تثير الاغتيالات المتكررة داخل المناطق المحررة في شمال سوريا تساؤلات بشأن الجهة التي تقف وراءها، وسط مخاوف متصاعدة من أن يؤدي ذلك إلى الدفع بهذه المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام السوري والميليشيا التابعة له إلى سيناريوهات وتداعيات جديدة لا تحمد عقباها.


علي الإبراهيم: تشهد محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا منذ&اشهر موجة اغتيالات متتابعة، استهدفت قيادات عسكرية وقضاة شرعيين، كان أبرزها اغتيال القيادي يعقوب العمر والشرعيّ أبو مشاري، التابعين لتنظيم جبهة النصرة، ومن ثم أبو محمد الفاتح، وحسين القاسم قائد كتيبة أحفاد اليمين، والشيخ مازن قسوم القيادي في فيلق الشام، كما اغتيل القائد العسكري يوسف جنيد أبو الفاروق، القيادي البارز في حركة أحرار الشام الإسلامية منذ أيام على الطريق الدولي دمشق - حلب بالقرب من مدينة سراقب.

وقد نجا في وقت سابق كل من القيادي في "جيش الفتح" مروان النحاس، بعد زرع عبوة ناسفة في سيارته، أودت بحياة ولده وأحد مرافقيه، كما نجا القيادي العسكري في "جند الأقصى" أبو الطيب، من محاولة اغتيال مشابهة أدت إلى إصابته.

إستراتيجية منظمة
تزامنت تلك الاغتيالات مع الانتصارات الكبيرة، التي حققتها فصائل المعارضة المسلحة، ممثلة في "جيش الفتح"، وخاصة في إدلب وحماه وريف اللاذقية، من خلال نمط واحد بعبوات ناسفة تزرع في سيارة الشخص المستهدف، ما جعل العديد من القادة والشرعيين في حالة ترقب وحذر بشكل دائم.

لكن أخيرًا، ظهر نوع جديد من عمليات الاغتيال، حيث طالت قيادات حركة "أحرار الشام" و"فيلق الشام"، من خلال استهداف شخص ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أحد الاجتماعات العسكرية في مقر يتبع لحركة "أحرار الشام"، بحزام ناسف، ما أدى إلى مقتل خمسة من القادات العسكرية وإصابة آخرين.

وعلمت "إيلاف" أنه تم إلقاء القبض على مجموعة تابعة لمخابرات النظام السوري، تقوم بزرع عبوات ناسفة على الطرق، في محاولة لاستهداف قيادات ثورية في شمال سوريا، بحسب ما ذكر القاضي محمد الشيخ، التابع للمحكمة الشرعية العليا في إدلب.

تابع الشيخ حديثه قائلًا: "المناطق المحررة كبيرة جدًا، ولا يمكن ضبطها بالكامل، رصدنا بعض الخروقات الأمنية، التي طالت قيادات وعناصر، مما أدى إلى إستشهادهم، ومن ثم إلقاء القبض على بعضهم ومحاسبتهم".

خلايا نائمة
وفي محاولة لتفسير الوضع، قال القيادي العسكري في "جيش الفتح" حسن غزالة "إن هناك خلايا نائمة تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المدينة، بعضها تابع لجماعات ذات توجهات فكرية وأيديولوجية متطرفة، مثل داعش، وأخرى تابعة لعصابة الأسد، لكن الأمر لا يخلو أيضًا من تصفية حسابات سابقة بين بعض الأطراف، تقف وراء بعض هذه الاغتيالات، إما لعداوات شخصية أو فكرية أو غيرها، وجميعها حوادث عارضة، لا يمكن القياس عليها، باعتبارها مخاطر كبيرة تزعزع الاستقرار في المناطق المحررة"، على حد تعبيره.

في وقت سابق، تم الكشف عن بعض الخلايا، التي أقدمت على تنفيذ بعض عمليات الاغتيال في محافظة إدلب، بحق عناصر وقيادات من جبهة النصرة، وقد تبيّن في ما بعد أنها تتبع لـ"كتائب النهروان" التابعة لـ"جبهة ثوار سوريا" سابقًا، والتي هي على خلاف مع تنظيم جبهة النصرة.

النصرة والأحرار هدفان
وكانت محاولات الاغتيال الناجحة منها أو الفاشلة تستهدف فصائل معينة، وخاصة من قادة جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية في ريف إدلب، مما أدى إلى مقتل بعضهم وإصابة آخرين بجروح.

وحول الهدف من تركيز الاغتيالات على تنظيم جبهة النصرة و"أحرار الشام"، قال القيادي العسكري في جبهة النصرة أبو الوليد لـ"إيلاف" إن هذه الاغتيالات هي "سلسلة ممنهجة تقوم بها بعض الخلايا النائمة بهدف إشاعة الفوضى وبث الرعب في صفوف قادة الثوار والمجاهدين وتقييد تحركاتهم".

وأضاف أبو الوليد أنه "بعد السيطرة على مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وريف حماه من قبل جيش الفتح، وطرد قوات النظام والميليشيات الموالية له، أطلقت عصابة الأسد يد اللجان وعناصر مخابرات وشبيحة، تعمل معه& كخلايا نائمة، حيث دخلت إلى المناطق المحررة بهيئة نازحين، من أجل زعزعة استقرار تلك المنطقة، وإثبات فشل إدارة الثوار والمجاهدين لهذه المدن، خصوصًا في المجال الأمني، لكن من دون جدوى، حيث مع كل اغتيال أو تفجير تكون عزيمتنا أقوى".

وتابع أبو الوليد "هذه الاغتيالات لن تمنعنا من إدارة شمال سوريا، بل تعطينا دافعًا أكبر للعمل، ولن تثنينا عن عزيمتنا في التقدم للسيطرة على مناطق جديدة"، على حد تعبيره.
يربط أبو الوليد تزايد معدل الاغتيالات بالتدخل الروسي، وخاصة بعد فشله في الضربات الجوية والتقدم على الارض، حيث يقول: "لجأ الروس والنظام ومن يساندهم إلى تنفيذ هذه الاغتيالات عبر بعض المأجورين، وبإيحاء من دول كبرى، وذلك في محاولة للضغط باتجاه قبول الحلول الأخرى، لكن خابوا، وخسروا، فالبندقية بيننا وبينهم هي الفصل".

الشرطة الثورية
رغم تشكيل الشرطة الحرة في محافظة إدلب منذ سنة تقريبًا، إلا أن عملها ما زال يقتصر على ضبط السرقات وتنظيم حركة المرور وانتشار بعض الحواجز على الطرقات الرئيسة، لكن هذه الإجراءات غير كافية، خاصة وأن المنطقة كبيرة ومفتوحة من جميع الجهات، في ظل وجود كتائب وتشكيلات كثيرة جدًا، وغياب الحواجز الأمنية التي تقطع المناطق، وتؤمّن لها الحماية.

المقدم محمد القاسم قائد عمليات شرطة إدلب الحرة قال لـ"إيلاف": "لا نزال في مرحلة ضعف، وعدم امتلاك الخبرة الكافية في مكافحة هذه الاغتيالات، وكما تعلم فإن أكبر التشكيلات العسكرية على مستوى سوريا موجودة في ريف إدلب، مثل جيش الفتح والجبهة الإسلامية، وفيلق الشام، والجيش الحر والفصائل الاسلامية، وهذه التشكيلات لا توجد لها سوى بعض الحواجز بين القرى لتأمين الحماية، فريف إدلب مفتوح على ريف حماه، ومدينة حماه يسيطر عليها النظام، مما يسهل دخول بعض العملاء لتنفيذ اغتيالات وزرع عبوات ناسفة".

أخيرًا، تتولى الكتائب الأمنية، التابعة لجيش الفتح، عمليات ملاحقة الخلايا النائمة لتنظيم داعش والنظام وبعض الفصائل، التي تسعى إلى تصفية حسابات شخصية أو فكرية مع بعضها.

إجراءات جديدة
وأوضح أبو بكر سليم، المسؤول الأمني في "جيش الفتح"، لـ"إيلاف" أن "إجراءات أمنية جديدة يتم اتخاذها من أجل كشف الخلايا الضالعة في هذه العمليات، ومن أجل الحدّ من انتشار عمليات الاغتيال، حيث تتم الاستفادة من التجارب السابقة. ويتم تأهيل وتدريب العناصر على كيفية التحصن والانتباه إلى هذه العمليات، وملاحقة الأشخاص الذين يشتبه في تورطهم مع الجهات التي تسعى إلى اغتيال الشخصيات الفاعلة في الثورة".

لكن يبقى السؤال حول إذا كانت عمليات الاغتيالات، التي حدثت خلال الأشهر الماضية، هي نتيجة لفوضى ما بعد التحرير أم إن هناك إستراتيجية منظمة تنفذها جهات ما؟".

وسعيًا إلى الإجابة، إلتقت "إيلاف" المقدم إبراهيم عبيد، وهو ضابط منشق عن جهاز المخابرات السورية، حيث قال: "هناك أربعة احتمالات لأسباب تلك الاغتيالات، فإما أن تكون تصفية حساب بين الفصائل تمهيدًا للسيطرة على الأرض من قبل الجبهة المنفذة، أو ثمة جهاز استخبارات دولي يغذّي الخلافات، ويقوم بدعم عمليات الاغتيال لتصفية طرف معيّن وإبراز فصيل آخر. وقد يكون الطرف المهزوم، مثل عصابة الأسد، هو من يقف وراء الاغتيالات، لخلط الأوراق في تلك المناطق، كعملية انتقامية وبث الفوضى، أو إنها أحداث عادية، نتيجة لإختلافات فكرية، مستغلة الفراغ الأمني، كما يفعل تنظيم داعش مع الثوار".
&