية الانتخابية ارتكبت اعمال تزوير من جميع الاطراف.. وهو ما اقلق الناس".

ولم يحدد نورستاني هامش الفوز او نسبة المشاركة في الانتخابات او عدد الاصوات المزورة التي تم الغاؤها في عملية التدقيق المكثفة التي جرت باشراف الامم المتحدة لكل الاصوات. وبموجب الدستور فان الرئيس يحصل على السلطة الكاملة.

ومن المقرر ان يختار الرئيس الجديد عبد الله عبد الله رئيسا للسلطة التنفيذية او ان يتولى بنفسه هذا المنصب الذي سيصبح "وزيرا اول تنفيذيا" في غضون السنتين المقبلتين بحسب مشروع اتفاق اطلعت عليه وكالة فرانس برس. وقال الرئيس المنتهية ولايتة حميد كرزاي عقب توقيع الاتفاق بين غني وعبدالله "انا سعيد، لان شقيقي اشرف غني وعبدالله توصلا الى اتفاق افغاني من اجل خير وازدهار البلاد.. وامل في ان تجلب جهودهما السلام الدائم لهذا البلد".

وقد حثت الامم المتحدة وحلفاء كابول في طليعتهم الولايات المتحدة، بشكل كبير على ابرام الاتفاق بين الرجلين لتجنب غرق البلاد في انقسامات عنيفة في وقت يستعد فيه معظم جنود حلف شمال الاطلسي للانسحاب بحلول نهاية السنة.

وغداة الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في منتصف حزيران/يونيو، ندد عبد الله عبد الله الذي تقدم كثيرا على منافسه في الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية (45% من الاصوات مقابل 31.6%)، بعمليات تزوير كثيفة، ما اجّج التوترات بين الطاجيك المؤيدين له والبشتون الداعمين لغني.

وبهدف ابعاد مخاطر الاضطرابات السياسية وقع المرشحان في مطلع اب/اغسطس في حضور وزير الخارجية الاميركي جون كيري اتفاقا حول مبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية ايا يكن الفائز في الانتخابات الرئاسية، وذلك لتجنب العودة الى الانقسامات الاتنية التي كانت سائدة ابان الحرب الاهلية في تسعينات القرن الماضي. ويتخوف المجتمع الدولي وفي مقدمه واشنطن المموّل الرئيس لافغانستان، من مخاطر حصول اضطرابات سياسية قبل بضعة اشهر من انسحاب قوة حلف شمال الاطلسي المقرر في اواخر هذا العام.

لكن الاتفاق لا يلغي كليا مخاطر المواجهة في رأس هرم السلطة لان الدستور يعطي الرئيس غالبية الصلاحيات. ورحبت وزارة الخارجية الايرانية الاحد بالاتفاق. وافاد بيان للوزارة ان ايران "جارة افغانستان ايدت دائما السلام والامن والاستقرار في هذا البلد وتشكيل حكومة موسعة"، مشيرة الى ان هذا الاتفاق يؤكد "النضج السياسي للنخب والشعب في افغانستان".

وقررت قوة الحلف الاطلسي في افغانستان (ايساف)، التي تعد اليوم 41 الف جندي، بينهم 29 الف اميركي، سحب كل قواتها القتالية من البلاد بحلول نهاية العام بعد انتشار دام 13 عاما لم يسهم في هزم التمرد الذي تقوده طالبان. لكن الغربيين يرغبون في هذا الاطار ان تبقى قوة محدودة قوامها 12 الف عنصر، غالبيتهم من الاميركيين في البلاد اعتبارا من العام 2015 لدعم القوات الافغانية في مواجهة طالبان.

وهذا الاسبوع قتل ثلاثة جنود من الحلف الاطلسي - اميركيان وبولندي - في هجوم انتحاري في كابول وقع قرب مجمع سفارة الولايات المتحدة الكبير المحصن. وستقع على عاتق الحكومة الجديدة المهمة الحساسة للعمل على توفير الاستقرار والامن في البلاد، التي تعد من افقر بلدان العالم، وكذلك اعادة اطلاق اقتصادها، في وقت بدأت فيه المساعدة الدولية بالنضوب.

وقد تسعى الى اعادة اطلاق مشاريع التفاوض مع طالبان لوضع حد لنزاع ما زال يتسبب بسقوط ضحايا. فخلال الاشهر الثمانية الاولى من هذا العام ادت الحرب بحسب الامم المتحدة الى سقوط اكثر من 2300 قتيل مدني افغاني، اي بزيادة نسبتها 15% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

نبذة
اشرف غني فكر طموح يعرف بمزاجه الحاد وغضبه السريع ويصف نفسه بانه "روح حرة"، ولا يتوقع ان تكون فترة حكمه لافغانستان عادية بعد اعلانه فائزا في انتخابات الرئاسة الاحد.& يملك غني (65 عاما) خبرة واسعة في المجالين الاكاديمي والاقتصادي بعدما غادر افغانستان في 1977 ليعود اليها بعد 24 عاما ليحقق حلمه باعادة بناء بلاده.

درس في جامعة كولومبيا في نيويورك، وعمل في مجال التدريس في الولايات المتحدة خلال الاحتلال السوفياتي لافغانستان في الثمانينات. عمل في البنك الدولي من العام 1991 حيث اصبح خبيرًا في صناعة الفحم الروسية، وعاد الى كابول مستشارا خاصا كبيرا للامم المتحدة بعيد الاطاحة بطالبان في 2001. وفي الايام التي تلت كان مهندسا رئيسا للحكومة الانتقالية، واصبح وزيرا للمالية في ظل رئاسة حميد كرزاي من 2002 حتى 2004، وشن حملة ضارية على الفساد.

يشتهر غني بطاقته المتدفقة، حيث قام بطرح عملة جديدة، ووضع نظام ضرائب، وشجع المغتربين الافغان الاغنياء على العودة الى وطنهم، وتودد الى المانحين في الوقت الذي كانت تخرج بلاده من عهد طالبان. الا انه عرف بصفة لا تزال تلاحقه حتى الان هي سرعة الغضب. كتب الكاتب المخضرم احمد راشد الذي عرف غني لمدة 25 عاما "لم يسمح غني لاي شخص كان بان يقترب منه كثيرا. وكان مترفعا". واضاف "وللاسف فان نوبات غضبه ومزاجه الحاد وغطرسته مع الافغان والغربيين ظهرت مرارا، وجعلت منه شخصية غير محبوبة".

لم يحقق غني نتائج جيدة في انتخابات الرئاسة في 2009، الا انه صدم العديد من الافغان هذه المرة باختياره الجنرال عبد الرشيد دوستم للترشح لمنصب نائب الرئيس، لان زعيم الحرب الاوزبكي متهم بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الانسان. الا ان غني حقق العديد من الانتصارات في حملته الانتخابية بفضل خطاباته النارية، كما حقق نتائج افضل من تلك التي توقعها العديدون في الجولة الاولى من الانتخابات، حيث حصل على 31.6% من الاصوات مقابل 45% لخصمه عبدالله عبدالله.

واظهرت النتائج الاولية لجولة الاعادة التي جرت في حزيران/يونيو تفوقه بـ13 نقطة على عبدالله عبد الله، كما اكدت النتائج الرسمية التي اعلنت الاحد فوزه في الانتخابات، رغم عدم كشف اي ارقام.& ورغم المزاعم بحدوث عملية تزوير واسعة، الا ان النتيجة تعتبر نصرا لغني، الذي يقول ان تعامله بصبر مع مفاوضات تشكيل "حكومة وحدة وطنية" مع عبدالله اظهر انه مؤهل لان يكون الرئيس الموحد لافغانستان.

وغني هو من الباشتون، مثل كرزاي، وبدأ مؤخرا باستخدام اسم قبيلته احمدزاي لكي يؤكد على خلفيته، رغم انه يؤكد اهمية توحيد قبائل افغانستان الاثنية المشتتة. وكانت اخر ادواره الاشراف على نقل المسؤوليات الامنية من قوة الحلف الاطلسي الى القوات الافغانية، وهو الدور الذي استغله ليتجول في جميع انحاء البلاد ويزيد من تعريف الناس اليه.

وصرح غني لوكالة فرانس برس مؤخرا "لن اعيش حياة معزولة (في القصر الرئاسي)".& واضاف "اعتزم ان اتنقل، كما فعلت اثناء دوري في نقل المهام الامنية. انا روح حرة ولا يمكن ان اجلس في اماكن مغلقة". وتابع "يقولون لي ان شخصا او اخر سيغتالني، ولكنني لا ازال اتنقل".& وغني متزوج من رولا التي التقاها اثناء دراسته الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت، وله منها ولدان.

ويحافظ على روتين يومي ثابت بعدما اصيب بسرطان المعدة الذي اضطر الاطباء الى ازالة جزء من معدته، ما يجعله غير قادر على تناول وجبات كاملة ويكتفي بالوجبات الخفيفة.& ويقول البعض ان اقترابه من الموت اذكى تصميمه وعزمه الاكيدين، كما عزز قراره ان يتولى اكبر منصب في البلاد رغم كل شيء. وصرح لوكالة فرانس برس ان الامر الوحيد الذي سيندم عليه اذا حصل على الرئاسة هو ان عليه ان يعيش في قصر في وسط كابول بدلا من بيته الواقع على مشارف المدينة.

واضاف "اعتقد انني ساتمكن من التسلل الى منزلي .. والقانون يحتم علي العيش في القصر. لقد تاكدت من ذلك. وكان هذا اكثر شيء مؤسف اكتشفته". وتابع "حديقة منزلي بدأت تؤتي ثمارها من الفواكه والخضروات، وامل في ان استمتع بها". وعند تسلمه السلطة يرجح ان يعمل غني على اصلاح العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، الا ان اسلوبه العدائي قد يؤثر سلبا على علاقاته مع عبدالله والرئيس المنتهية ولايته حميد كرزاي.&

&