قبل 75 سنة من الآن، وفي أيلول (سبتمبر) 1940، أصدر أدولف هتلر أوامره بتهجير 600 ألف ألماني من غرب البلاد.

ماجد الخطيب: ذكّر الرئيس الألماني يواخيم غاوك أبناء بلده، في خطابه قبل بضعة أيام، كيف ساهمت موجات المهاجرين الأولى بعد الحرب العالمية الثانية في إعادة بناء المعجزة الاقتصادية الألمانية التي ما زالت قائمة حتى الآن، النهضة العظيمة على أنقاض الحرب، التي كان الايطاليون، ثم اليونانيون، ومن بعدهم الأتراك أبطالها.

وتساءل غاوك: "إذا كان دمج موجات المهاجرين قبل 70 سنة في المجتمع الألماني قد جرى على ما يرام، ولم يؤثر&في استقرار وقيم المجتمع الألماني، فلماذا لا يجري ذلك اليوم أيضًا؟".

جيش اللاجئين

في اليوم العالمي للتضامن مع النازحين، يتذكر الألمان كيف أن شعبهم تحول إلى جيش من اللاجئين إبان الحقبة النازية. وبينما كان جيش هتلر يحتل دول أوروبا، كان جيش النازحين الألماني يحتل أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والولايات المتحدة. ويتذكر من عاش أيام الحرب العالمية الثانية من الألمان كيف أن الهاربين من بطش النازية استقبلوا بقلوب رحبة اينما حلوا.

وتشير "انسكلوبيديا الهجرة البافارية" إلى 500 ألف ألماني، من اليساريين والديمقراطيين والليبراليين والغجر واليهود والمثليين، اضطروا للهجرة من ألمانيا، قبل بدء الحرب (1933-1938) تجنبًا لحملة ابادة طالت الملايين. وكان أعلام الأدب الألماني مثل برتولد بريشت وتوماس مان وليون فويشتفانغر، ومئات المبدعين من أمثال الممثلة العالمية مارلين ديتريش، من بين من اضطروا للبحث عن مأوى في الولايات المتحدة. وفي سنوات الحرب العالمية الثانية، تم تهجير أكثر من 3 ملايين ألماني، ومن الناطقين بالألمانية، من مختلف بلدان العالم، من المقيمين في الخارج، بسبب خشية العالم من تعاونهم مع قوات المحتلين النازيين.

12 مليون ألماني مشرد

عمومًا، ارتفع رقم المهاجرين والمهجرين والهاربين الألمان إلى أكثر من 12 مليون إنسان خلال اقل من عشر سنوات. وكان اللاجئون الألمان يعودون بالتدريج إلى بيوتهم مع اطباق جيوش الحلفاء من الشرق والغرب واقترابهم من العاصمة برلين.

وهكذا، عاد 7,9 ملايين ألماني إلى المناطق الألمانية الغربية المحررة، وعاد 4 ملايين انسان إلى منازلهم في مدن شرق ألمانيا المحررة في العام 1945.

بين هؤلاء العائدين بعد انتهاء الحرب 1,9 مليون إنسان توجهوا إلى ولاية بافاريا، يضاف إليهم نحو 468 ألف ألماني، وناطق بالألمانية، أخرجهم الحلفاء من معسكرات الاعتقال ومن معسكرات عمل السخرة والسجون.
&
تهجير 600 ألف في ساعات

كان هتلر قد حدد الأول من أيلول (سبتمبر) 1939 لبدء حملاته العسكرية بدءًا باحتلال الجارة بولندا، لكنه كان يخشى من هجوم مباغت قد يشنه عليه الفرنسيون أثناء حملته على بولندا التي استمرت حتى تشرين الأول (اكتوبر) من العام نفسه. فأمر بعد بدء الحملة بإفراغ منطقة حدودية طولها 600 كم في ولايتي الزار وبادن فورتمبرغ لكشف المنطقة أمام قواته مقابل خط ماجينو الفرنسي.

وخلال ساعات، وليس أياما، تم زج 600 ألف ألماني في قطارات النقل والشاحنات العسكرية وترحيلهم من بيوتهم إلى معسكرات في بافاريا وهيسن ورينانيا البلاتينية. وكان على الآلاف منهم قطع المسافات سيرًا على الأقدام، أو استخدام عربات قديمة تجرها الثيران أو المطايا.

هكذا، بدأت مأساة المهجرين الألمان التي قد لا يتذكرها الجميع في ألمانيا اليوم. ومن حظ هؤلاء أنهم عادوا إلى بيوتهم بعد زوال مسببات هجرتهم، إثر اختراق خط ماجينو واحتلال فرنسا من قبل الجيش الألماني. لكنهم تعرضوا لهجرة أخرى باتجاه هولندا وبلجيكا، حيث وصلت قوات التحالف من نورماندي وبدأت حرب تحرير فرنسا.

تشير الوثاق النازية التي كشفت لاحقًا إلى أن حملة تهجير المواطنين الألمان من غرب البلاد قد تم التخطيط لها منذ 1938. وبحسب الخطة، لم يعرف المواطنون عن تهجيرهم، وعن المناطق التي سيساقون إليها بعد تهجيرهم، إلا عند وصول الشاحنات لنقلهم مباشرة من بيوتهم ومن مزارعهم.

خارج البلاد

شمل التهجير 300 مدينة وبلدة وقرية في الولايتين الغربيتين الملاصقتين للحدود الفرنسية، ولم يسمح النازيون للذين اقتلعوا من بيوتهم ومزارعهم حمل أكثر من 15 كيلوغراما. وهكذا اضطر الجميع لترك ممتلكاتهم وحيواناتهم وأغذيتهم كي يصادرها الجيش النازي. وعمل القائد النازي يوزيف بروكل، الذي قاد حملة التهجير، على تسوية 2000 بيت مع الأرض كي يقيم عليها تعاونيات فلاحية لخدمة الجيش النازي.

لم تتغير الصورة بعد الحرب كثيرًا، لأنه وقع على ملايين الألمان العيش والتأقلم في بلدان أوروبا الأخرى بعد أن انهكتهم الحرب، وبعد أن ضمت الأراضي الألمانية التي يعيشون فيها إلى بولندا وشيكوسلوفاكيا وروسيا وفرنسا كتعويضات حرب.

وهكذا، فضل 1,5 مليون ألماني البقاء في الاتحاد السوفيتي، و3,5 ملايين في شيكوسلوفاكيا، و120 ألفًا في ليتوانيا، و 550 ألفًا في هنغاريا، و 800 ألف في رومانيا، و 700 ألف في يوغسلافيا، و 70 ألفًا في لاتفيا و30 ألفًا في ايسلنده.

الكثير منهم عادوا إلى ألمانيا بعد الوحدة الألمانية، وصار عليهم مجددًا العيش كأغراب لعقدين من الزمان، إلى أن جرى دمجهم في المجتمع الألماني. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتحار هتلر، بحسب الانسكلوبيديا البافارية، كان ألماني من كل أربعة يبحث عن أهله.
&
ملايين المشردين

أدت الحرب العالمية الثانية وعمليات الجيش النازي ضد الجيران إلى تحويل قارة أوروبا بأكملها منطقة تهجير وتشرد.

ومن نتائج العمليات العسكرية ضد الاتحاد السوفياتي تشرد 13 مليون روسي خلال سنوات الحرب، 5 ملايين متشرد وهارب ولاجئ بولندي، يضاف إليهم مئات الآلاف في معسكرات الاعتقال هذا ناهيكم عن ملايين المتشردين في بقية بلدان أوروبا التي سحقتها النازية.
&