قال ميشائيل بومر، رئيس مؤسسة التوقع الاقتصادي العالمي، "نحن بحاجة طارئة إلى مزيد من المهاجرين، ولسنين طويلة، لكن ذلك سيخفف من مشاكل ألمانيا الديموغرافية ونقص العمالة المتخصصة فقط، ولن ينهيها".

جاء تعليق ميشائيل بومر لصحيفة"دي فيلت" المعروفة، بعد نشر تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية 2015، الذي تحدث عن حاجة ألمانيا إلى نصف مليون مهاجر، وإلى مهاجرين آخرين بمعدل 200 ألف في السنة، حتى العام 2050، إذا أرادت ألمانيا الحفاظ على معدلات نموها الاقتصادية الحالية.

وجاء في التقرير أن ألمانيا، التي يتصدر نموها الاقتصادي أوروبا، لن تبقى كذلك، إذ استمرت بوصلة نموها الديموغرافي تؤشر باتجاه تحولها إلى"مجتمع عجوز" من المتقاعدين، وفضلاً عن أعداد المهاجرين الذين تحتاجهم ألمانيا، سيقع على المتقاعدين والنساء الألمانيات مستقبلاً، العودة إلى مواقع العمل أيضاً، كي ينهضوا بمهمة الحفاظ على النمو الاقتصادي.

وكان المعهد الاقتصادي الألماني قد توصل قبل بضعة أشهر إلى نتائج مماثلة تدعو حكومة المستشارة انجيلا ميركل لفتح أبواب الهجرة أمام القادمين عبر البحر الأبيض المتوسط في قوارب اللاجئين. ولا تقتصر الحاجة إلى المهاجرين، وخصوصاً الشباب، على المتعلمين والمتدربين، لأن الاقتصاد سيحتاج إلى غير الماهرين أيضاً للعمل في قطاعات الخدمات والحياة العامة.

ومن المتوقع، خلال العقود القادمة، أن تعود النساء إلى العمل بقوة، ويسود بينهن اسلوب العمل الموقت في الشركات والوظائف، ولكن ليس بأقل من 30 ساعة في الاسبوع. وسيزداد الضغط الاجتماعي على النساء بالنظر لترافق عملهن بزيادة عدد الولادات، وبالتالي تنشئة الجيل الجديد.

فرنسا ستتفوق على ألمانيا

ينتظر تقرير التوقعات الاقتصادية الدولي معدل نمو ألماني لايزيد عن1,3% في العام، وحتى العام 2040، وواضح أن هذا المعدل يقل عن معدل التوقعات لاقتصاديات الدولة الأوروبية الصناعية الأخرى مثل فرنسا. إذ يتوقع التقرير معدلاً لنمو الاقتصاد في البلدان الأخرى يبلغ 1,8% في السنة.

المهم في هذا التوقع هو أن التفوق الفرنسي المرتقب سببه معدل الولادات الأفضل في فرنسا منه في ألمانيا. وهذا ما أكده بومر من جديد بالقول إن البلدان ذات معدلات الولادة العالية ستكون في وضع اقتصادي أفضل من ألمانيا. ويضيف: "تصدرنا معدلات النوم في أوروبا لفترة طويلة، لكن ذلك لن يدوم بالعلاقة مع معدل توالد الألمان الضعيف".

وكي تمضي ألمانيا قدماً في نشاطها الاقتصادي لابد من رفع سن التقاعد من 65 سنة إلى 67 سنة، ولكن يجب الانتباه إلى ان ذلك سيرفع من تكاليف الرعاية الاجتماعية والصحية، كما قد يترافق بانخفاض سنين الحياة.

زيادة الولادات لن تنفع قبل العام 2050

استقبال المزيد من المهاجرين، كحل طارئ للمشكلة، بحسب تقدير تقرير التوقعات الدولية، سيخفف من المشكلة ولن يحلها. كما لن يجر دمج المهاجرين الشباب في سوق العمل إلا بعد سنوات من دورات تعليم اللغة والدورات التعليمية والمهنية. ولابد هنا من تشجيع المواطنين الألمان على زيادة الولادات، لكن رفع المعدلات التدريجي لن تظهر آثاره قبل العام 2050، لأن الجيل الجديد لايمكن إعداده في الجامعات والمعاهد والمدارس المهنية قبل مرور عدة عقود على ولاداتهم في الأقل.

وبحسب التقرير، قد يتوفر ما يكفي من القوى العاملة المتخصصة لاشباع حاجة الاقتصاد، بعد الجيل الثاني المتوقع أن ينهض بعد الجيل الأول من الولادات. ويقدر المتخصصون عموماً الحاجة إلى 50 سنة من الآن كي تنجح "وصفة" استقدام المهاجرين وزيادة الولادات في تجديد شباب المجتمع والاقتصاد الألماني.

ألمانيا تفقد سكانها

لايزال معدل الألمان الذين يهاجرون إلى مختلف بلدان العالم، وخصوصاً إلى الأميركيتين، يتراوح بين 200-300 ألف سنوياً. وتقدر دائرة الاحصاء المركزية الألمانية أن تنقص نفوس ألمانيا(81 مليونًا حالياً) بمقدار 1,3 مليون حتى العام 2040. الأدهى من ذلك هو ان فئة أعمار الألمان في سن العمل، ورغم موجات اللاجئين، سينخفض بمقدار 7 ملايين انسان(13%) في ذات الوقت.

والقضية ليست قضية زيادة عدد العاملين فقط، لأن الاقتصاد يتطلب رفع إنتاجية الفرد كي يلحق بالتطور التقني الاجتماعي. وهذا يعني ان على المهاجرين الجدد، وعلى الولادات الجديدة، أن ترفع من قدرات عملها. كان معدل ارتفاع انتاجية الفرد في ألمانيا يبلغ 1% سنوياً بين 2000-2013، ولابد من رفعه إلى 1,3% سنوياً حتى العام 2040 كي يحقق تأثيره الايجابي على الاقتصاد. مع ملاحظة ان الفضل في ارتفاع انتاجية الفرد يعود، بهذا الشكل أو ذاك، إلى تحسن التقنيات في الإنتاج، وهذه مهمة أخرى تتزامن مع مهمتي دمج المهاجرين ورفع معدل الولادات.

أقل معدلات ولادة في العالم

وضع المعهد الاقتصادي العالمي في هامبورغ ألمانيا في ذيل قائمة أكثر بلدان العالم في الولادات. شملت الدراسة 209 بلدان، وجاءت ثلاثة بلدان أفريقية في مقدمة القائمة، وهي النيجر بمعدل 49,9 ولادة لكل 1000 مواطن، تليها مالي بمعدل 47,5 ومن ثم تشاد بمعدل 46,9.

جاءت ألمانيا في ذيل القائمة بمعدل 8,28 ولادات لكل 1000 مواطن تليها اليابان بمعدل 8,36. وشملت الدراسة الولادات بين 2009-2013، وتوقعت أن ينخفض المعدل أكثر في العقدين القادمين في ألمانيا. وبلغ هذا المعدل في ألمانيا بين 1994-1998 نحو 9,6.

اليونان في عنق الزجاجة

وضع الخبراء الاقتصاديون توقعاتهم في تقرير التوقعات الدولية، بعد دراسة وتحليل المعطيات الاقتصادية لـ 42 دولة عالمية يتركز فيها 90% من الاقتصاد العالمي. وشملت الدراسة معدلات التطور الاقتصادي في هذه البلدان منذ العام 1971.

ولايرى هؤلاء المحللون الاقتصاديون أي بصيص أمل بالنسبة لليونان في الفترة القادمة الممتدة حتى 2040. سيتقلص الاقتصاد اليوناني، بفضل البطالة والديون، بنسبة0,8% في العام حتى 2020. مع اشارة إلى أن هذا التنبؤ أخذ في الاعتبار أكثر التوقعات تفاؤلاً.

زادت الفجوة بين اجمالي الإنتاج اليوناني وبين ديون البلد بنسبة 200% منذ العام 2008، لكن الفجوة ستتسع بنسبة 245% حتى نهاية العام 2022. ويقول ميشائيل بومر، رئيس مؤسسة التوقع الاقتصادي العالمي، إن اليونان "لن تقف على قدميها" عند تقليل ديونها أو تقليل الأرباح على الديون، ولن يمكنها ذلك إلا في حالة شطب الديون، وهو ما يرفضه وزير المالية الألماني فوفغانغ شويبله بكل شدة.