أطل الشيخ محمد بن راشد، عبر مقال حظي باهتمام لافت، ليؤكد أن ما يعرف بتنظيم "داعش" وحّد العالم من أجل القضاء على الإرهاب، مشددًا على أنّ المكانة الروحية للسعودية تجعلها الأجدر بقيادة دفة التغيير في المنطقة.

سالم شرقي من دبي: ما بين تغريدات عبر موقع تويتر في العالم الإفتراضي، أو قصيدة شعرية يحلق بها على أجنحة الأدب العربي، أو مقال سياسي أو إقتصادي يخطّه بقلمه من صحافة الإمارات إلى العالم، وربما عبر خطاب مباشر مع الجمهور في مناسبات وفعاليات حكومية وإقتصادية وإعلامية، تتنوع طرق تواصل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مع المجتمعين الإماراتي والعربي، بل والعالمي، فهو يشكل أحد مصادر الثقة في الشارعين الخليجي والعربي، ويزرع الأمل في مستقبل أفضل لشعوب المنطقة، فضلاً عن ثقة العالم في قدرته على لعب دور الملهم في معادلة سحرية خلاصتها أن الإقتصاد أكثر أهمية من السياسة.

وفي إطلالته عبر مقال حظي باهتمام لافت اليوم، أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن داعش بأفعالها الوحشية وحدت العالم، ودفعت الجميع للتكاتف من أجل القضاء على شر الإرهاب، كما أشار نائب رئيس دولة الإمارات إلى أن المكانة الروحية للسعودية تجعلها الأجدر بقيادة التغيير في المنطقة، وكان من اللافت ربط الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بين الوضع السياسي والإقتصادي بمنظور رجل يعشق عالم الإقتصاد، ويرى أن الجهود التي تبذلها الدول والحكومات ليس لها سوى هدف واحد، وهو رفاهية الإنسان.

ترابط عالمي

وجاء في مقال حاكم دبي: "أظهرت لنا الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم بين فترة وأخرى، مدى الترابط المالي والتجاري بين مختلف دول العالم، وأظهرت لنا أزمة داعش، مدى الترابط الأمني بين مختلف دول العالم. لا يمكن لأي سياسي يعيش في أوروبا أو أميركا أو شرق آسيا أو حتى روسيا وأستراليا، أن يتجاهل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، فحتى لو كان بعيداً عن النيران، فستصله حرارتها، لأن الحدود الحقيقية بين دول العالم سقطت، والحواجز ألغيت، وإلا، كيف يمكن أن نفسر قدرة هذا التنظيم الذي لم يتعدَّ عمره العشر سنوات، على استقطاب مقاتلين من 80 دولة حول العالم، وحشد أكثر من 30 ألف مقاتل مستعدين للموت ولارتكاب أبشع أنواع الفظائع والقتل الذي شهده العالم في العقود الأخيرة؟

خطر داعش

لقد أثبتت داعش أن العالم أصبح اليوم أكثر عولمة من أي وقت مضى. داعش منظمة إرهابية بربرية وحشية، لا تمثل الإسلام، ولا تمثل أيضاً الحد الأدنى من الإنسانية الحقيقية. ولكن التغلب على هذا التنظيم ليس بالسهولة التي يمكن أن يتوقعها الكثيرون. البنية العسكرية للتنظيم يمكن هزيمتها خلال الفترة القريبة القادمة بالإمكانات المتوفرة لدى التحالف الدولي الجديد، والإمارات ستكون جزءاً فاعلاً في هذا التحالف، بالتعاون مع الدول التي يمكنها تحمل مسؤوليات هذا الخطر الجديد. ولكن، ماذا عن البنية الفكرية لهذا التنظيم؟ لا يمكن فصل البنية العسكرية عن البنية الفكرية التي قام عليها هذا التنظيم، وأيضاً عن الظروف والبيئة التي تساعده دوماً على الظهور في مناطق مختلفة من العالم.

فكرة خبيثة

داعش ليست منظمة إرهابية فقط، بل هي فكرة خبيثة. الإيديولوجيا التي قامت عليها داعش، هي نفسها التي قامت عليها القاعدة، وهي نفسها التي قامت عليها أخوات القاعدة في نيجيريا وباكستان وأفغانستان والصومال واليمن، وفي بلاد المغرب العربي وفي بلاد الجزيرة العربية، وهي نفسها التي بدأت تضع بذوراً لها في أوروبا وأميركا وغيرها من بلاد العالم. داعش ليست منظمة إرهابية، بل هي تجسيد لفكرة خبيثة، ولا يمكن هزيمة فكرة خبيثة باستخدام التحالفات العسكرية فقط. لعل هذا الفكر الخبيث وما سينتج منه، هو أسوأ ما سيواجهه العالم خلال السنوات العشر القادمة. هناك فكر جاهز ومعلب وله صبغة دينية، يمكن أن تأخذه أي منظمة إرهابية، وتحشد له آلاف الشباب اليائس أو الحاقد أو الغاضب، وتضرب به أسس الحضارة والمدنية والإنسانية التي يقوم عليها عالمنا اليوم.

أكثر ما يقلقني، أن هذا الفكر الخبيث الذي قامت عليه القاعدة بأدواتها البدائية من كهوف أفغانستان، واستطاعت أن تزعزع به أمن العالم وتقلق راحته، هو الفكر نفسه الذي تقوم عليه داعش اليوم، وترتكز في تنفيذه على أدوات تكنولوجية متقدمة، وموارد مالية ضخمة، ومساحة جغرافية هائلة، تعادل حجم المملكة الأردنية، ومشاركة جهادية واسعة من مختلف مناطق العالم، ما يؤشر إلى أن العالم فشل في مواجهة الفكر الخبيث، وأن التحدي أكبر بكثير مما نتوقع، لأن هذا الفكر أصبح أكثر تشدداً وأكثر وحشية وأوسع انتشاراً من النسخة السابقة له.

مواجهة التحدي

لست متشائماً بطبعي، بل أنا متفائل، متفائل لأن العالم بدأ يتوحد ويعمل بطريقة متناسقة لمواجهة هذا التحدي، ومتفائل لأن قوة الأمل والرغبة في الاستقرار والازدهار عند الشعوب أكبر بكثير، وأقوى بكثير من هذا الفكر الخبيث، ومتفائل أيضاً لأن العالم مر عليه في تاريخه الحديث والقديم من هو أسوأ من داعش وأخواتها، وانتهى بهم الأمر في صفحات التاريخ السوداء.

لعل إحدى حسنات داعش وإيجابياتها، أنها وحدت العالم، وجمعت الأضداد، وجعلت الجميع يضع خلافاته جانباً ليواجه هذا الخطر المتنامي بهذا الاستعجال الإيجابي. وأتمنى أن يستمر العالم بنفس الروح، وبنفس التصميم للتغلب على كافة التحديات المشتركة التي تواجه العالم.

ثلاثة محاور لإبادة الإرهاب

أما بالنسبة إلى مواجهة هذا الخطر، فبالإضافة للعمل العسكري، والحصار المالي والإعلامي، وقطع الموارد، وإغلاق المنافذ، وضرب مراكزه وقياداته، يمكن التغلب على داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية عبر 3 محاور إضافية:

أولاً: لا بد من مواجهة هذا الفكر الخبيث بفكر مستنير، منفتح، يقبل الآخر ويتعايش معه، فكر مستنير من ديننا الإسلامي الحنيف الصحيح الذي يدعو للسلام، ويحرّم الدماء، ويحفظ الأعراض، ويعمر الأرض، ويوجه طاقات الإنسان لعمل الخير ولمساعدة أخيه الإنسان. إن الشباب الانتحاري الساعي للموت بسبب إيمانه بفكرة خبيثة، لن توقفه إلا فكرة أقوى منها ترشده لطريق الصواب، وتمنعه من الانتحار، وتقنعه بأن الله خلقنا لعمارة الأرض، وليس لدمارها. ولعلي هنا أن أشيد بتجربة إخوتنا في المملكة العربية السعودية في هذا المجال، وقدرتهم الكبيرة على تغيير قناعات الكثير من الشباب عبر مراكز المناصحة التي أنشأوها. ولعل المملكة بمفكريها وعلمائها، وما تمثله من مكانة روحية وفكرية لدى المسلمين، هي الأقدر والأجدر والأفضل لقيادة هذا التغيير الفكري.

ثانياً: الحكومات القوية المستقرة الجامعة التي تركز على تقديم خدمات حقيقية لشعوبها دون تفرقة، هي أيضاً أحد الحلول المهمة للقضاء على البيئة التي تنشط فيها مثل هذه التنظيمات. ولعله ليس سراً أن الصعود السريع لداعش، جاء بسبب حكومتين في المنطقة، واحدة تقتل شعبها، وأخرى تفرق بينهم على أساس طائفي، ما مثل البيئة المثالية لصعود مثل هذا التنظيم، واجتذاب آلاف المقاتلين، وتوفير التبرير لقتل المزيد من المدنيين من أبناء الطوائف الأخرى.

هناك عدم استقرار وتحديات جدية تواجه العديد من الحكومات الأخرى في المنطقة، لا يمكن تجاهل ذلك، لأنه سيوفر بيئة مثالية وفراغاً تملأه مثل هذه التنظيمات الإرهابية في أكثر من دولة.

ثالثاً: لا يمكن للعالم تجاهل الإخفاقات التنموية في العديد من مناطق الشرق الأوسط. هي مسؤولية عالمية وعربية، ولا بد من مشاريع ومبادرات فعالة لعلاج مثل هذا الخلل. التنمية الشاملة، وتحسين التعليم والصحة، وتوفير البنية التحتية، وتطوير الفرص الاقتصادية، هي حلول طويلة الأمد ومضمونة لمثل هذه التحديات. التنمية المستدامة هي أكثر الحلول استدامة لمواجهة الإرهاب.

هناك 200 مليون شاب في منطقتنا، إما أن نغرس فيهم الأمل، ونوجه طاقاتهم لتغيير حياتهم وحياة من حولهم للأفضل، أو أن نتركهم للفراغ والبطالة والأفكار الخبيثة والمنظمات الإرهابية. إن التطور الاقتصادي والتنموي وتوفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة، لا تترك أي مبرر أو معنى لقيام تنظيمات إرهابية قوية، حتى وإن تم تجنيد بعض الشباب هنا وهناك.

إزرعوا الأمل

لا يوجد قوة أكبر من قوة الأمل بحياة ومستقبل أفضل. قبل فترة، سألني أحد المسؤولين العرب عن هدف دولة الإمارات من إطلاق أول مسبار عربي للمريخ وفائدته للمنطقة، قلت له، نريد أن نبعث برسالة أمل لـ 350 مليون عربي. نحن قادرون على استعادة مستقبلنا، ومسابقة العالم من حولنا، إذا أردنا ذلك".
&