استبعد وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان رشيد درباس في مقابلة خص بها "إيلاف"، إمكانية حصول توطين نهائي للاجئين السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية، مؤكدًا أن عددهم آخذ في التناقص، واقترح على الغرب إقامة استثمارات في أماكن تواجد السوريين تشجّعهم على العمل بدلًا من أن يكونوا عالة على المساعدات.


ليال بشارة من باريس: يشرح رشيد درباس وزير الشؤون الإجتماعية في لبنان في حديث لـ "إيلاف" الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في مواجهة أزمة اللاجئين السوريين على أراضيها.

درباس أكد أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان لا يزداد، بل يتناقص، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، المتمثلة في منع اللجوء من سوريا نحو أراضيها باستثناء حالات استثنائية، يليها فقدان كل سوري مقيم في لبنان صفة لاجئ، إن دخل إلى سوريا.

أقرّ درباس بأن غالبية الولادات الجديدة للاجئين السوريين لا يتم تسجيلها لدى السفارة السورية، لكن ذلك لا يُلزم لبنان بشيء قانونيًا، لأن التوطين القانوني غير وارد إطلاقًا. لكن، بطبيعة الحال، بات الوجود السوري على الأراضي اللبنانية مكلفًا جدًا، بعدما أضحى نصف عدد الشعب اليوم من غير اللبنانيين.

وفي مسعى إلى تطويق أزمة اللاجئين، مع تناقص عمليات الإغاثة، يومًا بعد يوم، اقترح رشيد درباس على الدول الأوروبية إقامة إستثمارات في المناطق اللبنانية، حيث يتواجد اللاجئون السوريون، ضمن ما يسمح به القانون اللبناني، لكي يستطيع السوريون واللبنانيون معًا أن ينتجوا رزقهم، بدلًا من أن يعيشوا عالة على الإغاثة.

وفي ما يلي نص الحوار:

لا لاجئين بعد الآن

ما هو العدد الرسمي للاجئين السوريين في لبنان؟

أولًا، أود أن أؤكد أن عدد اللاجئين السوريين لا يزداد، بل يتناقص، لأن الحكومة قد اتخذت قرارًا بدأ تنفيذه في الخامس من الشهر الأول من عام 2015 بمنع اللجوء، وهذا لا يعني أننا أقفلنا الأبواب أو أقفلنا الحدود في وجه السوريين، فهم يستطيعون أن يأتوا بصورة اعتيادية، على أساس أن يبرر كل زائر سبب زيارته، ولكننا في الوقت عينه لن نقبل لاجئين إلا في الحالات الإنسانية الاستثنائية، لأنه لم يعد هناك مكان يتسع لمزيد من اللاجئين، ولأن المناطق القريبة من لبنان، والتي تجري فيها المعارك، لم يعد فيها مدنيون. أما العدد الحالي المسجل رسميًا فهو مليون ومئة وسبعة عشر ألف لاجئ سوري، لكنّ السوريين المقيمين في لبنان يناهز عددهم مليوناً ونصف مليون سوري.

الحكومة اللبنانية وضعت قواعد من شأنها تخفيف العدد، ولقد أبلغنا المفوضية العليا للاجئين أن كل سوري يذهب إلى سوريا يفقد صفته كلاجئ، لأن اللاجئ، بحسب تعريف إتفاقية جنيف، هو الذي ليس بمقدوره أن يذهب إلى بلد جنسيته، وبالتالي فإن كل سوري مقيم في لبنان يذهب إلى سوريا يفقد صفة لاجئ، ولقد تجاوبت معنا المفوضية العليا للاجئين، وبدأت بشطب هؤلاء. وأود أن أؤكد أن الحدود بين لبنان وسوريا غير مقفلة، ولكننا لن نقبل لاجئين، إلا في الحالات الإستثنائية البحتة، التي وضعنا لها معايير صارمة.

ماذا عن الولادات الجديدة للاجئين السوريين؟، هل يتم تسجيلها لدى السلطات اللبنانية أو السفارة السورية؟

هناك وسائل عديدة، ولكن من الطبيعي أن يتم تسجيل الولادات الجديدة للاجئين السوريين في سجل الأجانب لدى وزارة الداخلية، وأيضًا هذا التسجيل يُؤكَد لدى السفارة السورية، لكن هذا الأمر لا يتم، لأسباب متعددة، منها أولًا أن كثيرًا من اللاجئين لا يذهبون إلى السفارة السورية، وكثيرًا منهم لا يستوفون الشروط التي يقتضيها التسجيل في وزارة الداخلية، كوثيقة ولادة، وأن يكون عمر المولود الجديد أقل من سنة، فهم يتراخون في ذلك، وبالتالي تنقضي المدة الزمنية المعطاة، ويصبح التسجيل لدى دائرة الأجانب مستحيلًا إلا بقرار قضائي، ولكن هم في أية حال يذهبون للتسجيل لدى المفوضية السامية، وهذا يجعلهم يحصلون على وثيقة دولية في واقعة الولادة، لكن هذا التسجيل لا يُلزم لبنان بشيء، لأن التسجيل في وكالة اللاجئين هو تسجيل تابع للأمم المتحدة، ولبنان ليس شريكًا فيه على الإطلاق، ولا يحمّل لبنان أي إلزامات.

أزمة وجود قومي

هل تتخوفون اليوم من سيناريو غربي يقوم على توطين اللاجئين السوريين في مناطق تواجدهم للحدّ من أزمة اللجوء غير الشرعية إلى أوروبا؟، وهو ما عبّر عنه صراحة العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر؟

أنا لا أستطيع أن أنفي تمامًا ما قاله الجنرال عون، ولكننا نحن في البداية عندما تسلمنا هذا الملف، ربما حدثت تباينات في وجهات النظر بيننا وبين الجهات المسؤولة عن اللجوء، ومعظم الدول المانحة، بحجة أن اللاجئ مضطر لأن يجد مكانًا آمنًا له. لكن أعتقد أنهم الآن يشعرون بفداحة ما كانوا يطلبونه من الدول المستضيفة للاجئين السوريين، لكونهم الآن، ومع وجود مئة وعشرين ألف لاجئ في أوروبا، تتقاسمهم عشرون دولة، يعانون من أزمة خطيرة وقوية، في حين أن مئة وعشرين ألف لاجئ تجدونهم متواجدين في قرية واحدة مع ضواحيها، هي عرسال في لبنان، وهنا على المجتمع الغربي خاصة والدول المانحة أن تدرك مدى الثقل الذي يتحمله لبنان.&

ورغم ذلك فإن لبنان يعاملهم معاملة جيدة وأخوية، ونحن لا نلجأ إلى أية وسيلة من وسائل العنصرية، ولكن إمكاناتنا أصبحت ضيقة جدًا، فنسبة النمو في لبنان وصلت إلى الصفر، وربما إلى ما دون الصفر، وفرص الاستثمار تهرب من لبنان، لأن الوضع غير مستقر، ولبنان يعاني أيضًا من وضع سياسي هشّ، لا يستطيع أن يتحمل هذا الثقل الكبير ولا يستطيع أن يبتكر حلولًا للوجود السوري هنا.

نحن بما هو متاح نحاول أن نطرح بعض الأفكار، ونطالب بوضع حد أو حل سياسي لهذه المجزرة المستمرة في سوريا هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحن نشجّع على قيام أو إقامة مناطق آمنة للسوريين، لكي تكون حافزًا لبعض اللاجئين للذهاب إلى بلادهم، وتثبتهم في ديارهم، إضافة إلى ذلك، فإن منحًا تأتي غير صالحة، حتى لإغاثة السوريين، علمًا بأن المجتمع المضيف يتحمل أعباء كبيرة، يكفي أن أقول إن البنى التحتية، التي كان مُعدًا لها أن تُستهلك في خمسة عشر عامًا، قد استُهلكت في عامين فقط، ونحن الآن نعيش نسبة كثافة سكانية غير مسبوقة، هي خمسمئة وسبعون شخصًا في الكيلومتر المربع الواحد، ويعيش على الأراضي اللبنانية مليونا شخص غير لبناني، أي نصف عدد الشعب اللبناني هو من غير اللبنانيين.

التوطين غيرُ وارد&

تقولون إنه لا يمكنكم أن تنفوا أن يكون هناك سيناريو غربي لتوطين اللاجئين السوريين في دول الجوار، ما الذي يدفعكم أو يدلّ على أن سيناريو مشابهًا من الممكن أن يحدث؟&

أود أن أؤكد أنه من غير الوارد التوطين القانوني، وهذا غير صحيح، ولكن نحن نقول إن المسألة هي مسألة وجود، والوجود أصبح مكلفًا جدًا كوجود. أما التوطين فإنه غير وارد على الإطلاق من الناحية القانونية، ولا يُمكنُ لأحد أن يكتسب الجنسية، إضافة إلى أننا حزمنا أمرنا بصورة نهائية، ورفضنا أي لجوء جديد.

يزور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبنان قريبًا للإطلاع على أوضاع اللاجئين السوريين، في وقت تعاني فيه القارة الأوروبية من أسوأ موجة لجوء، دفعت الرئيس الفرنسي أخيرًا إلى القول إن على اللاجئين السوريين البقاء في أماكن تواجدهم بالقرب من سوريا لتسهيل عملية العودة بعد حل الأزمة السورية، هل توافقون الرئيس الفرنسي القول؟

ربما هو محقٌ في ذلك، لأن ذهابهم إلى أوروبا هو حل فردي جزئي لعدد ضئيل نسبيًا من اللاجئين، فعندما يتحدثون حتى عن خمسمئة ألف لاجئ، يجب الأخذ&في الاعتبار أن اللاجئين السوريين داخل وخارج سوريا قد أصبحوا بحدود الثمانية ملايين. أما اللاجئون في دول الجوار فقد وصل عددهم إلى أربعة ملايين ونصف مليون، لذلك فإن الكلام عن استيعاب أوروبي أو أجنبي لا يحل المشكلة، بل يثير قلق الدول الأوروبية، وهم محقون في ذلك، ولكن عليهم أيضًا أن يتعاملوا مع الوضع السوري معاملة مختلفة عما كانت سائدة في السابق، لأنه في السابق كانت هناك عملية إغاثة، وهي لا تنفع اليوم على الإطلاق، خاصة وأن منح هذه العمليات تتناقص يومًا بعد يوم. وقد اقترحت على الدول الأوروبية إقامة إستثمارات في هذه المناطق، ضمن ما يسمح به القانون اللبناني، لكي يستطيع السوريون واللبنانيون أن ينتجوا رزقهم بدلًا من من أن يعيشوا عالة على الإغاثة.

الجوار ليس مستودعات بشرية!

في المقابل الدول الأوروبية لم تخف اليوم قلقها من أن يكون في عداد اللاجئين السوريين، الذين ينطلقون من لبنان إلى أوروبا، إرهابيون، كيف يُمكن أن تساعد الحكومة اللبنانية الدول الأوروبية على ذلك؟

لطالما حذرت من أن أزمة اللاجئين لا يُمكنُ أن تحصر في مكان واحد، وأن دول الجوار ليست مستودعات بشرية، وأن المستودعات هي فقط للبضائع، وليست للبشر، ولطالما حذرت من أن موجات النزوح لن تعترف بحدود، وسيغامرون بحياتهم من أجل الوصول إلى أوروبا، وهنا كان المجتمع الغربي يراقب ويشاهد، ولم يبادروا لإيجاد حل لهذه الأزمة الخطيرة، وهذه الدول، إما لا تريد أو فقدت زمام المبادرة، خاصة وأننا شهدنا في الأمس القريب دولة مثل روسيا اتخذت قرارًا خطيرًا، وقررت التدخل عسكريًا في سوريا، ولم تكن تحتاج في ذلك قرارًا من مجلس الأمن، في حين أن تركيا كانت تطالب منذ مدة بإقامة مناطق آمنة، لأن هذه المناطق الآمنة كان من شأنها إستقرار السوريين في أرضهم وتشجيع السوريين في بلاد الجوار على العودة إلى أراضيهم.

أجريتم لقاءات مع أكثر من مسؤول غربي وأوروبي، خاصة حول أزمة اللاجئين، بالتالي ما كانت عليه الاقتراحات الأوروبية، وفي المقابل المطالب اللبنانية؟

لقد زارني أخيرًا السفير الفرنسي في لبنان، وقال لي إن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قرر تخصيص مبلغ مالي للبنان، لكنه في المقابل يريد معرفة المقترحات، وهم لديهم& أيضًا جدول بالأعمال التي يريدون القيام بها، وقد كررت لجميع من التقيت بهم، من مسؤولين وسفراء غربيين، بأن ما عليهم القيام به هو إقامة استثمارات تشجّع السوريين على العمل بدلًا من أن يكونوا عالة على المساعدات، وأيضًا اقترحت بأن نحسّن العناية بالأطفال السوريين واللبنانيين الفقراء، حتى تكون المقاربة إنسانية وحميدة، بدلًا من أن تكون مقاربة من يحاول أن يدفع مالًا لكي يرفع عن نفسه بلاء، وهذه وسيلة غير منتجة وغير مجدية على الإطلاق.

دخلنا في العام الدراسي الجديد، ما الذي تقدمه وزارة الشؤون الإجتماعية في لبنان لكي يتمكن الأطفال السوريون من الإلتحاق بمقاعد الدراسة؟

أستطيع أن أقول إنه من أصل خمسمئة ألف أو أربعمئة ألف طالب سوري، هناك مئة ألف سوري في المدارس فقط، وأنا أتحدث الآن عن الأطفال في الدراسة، مع العلم أنني صاحب مشروع لرعاية وعناية الذين لم يبلغوا بعد سن الدراسة، فهؤلاء نريد أن نخلصهم من البؤس واللعب بالقذارة واليأس، وأن ندخل السعادة إلى قلوبهم، وأن نحسن إلباسهم وإطعامهم وإخضاعهم للرقابة الصحية وتعليمهم بعض مبادئ اللغات الأجنبية، وبالتالي نقوم بتأهيلهم، لكي يدخلوا إلى المستقبل دخولًا متمتعًا بالصحة النفسية والجسدية والعقلية. هذا ما اقترحته على جميع من يزورني، ولم أجد حتى الآن شريكًا سوى صندوق التنمية الكويتي، الذي سيرسل إليّ موفدين قريبًا لبحث هذا الموضوع.