بيد رجب طيب أردوغان الكثير من خيوط اللعبة الاقليمية، التي لا يمكنه إدارتها إن شاركه أحدٌ في الحكم، لذا يترقب الشرق الأوسط وأوروبا والعالم ما ستسفر عنه انتخابات الأحد القادم.

مروان شلالا: يلبي الأتراك الأحد دعوة رئيسهم رجب طيب أردوغان إلى العودة المبكرة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب البرلمان التركي السابع والعشرين، لكن السؤال هنا: "هل يلبّي الأتراك رغبة أردوغان فيعيدونه وحزبه العدالة والتنمية قويين ومنتصِرَين، ليحكما تركيا وحدهما، لا شريك لهما؟" هذه الرغبة الأردوغانية هي التي تهب هذه الانتخابات أهميتها، حيث أن النتائج التي ستترتب عنها ستفرض تغيرات عدة في الساحتين الاقليمية والدولية، لهذا ينظر إليها العرب والأوروبيون والروس والإيرانيون والأكراد والمعارضة السورية ونظام الأسد بعين الترقب.

العقدة السورية

تمثل هذه الانتخابات أهمية كبيرة لدول الجوار التركي، وتحديدًا أوروبا. فتركيا هي الشريك الأهم لأوروبا في تعاملها مع أزمة اللاجئين المتفاقمة، خصوصًا اللاجئين القادمين من سوريا، والذين يتدفقون أفواجًا ليل نهار. فبِيَد أنقرة المساعدة في تقليص تدفق اللاجئين القادمين من سوريا وأفغانستان والعراق، لذا يعدّ الاستقرار السياسي التركي عاملًا أساس في هذا المجال. ومن هذا المنطلق، يقول المراقبون إن الأوروبيون يفضّلون فوز حزب العدالة والتنمية بما يحتاجه من أصوات ليحكم منفردًا، وإلا ستدخل تركيا متاهة تأليف حكومة إئتلافية، مع ما يرافق ذلك من توتّر سياسي قد يترك ثغرات عدة يتسلل منها التوتر الأمني، خصوصًا بعد الذي جرى في الأشهر الماضية من هجمات كردية وإسلامية متطرفة على تركيا.

بشار الأسد، من ناحيته، يصلي ليل نهار ويعقد النذور كي يخسر أردوغان أغلبيته البرلمانية، إذ يظن أن ذلك سيخفف الضغط التركي عنه، من خلال تعقيد مسألة العون العسكري الذي تتلقاه فصائل المعارضة من خلال تركيا، والذي برز أخيرًا على شكل تسريب صواريخ مضادة للدروع، أنهكت قواته وشلّت تقدمه في أكثر من مكان، كان يريد التقدم فيها، مستظلًا الطيران الروسي. أما المعارضة الميدانية في سوريا فما عادت تهتم لهذه الحسابات، بعدما فقدت الأمل إلا في قتالها الميداني وإيمانها بأحقية نضالها ضد الأسد الذي قتل شعبه. إلا أن حسابات الائتلاف السوري المعارض مختلفة، إذ أي تغير في السياسة التركية سيفرض تبدلات في القرار، وهذا ما قد لا يصبّ في مصلحته.

الحقل الاقليمي

برز معطًى جديد في المنطقة هو التدخل الروسي المباشر على الأراضي السورية لدعم الأسد، والذي يُلقي بمزيد من الأهمية على الدور التركي في الأزمة السورية، تزامنًا مع توتر يخيم منذ الأزمة الأوكرانية بين موسكو وحلف ناتو، وتركيا أحد أعضائه.

وبالرغم من العلاقات المفتوحة على مصاريعها بين أنقرة من جهة، وبين موسكو وطهران من جهة، وهما العاصمتان اللتان تدعمان الأسد بكل ما أوتيتا من قوة، فأي تغير في هيكلية الحكم، يحرم أردوغان سيطرته المطلقة على الحكومة والبرلمان، يصب في مصلحتهما على المديين القصير والمتوسط.

بالنسبة إلى الأكراد، تقول صحيفة "حرييت" التركية إن السيناريو الأسود هو تقديم المزيد من التنازلات الكردية، والفشل في الوصول إلى البرلمان، "بل الأسوأ من ذلك هو فكرة تحالفهم مع حزب العدالة والتنمية".

ولهذه الانتخابات تأثير كبير في عملية السلام في تركيا، وفي محادثات أنقرة مع المقاتلين الأكراد، التي انهارت بعد إعلان مقاتلي حزب العمال الكردستاني نيتَهم استهداف السدود والمنشآت الحكومية التركية، في عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف ناشطين في مدينة سروج ذات الأغلبية الكردية. وبعد انهيار الهدنة، اتخذ المقاتلون الأكراد من الشرطة والجنود الأتراك هدفًا، ردًا على قصفت الطائرات التركية مواقع تدريب المقاتلين في جبال قنديل شمال العراق.

البيدر الداخلي

داخليًا وتشريعيًا، تجري هذه الانتخابات بحسب دستور 1982، فتحتاج الأحزاب إلى أن تتجاوز عتبة 10 في المئة الانتخابية من مجموع أصوات الناخبين في عموم تركيا لتحصل على مقاعد في البرلمان الجديد، ومن لا يتجاوز هذه العتبة يبقى خارج الجنة البرلمانية. ولا شكّ في أن نظام العتبة الانتخابية مؤثر جدًا في نتائج الانتخابات، خصوصًا أن ثمة أحزاب كبيرة تُساعد أحزابًا صغيرة لتصل إلى البرلمان، كي تأكل من حصّة &حزب أردوغان، وهو الأكبر في الانتخابات، كما حصل في الانتخابات الأخيرة. فحينها، تمكّن حزب الشعوب الديمقراطي من دخول البرلمان، متخطيًا عتبة 10 في المئة الانتخابية، فحرم حزب العدالة والتنمية من نعمة تأليف حكومة تركية من لون واحد.

يتنافس في هذه الانتخابات 16 حزبًا: حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب السعادة، وحزب الاتحاد الكبير، والحزب الشيوعي، والحزب الليبرالي الديمقراطي، وحزب الحريات والحق، وحزب الطريق القويم، وحزب الديمقراطي اليساري، وحزب الأمة، والحزب الديمقراطي، وحزب الوطن، وحزب حرية الشعوب، وحزب تركيا الحرة؛ وجمعيها تريد الحصول على مقاعد وازنة من أصل 550 مقعدًا في البرلمان التركي.

أوتار حساسة

أما الناخب التركي، فتبيّن إستطلاعات الرأي أن مُنتهى أمله اليوم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعيش بسلام وأمان. وهذه هي الأوتار الحساسة التي حاولت كل هذه الأحزاب المتنافسة، كل من وجهة نظره، اللعب عليها في خطابها السياسي وحملاتها الانخابية.

في حال فوز العدالة والتنمية بالأغلبية، تقول "حرييت" إنه السيناريو الاسوأ على الاطلاق، "لأنه يترك الحرية لأردوغان في استخدام سلطاته التنفيذية الواسعة من دون أن يكلّف نفسه عناء تغيير الدستور".

وينتظر حزب العدالة والتنمية، الذي انفرد بحكم تركيا أكثر من 12 عامًا، معرفة نتائج هذه الانتخابات، منتظرًا أن يجدد الأتراك ثقتهم فيه ليؤلف الحكومة منفردًا، وإلا سيفرض عليه الدخول في ائتلافات، قد تغير الكثير من جوانب السياسة التركية التي عرفها العالم منذ أكثر من عقد من الزمن. فهو بحاجة اليوم إلى الفوز بـ 276 مقعدًا&لتأليف&الحكومة&منفردًا،&فهل&يستطيع&تأمينها&بانتهاء&يوم&الاحد&الانتخابي،&أم&يصاب بنكسة أخرى مماثلة لنكسة انتخابات الصيف الماضي، حين خسر أغلبية احتفظ بها منذ 13 عامًا؟&