انقرة: يخفي سلوك رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو الهادئ كفاءته الكبيرة كمفاوض حازم ومفكر استراتيجي احتل موقعا في قلب الحكم منذ تولي رجب طيب اردوغان السلطة في 2003.

لكن الاكاديمي السابق خاض معارك للحفاظ على وحدة حزبه العدالة والتنمية بعد خسارته الكبيرة في الانتخابات الاخيرة، التي جرت في حزيران/يونيو الماضي، وهو مهدد بفقدان منصبه إن عجز الحزب عن إحراز الاكثرية الاحد.

وفيما وصف تكرارا بانه رئيس وزراء "دمية" بايدي رجل تركيا القوي رجب طيب اردوغان، يتعرض داود اوغلو لضغوط كثيرة لكونه رئيس حزب العدالة والتنمية، كي يبدي حزمًا سياسيًا يضاهي الحضور الذي يتمتع به الرئيس المحنك اردوغان. كما اضطر داود اوغلو الى مواجهة الانتقادات الحادة لسياسات حزب العدالة والتنمية التي اثارت الانقسامات في داخل تركيا، وادت الى عزلها على الساحة الدولية.

وفي اثناء رئاسة داود اوغلو، البالغ 56 عاما، خسر حزب العدالة والتنمية للمرة الاولى منذ 13 عاما، اكثريته في البرلمان في انتخابات حزيران/يونيو. كما انه فشل في تشكيل ائتلاف حكومي، وهو خيار يصعب على اردوغان تقبله في اي حال، نظرا الى طموحه في توسيع صلاحياته الرئاسية عبر الفوز باكثرية نيابية مطلقة.

وفيما اعتمد داود اوغلو في العادة نبرة هادئة، تخلى احيانا عن ابتسامته اللطيفة، وعلا صوته في اثناء التجمعات الانتخابية، بما ذكر بسلوك اردوغان. تولى داود اوغلو رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العدالة والتنمية في 2014 عند انتخاب اردوغان رئيسا للجمهورية التركية. لكن في غياب اردوغان، برزت بوادر انشقاقات في الحزب حول مصير عملية السلام المنهارة مع الاكراد وحرب كلامية شرسة بين شخصيات كبيرة فيه.

ففي مؤتمر عام للحزب في ايلول/سبتمبر، سرت شائعات ان داود اوغلو قد يواجه تحديًا لرئاسته من مناصر لاردوغان. وبالرغم من اعادة انتخابه بلا منافسة، ما زالت التكهنات جارية بانه سيضطر الى الكفاح من اجل منصبه ان فشل الحزب مجددا في احراز الاكثرية المطلقة.

- "انظروا الى وجهي" -
بعد حياة مهنية اكاديمية كاستاذ للعلاقات الدولية، بات داود اوغلو احد كبار مستشاري اردوغان في 2003. وكلف منصب وزير الخارجية في 2009 واشرف مذاك على السياسات التركية وسط الازمات التي اندلعت في اعقاب الربيع العربي ومن ضمنها الازمة السورية. وسعى داود اوغلو بتشجيع من اردوغان، الذي لطالما ضغط كي تصبح بلاده قوة دولية، الى ان تلعب تركيا دورا محوريا كوسيط في نزاعات الشرق الاوسط.

لكن هذه المبادرات لم تلق الترحيب دوما، بل اثارت انتقادات بان الحكومة الاسلامية تروّج "للعثمانية الجديدة"، وحتى السعي الى "اسلمة المنطقة" لاستعادة النفوذ التركي فيها اثناء الحكم العثماني. ورفض داود اوغلو الاتهامات بان بلاده، العضو في الحلف الاطلسي والمرشحة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي، تبتعد عن الغرب، مشيرا الى ان تركيا في موقع مثالي للتحرك في مختلف الاتجاهات.

بالتالي اعتمد سياسة "صفر مشاكل" مع الجوار وبدأ جهودا للتقرب من دول مثل ارمينيا. لكن الربيع العربي خلف سلسلة مشاكل على الساحة التركية. فقد ادى دعم انقرة للمعارضة الاسلامية في سوريا عكس غرضه بشكل كارثي. وفيما ارادت تركيا من ذلك المساهمة في الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد، باتت اليوم متهمة بالمساعدة ولو بشكل غير مباشر على تعزيز تنظيم الدولة الاسلامية.

غير ان داود اوغلو نفى مجددا الاتهامات بتواطؤ تركيا مع التنظيم الجهادي، التي ازدادت وتيرتها بعد هجوم دام على ناشطي سلام مناصرين للقضية الكردية في انقرة، قتل فيه 102 اشخاص. وقال رئيس الوزراء الاثنين "انظروا الي الان، حدقوا في وجهي، في عيني. هل أبدو كشخص قد يدعم داعش؟".

وسط كل ذلك شهدت علاقة تركيا بالغرب فتورا نتيجة المخاوف ازاء تفاقم النزعة السلطوية في الحكم، وتدهور سجلها على مستوى حقوق الانسان وحريات الاعلام، فيما خسرت زخما في موضوع عضويتها في الاتحاد الاوروبي.

- الرومانسية مقابل الاصوات -
ولد احمد داود اوغلو، الذي يتقن الانكليزية والالمانية والعربية، في قونيا، احدى مدن تركيا الأكثر محافظة دينيًا، وأحد معاقل دعم حزب العدالة والتنمية. وسبق ان نشر كتبا مهمة حول العلاقات الدولية، يلخص احدها بعنوان "العمق الاستراتيجي" رؤيته لتركيا، ويعتبر النظرية المؤسسة للسياسة الخارجية الحالية في البلاد.

واقر رئيس الوزراء انه يحنّ الى العمل الاكاديمي، لكنه يحاول تحويل ساحات البلدات الى منابر محاضرات. وقال في مقابلة مع وكالة فرانس برس في حزيران/يونيو "اوجه الاسئلة واتلقى اجابات، وان كان احدها خاطئا فاقول ذلك". ويحرص داود اوغلو المتزوج، وله اربعة ابناء، على تخصيص الوقت لعائلته خارج اوقات العمل، لكنه بالكاد يجد الوقت لأي هواية، من بينها القراءة، على ما روت زوجته ساره الطبيبة النسائية لفرانس برس.

وغالبا ما يعتمد رئيس الوزراء المسلم الملتزم، الذي تضع زوجته الحجاب، الخطاب الديني لاثارة حماسة الانصار. ففي احد التجمعات الانتخابية اكد ان حزبه قادر حتى على مساعدة العازبين، الذين يجدون صعوبة في العثور على ازواج، ما اثار الانتقادات والسخرية العارمة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال "لديك وظيفة، راتب، طعام، ماذا يبقى؟ شريك حياة". "ان اردت الاقتران، فستذهب الى والديك اولًا، وباذن الله سيجدون الشريك المثالي لك. لكن ان لم يحصل ذلك، فاسألنا نحن".
&