فن الخطابة أو القاء الخطب كان وراء صعود العديد من الزعماء والقادة في العالم، ومنهم هتلر الذي عرف كيف يستخدم هذه الموهبة لاستمالة شعب كامل وجعله يسير وراءه.


ميسون أبو الحب: كان هتلر واحدًا من اكثر الخطباء تأثيرا&في الجموع وكان مؤسس أكبر حزب سياسي الماني وكان ايضا الزعيم الذي غزا عدة دول وقتل 21 مليون شخص خلال فترة حكم الرايخ الثالث التي دامت 12 سنة فقط.

القى هتلر خلال فترة حياته السياسية أكثر من خمسة آلاف خطاب وتمكن عن طريقها من السيطرة على آلاف الاشخاص الذين وعدهم بأن الامبراطورية التي سيؤسسها ستستمر آلاف السنين.

ويقول البروفسور بروس لوبس الذي يدرس خطابات هتلر وتشرشل في جامعة ولاية ايداهو منذ 46 عاما إن نجاح هتلر الخطابي جاء بفضل سحر شخصيته.

تحدث لوبز لصحيفة بزنس انسايدر وقال "كان يعرف كيف يستخدم فن الخطابة وسحرها للسيطرة على الآخرين. وسرعان ما تحول هؤلاء الى اشخاص متيمين به وراغبين في السير وراءه لاعتقادهم انه كان يملك الاجوبة الصحيحة واللازمة في فترة ازمة اقتصادية ضخمة".

نافس الرايخستاغ

كان الاقتصاد العالمي في وضع سيئ في ذلك الوقت وكان على المانيا دفع تعويضات ضخمة بسبب الحرب العالمية الاولى وساهمت هذه البيئة الاقتصادية المتزعزعة في المانيا&في ظهور هتلر ثم صعوده في ثلاثينات القرن الماضي حيث استغل هتلر هذا الظرف والاستياء الشعبي العام ووجد نفسه في واجهة ايديولوجية سياسية انتهازية تمثلت بحزب العمال الالماني القومي الاشتراكي.

وقبل صعود النازيين السريع الى مسرح السياسة العالمي كان حزب هتلر مغمورا إذ لم يحصل إلا على 3 بالمائة من الاصوات في انتخابات عام 1924 في المانيا.

وقال لوبز لبزنس انسايدر "عندما قرر هتلر منافسة الرايخستاغ او البرلمان الالماني كان يعرف ان ذلك يعني ان عليه القاء خطب والتأثير على أكبر عدد من الناس كي يحصل على اقصى عدد ممكن من اصوات الناخبين".

ولم يحتج الامر غير ثماني سنوات ليكون للحزب النازي اكبر عدد من المقاعد في الرايخستاغ وفي عام 1934 اصبح هتلر على رأس الحكومة الالمانية.

يكتب خطاباته بنفسه

بالاختصار وحسب قول المؤرخ روبرت ويتس: "نادرا ما حدث في تاريخ الحضارة الالمانية ان تم الاعتماد على رجل واحد فقط وعلى شخصيته. هتلر وضع نظرية سياسية خاصة به وأسس حكومة لا يمكن ان تستمر بدونه".

وكتب جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي في مذكراته أن هتلر كان معروفا بانه كان يكتب خطاباته ثم يصححها ويعيد كتابتها خمس مرات احيانا.

وكان يعمل خلال الليل ولليال متتالية ويشغّل معه ثلاث سكرتيرات كان يملي عليهن الكلام وهن يطبعنه على الآلة الكاتبة ثم يقوم هو بتصحيح المسودات بكل حرص واهتمام، حسب المؤرخ البريطاني إيان كيرشو.
وقال لوبز للصحيفة "لم يرد الاعتماد على اي كان في كتابة خطاباته".

وأضاف "كان التحدث امام الملأ بالنسبة لادولف هتلر امرا ذا أهمية عظيمة بحيث انه لم يكن يثق بأحد في هذا المجال".

ولاحظ لوبز ان ونستون تشرشل كان يفضل هو الآخر تحرير خطاباته بنفسه وهو أمر غير مألوف بين قادة ذلك الزمان أو حتى في الوقت الحالي.

يكاد يخرج من المذياع

في كتاب "شرح ظاهرة هتلر" لرون روزنبوم يصف جورج شتاينر وهو روائي فرنسي اميركي صوت الزعيم النازي بالقول إن له قوة طاغية وفاتنة في الوقت نفسه.
شتاينر قال لروزنبوم "ولدت في عام 1929 وأنا اتذكر اننا كنا جالسين في المطبخ في عام 33 وكنا نتابع خطابا هتلر في المذياع".

وأضاف "من الصعب وصف الامر ولكن الصوت وحده كان مليئا بالفتنة. الشيء المذهل هو انك تشعر ان جسمه يكاد يخرج لك من المذياع ولا يمكنني ان اصف هذا بشكل مختلف. فأنت تشعر انك قادر على متابعة حركات جسمه المرافقة لكلماته".&

وتابع بالقول"تمكن هتلر من صناعة نوع من السلطة الخطابية باللغة الالمانية وهي تجمع بين مفاهيم مجردة جدا والسياسة والعنف الجسدي بطريقة غير مألوفة تماما. كان هتلر عبقريا في ذلك ولا شك في ذلك على الاطلاق".

عيناه ميتتان

وصف عالم النفس الاميركي هنري موراي حضور زعيم النازية بالقول إنه "يملك نوعا من المغنطة الجاذبة للآخرين" كما جاء في تقرير عن "شخصية ادولف هتلر" يقع في 229 صفحة وضعه في عام 1943 بناء على طلب مكتب الخدمات الستراتيجية التابع لوكالة المخابرات المركزية الاميركية.

ووفقا لتقرير موراي كان هتلر يحصل على ثناء متكرر على عينيه ذات اللونين الرمادي والازرق رغم ان الكثيرين وصفوهما بالقول انهما "ميتتان وبلا شخصية ولا تريان شيئا".

لغة وحركات

كان الفوهرر اقل من المعدل من ناحية الطول ينحسر شعره على الجانبين في خط واضح وثابت وكان له شفتان نحيفتان ويدان متينتان. وكان يحتاج دائما الى حركات ترافق كلماته وهو ما كان يتدرب عليه طويلا امام المرآة.

ويقول لوبز "كان يتدرب على الحركات التي ترافق كلماته لان نصف الرسالة تعتمد عليها".

هنريك هوفمان كان مصور هتلر الخاص وقد التقط مليوني صورة للزعيم وقال في مذكراته التي تحمل عنوان "هتلر كان صديقي" إن نشر صور الزعيم كان ممنوعا.

وفي عام 1925 التقط هوفمان عددا من الصور التي ركزت على تعابير وجه هتلر وحركات جسمه عندما كان يتدرب على القاء أحد خطاباته امام المرآة. وبعد تفحص الصور، طلب هتلر اتلافها إلا أن هوفمان احتفظ سرا بها ثم نشرها بعد ثلاثين عاما في كتاب مذكراته.

ويقول المؤرخ روجر مورهاوس في مقدمة كتاب هوفمان الذي اعيد نشره "لم يلتقط احد في التاريخ صورا مثل هوفمان إذ كان على مقربة كاملة من زعيم دولة مهم وكانت لديه فرصة للعمل مع شخص يعرف جيدا كيف يتعامل مع الكاميرا ويهتم كثيرا بخلق صورة له يروج لها امام الناس".&

وانتهى حكم الرايخ الثالث رسميا في 30 نيسان عام 1945 عندما انتحر الفوهرر في ملجئه تحت الارض مع زوجته الجديدة بعد ان سمع بأن قوات الحلفاء طوقت برلين.