الرباط: دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء الجمعة، إلى استخلاص الدروس والعبر من قضية الزعيم اليساري المهدي بن بركة، الذي اختطف يوم 29 اكتوبر ( تشرين الاول) 1965، وجعلها في صالح الوطن، لتساعد على البناء وليس على الهدم.

وقال الملك محمد السادس ، في رسالة وجهها إلى المشاركين في اللقاء حول "مكانة الشهيد المهدي بن بركة في التاريخ المعاصر" في الرباط تلاه عبد الرحمن اليوسفي رئيس الوزراء الاسبق، والامين العام الاسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، "يجب استخلاص الدروس والعبر من قضية بن بركة، وجعلها في صالح الوطن، لتساعدنا على البناء وليس على الهدم"، مشددا على أنه "كيفما كانت الحال فبن بركة قد دخل التاريخ، ليس هناك تاريخ سيئ أو تاريخ جيد، وإنما هناك التاريخ كما هو: ذاكرة شعب بأكمله. إلا أنه يجب ألا ننسى أن أعداء المغرب قد قاموا باستغلال القضية للإساءة لصورة بلادنا".

وأكد العاهل المغربي أن "الدول تبنى على تاريخها، بإيجابياته وسلبياته، وشعب بلا تاريخ هو شعب بلا هوية، ولن يكون له مستقبل" مذكرا بما قاله في خطاب تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، حيث أكد أن الشعب المغربي لا يتهرب من ماضيه، ولا يظل سجين سلبياته، بل يعمل على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي.

وذكر الملك محمد السادس ايضا بأنه سبق لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد أن وجهت له الدعوة سنة 1997، لما كان وليا للعهد، للمشاركة في منتداها الدولي حول الانتقال الديمقراطي، مضيفا "وقد نصحني، آنذاك، والدي المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، بتلبية الدعوة، فشاركت وألقيت كلمة بتلك المناسبة".

وزاد قائلا "وها أنا اليوم بعد مرور السنوات، أتوجه إليكم، من جديد، لأؤكد أن الملكية بالأمس كما اليوم، متشبثة بالتلاحم مع مكونات الأمة، شريطة الالتزام بالثوابت والمقدسات التي ضحى من أجل الدفاع عنها العديد من المغاربة الأحرار، ومن بينهم المهدي بن بركة".

وأكد العاهل المغربي أنه "نهوضا بالأمانة الملقاة على عاتقه، بصفته أمير المؤمنين وملك البلاد، فإنه لن يدخر أي جهد من أجل صيانة الاختيار الديمقراطي للبلاد، وحماية حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات، موضحا أن التاريخ ليس مجرد تسجيل للأحداث، كما وقعت في زمن معين، وإنما هو أيضا طريقة تدوين هذه الأحداث، والتفسير الذي يعطيه لها كل واحد حسب منظوره، انطلاقا من موقعه". غير أن الأهم يقول الملك محمد السادس، يبقى "العمل على تملك جميع المغاربة لتاريخهم بنجاحاته وإخفاقاته من أجل العيش في حاضر آمن ومستقر، والتوجه لبناء مستقبل أفضل، بكل ثقة وتفاؤل وأمل".

وتحدث العاهل المغربي عن مناقب المهدي بن بركة، وقال "إننا نستحضر معكم، قبل كل شيء، أنه كان رجل سلم، كما كان قريبا من العائلة الملكية"، مضيفا أنه رغم أن الذكرى الخمسين لاختفاء المهدي بن بركة "تأتي في وقت لا تزال فيه العديد من التساؤلات مطروحة من دون إجابات، فقد حرصنا على مشاركتكم هذا الحدث، من دون عقدة أو مركب نقص من هذه القضية، تقديرا لمكانته لدينا ولدى المغاربة".

وبعد أن ذكر الملك محمد السادس بأن مرحلة ما بعد الاستقلال كانت مشحونة بشتى التقلبات والصراعات حول ما كان ينبغي أن يكون عليه مسار المغرب المستقل، قال "إننا لسنا هنا لإصدار الأحكام على المواقف التي تبناها هذا الطرف أو ذاك، ولكن الأكيد أن القاسم المشترك بين جميع المغاربة، في تلك المرحلة التاريخية، كان& السعي لخدمة مصالح البلاد، والنهوض بتنميتها وتقدمها، والدفاع عن قضاياها، كل من منطلق قناعاته وتوجهاته".

من جهته، دعا اليوسفي الدولة المغربية الى الكشف عما تعرفه من حقائق حول هذا الملف، من أجل معرفة الحقيقة في حد ذاتها، ووضع حد لجنازة تستمر منذ خمسين سنة من دون أن يكون للعائلة قبر يضم رفاته ويوضع اسم عليه، لكي تعود الحياة إلى طبيعتها وتطوى هذا الصفحة".

ولم تقتصر دعوة اليوسفي فقط على الدولة المغربية، بل شملت أيضا جميع الدول الأخرى ذات العلاقة& بهذا الملف.

وقال اليوسفي، وهو رفيق درب المهدي بن بركة، انه من دون خطوة الكشف عن الحقيقة كاملة وراء اختفاء الراحل بن بركة، سيبقى ذلك حاجزا دون السكينة وبناء وطن حر، معتبرا أن الرسالة الملكية التي جرت تلاوتها خلال هذا اللقاء ستكون مدخلا لذلك.

وذكر اليوسفي أن المهدي كان ينادي بالملكية المبنية على أسس دستورية متقدمة، ويؤمن بالحركة الوطنية كشرط للبناء، مضيفا أن المغرب شهد، منذ بداية عقد الستينات من القرن الماضي ، أحداثا متلاحقة، وعرف مخططات من أجل إبعاد بن بركة من الخريطة السياسية، مشددا على أن هذا الاختطاف "أهدر على المغرب الاستفادة من طاقات كالمهدي بن بركة".

وقال اليوسفي ان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عاش مرحلة صعبة بعد اختطاف بن بركة، وأن البلاد دخلت في نفق مظلم، وأن ذلك كلفه شخصيا المنفى لمدة 15 سنة، لكن بعد العودة، يقول اليوسفي: "كنت حريصا على استعادة المسلسل الديمقراطي والمشاركة في الحياة السياسية وخوض المعارك من أجل مستقبل المغرب".