يواجه الحزب الجمهوري في طريقه إلى البيت الأبيض تحديات جمة، فبحسب استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث مؤخرا فإن 60 في المئة من الاميركيين وثلث الجمهوريين ينظرون نظرة سلبية الى الحزب.

إعداد عبد الإله مجيد: حين طُلب من ميك ملفاني عضو مجلس النواب الاميركي عن ولاية ساوث كارولاينا ان يعدد أكبر نجاحاته السياسية خلال لقاء معه على وجبة كاري في مبنى الكونغرس حيث يعمل وينام ويخطط لإسقاط قادة حزبه الجمهوري، لم يتمكن من الاجابة على الفور. فهي نجاحات كثيرة.&وكتلة الحرية التي أسهم في تشكيلها داخل المجلس أحدثت الكثير من الضجيج في الأشهر الأخيرة ، وهذا بحد ذاته إنجاز لكتلة من النواب المغمورين انتُخب غالبيتهم خلال موجة من الاحتجاج على المؤسسة السياسية المهيمنة عام 2010. &وقال رئيس الكتلة جيم جوردان ان مهمتها هي "النضال من اجل عدد لا يُحصى من الاميركيين الذين يعتقدون ان هذا المكان نساهم".

ويعني هذا اساسا العمل على منع قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب من التفاوض مع الرئيس باراك اوباما الذي يرى العديد من اعضاء الكتلة انه "اشتراكي متعطش الى السلطة". &لذا اتخذوا مواقف متشددة بشأن التجارة والانفاق العام والاجهاض وقضايا اخرى، حارمين احيانا الجمهوريين أنفسهم من أغلبيتهم في مجلس النواب. &وكان استعداد الكتلة لاثارة أزمة مالية في ايلول/سبتمبر الماضي أجبر رئيس المجلس وقتذاك جون بينر على الاستنجاد بالديمقراطيين للحيلولة دون إفلاس الحكومة ، في خطوة مهينة كلفته رئاسة المجلس. &وكان ذلك أكبر انجازات الكتلة ، وتحذيرا لزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتشل ماكونيل ايضا. &إذ قال ملفاني "ان ميتشل هو التالي".

ويريد غالبية الجمهوريين البالغ عددهم 246 عضوا في مجلس النواب الوصول الى الحكم ولكنهم ليسوا محصنين ضد اتخاذ مواقف استعراضية تجاه الانفاق والرعاية الاجتماعية وغيرها من القضايا التي تثير اعصاب اليمين ، ونذرت الكتلة نفسها لمحاربتها. ويقول عضو الكونغرس الجمهوري المعتدل مايك فتزباتريك "اننا في احيان كثيرة نجعل كل تصويت تصويتا على مبدأ ، الأمر الذي يجعل من الصعب علينا تنفيذ أجندتنا". &ويربط اميركيون ، لا سيما النساء والأقليات الاثنية ، لا تسامح الكتلة ولا مبالاتها بأوضاع الشرائح الفقيرة وسلبيتها المتواصلة بالجمهوريين عموما.

وبحسب استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث مؤخرا فان 60 في المئة من الاميركيين وثلث الجمهوريين ينظرون نظرة سلبية الى الحزب. &وبالمقارنة مع الديمقراطيين يرى كثيرون ان الجمهوريين يتخذون مواقف متطرفة ولا يهتمون بحاجات الاميركي الاعتيادي. &ويتباهى الجمهوريون بسجلهم في الادارة الاقتصادية ولكن هنا ايضا يفضل غالبية الاميركيين الديمقراطيين عليهم. &وقبل عام على الانتخابات الرئاسية يتعين خلاله على الحزب الجمهوري ان يوسع قاعدته ليتمكن من مواكبة التغيرات السكانية فان ارقام الاستطلاع ارقام مريعة بالنسبة للحزب.&

ولا تعمل الانتخابات التمهيدية على تحسين وضعهم. &فان دونالد ترامب الذي يتصدر المرشحين الجمهوريين يريد بناء سياج على الحدود مع المكسيك. ولدى المرشح الآخر بن كارسون خطة ضريبية تتضمن تقليص حجم الحكومة بنسبة 30 في المئة. & وإذا كانت مثل هذه المواقف اليمينية الاستعراضية تجعل من الصعب على المرشحين المعتدلين ان يبقوا معتدلين فان التيار الرئيس في الحزب الجمهوري بقيادة ماركو روبيو وفي مجلس النواب بقيادة بول راين خليفة بينر تيار بعيد عن الاعتدال. &ذلك ان روبيو (44 عاما) عضو مجلس الشيوخ عن فلوريدا يقترح تخفيضات ضريبية يمكن وفق احد التقديرات ان تزيد العجز المالي بمقدار 12 ترليون دولار خلال عشر سنوات. &وكلاهما سيلغيان إصلاح اوباما لنظام التأمين الصحي دون بديل لـ 17.6 مليونا اميركيا شملهم الاصلاح بالتأمين الصحي. &ويقول جوردان مبتسما "ان من المضحك الحديث عن ماركو روبيو وبول راين على انهما التيار الرئيس للجمهوريين" مشيرا الى انهما يمينيان "مثل غالبية كتلة الحرية".

ويتعين على الجمهوريين لإنهاء تسابقهم الضار على النقاء ان يفهموا ما يذكي هذا السباق.& ويبدأ هذا بعمل لا هوادة فيه لتمييز الحزب عن الديمقراطيين الذين تنحى هوسهم بالايديولوجيا لصالح البراغماتية. &ويقول ملفاني "في مرحلة ما سيقول الناس ما الفرق بين الجمهوريين والديمقراطيين، فالفرق لا يمكن ان يكون الموقف من الاجهاض فقط".

وبصرف النظر عما يقوله بيرني ساندرز منافس هيلاري كلنتون الاشتراكي في سباق الديمقراطيين فان انتصار السياسة الاقتصادية الريغانية إبان الثمانينات كان انتصارا تاما. &وكان ذلك واضحا في العقد التالي عندما اعلن بيل كلنتون انتهاء حقبة "الحكومة الكبيرة" في اشارة الى تقليص دور &الدولة. &ولكن كثيرا من الجمهوريين لا يعرفون تركة ريغان الاقتصادية رغم التغني بها. &وهم يتذكرون حقبة ريغان خطأ على انها حقبة تخفيضات في الضرائب والعجز والانفاق العام ويصفون خطأ كل ما تلاها بأنه تراجع عن ذلك الكمال المتخيَّل.

وكانت محاولة جورج بوش في بداية عهده باعلان "النزعة المحافظة الرحيمة" تهدف الى اعادة الاعتدال. &ولكنها لم تفلح. &فالحروب باهظة الكلفة وانقاذ البنوك المنهارة جعلت من رئاسته &بمثابة ضابط تجنيد لليمين المتشدد. &ويقول ملفاني "أنا انخرطتُ في العمل السياسي بسبب جورج دبليو. بوش. &إذ كنا نتوقع ان يكون كما كان ريغان ولكن ماذا حصلنا عليه؟ برامج لمساعدة الاطفال ونظام للعلاج الصحي ونزعة محافظة رحيمة ـ أي مجرد انفاق أكثر فأكثر".

ثم في عام 2009 جاءت حزمة لتحفيز الاقتصاد رُصد لها 830 مليار دولار بقرار رئيس ديمقراطي أسود ذي ميول يسارية. &واثارت الحزمة وتقريبا كل شيء فعله اوباما منذ ذلك الحين حفيظة اليمين. &وكان هذا الغضب يتبدى احيانا في عداء شرس للرعاية الاجتماعية التي يربطها كثير من الجمهوريين ، بقدر من الظلم ، بالاميركيين السود. &وحين سُئل جيب بوش احد المرشحين الجمهوريين المعتدلين كيف سيكسب اصوات السود قال انه سيعرض عليهم طموحا وليس وعدا ، كما يفعل الديمقراطيون ، بأن "سنتولى العناية بكم بأشياء مجانية إذا منحتونا اصواتكم". &فالاميركيون السود ليسوا كلهم يعتاشون على المعونات الاجتماعية. &ولكن بسبب ميولهم الى منح اصواتهم للديمقراطيين فان هذا نصف حقيقة أخرى كرسها الاستقطاب.

وهذا الموقف من اوباما والحديث عن تقديم اشياء مجانية لم يجعل الجمهوريين أكثر شعبية ولم يساعدهم على سد الثغرة التي يجب ان تكون في &مكانها سياسة اجتماعية ـ اقتصادية ذات مصداقية تنتمي الى يمين الوسط. &وكان المفترض ان تدور المناظرة الثالثة في 28 تشرين الأول/اكتوبر حول السياسة الاقتصادية ولكن لم يُناقش شيء اقتصادي تقريبا سوى تخفيض الضرائب.

وتكوَّن الانطباع بأن الجمهوريين حزب اعتاد ممارسة النقد والرفض حتى انه نسي كيف يحكم. ولكن وضع الجمهوريين في الولايات ليس سيئا. &فهم يحكمون 32 ولاية ويسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ في برلمانات 31 ولاية بتأمينهم 900 مقعد اضافي منذ انتخاب اوباما رئيسا.

وقد لا يكون هذا التباعد بين النزعة التناحرية في واشنطن والبراغماتية على مستوى الولايات متناقضا كما يبدو. &ويقول الخبير الجمهوري باستطلاعات الرأي &فرانك لونز "ان النزعة المحافظة الصغيرة على مستوى الولايات تتعلق بالنزعة المحلية في اميركا. &فحين ترسل احدا الى واشنطن تقول له "تباً لك" وعندما تنتخب احدا لإدارة ولايتك فانك تريد ان تُجمع قمامتك".

ويذهب رأي مغاير الى ان نجاح الجمهوريين في انتخابات الولايات والكونغرس اقنع الجمهوريين الذين ما زالوا يريدون الظفر بالسلطة الوطنية بأن الحاجة الى الاصلاح ليست ملحة كما هي فعلا. &وتوصلت مراجعة اجرتها اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري بعد هزيمة ميت رومني في انتخابات 2012 الى ان كثيرين ينظرون الى الحزب على انه حزب "مخيف" و"متشنج" و"فقد الصلة" بالمواطن. &ولكنه في موجة من العداء للمؤسسة التقليدية الحاكمة اكتسح الانتخابات النصفية عام 2014 ثم تبدد ما اكتسبه زخم الاصلاح.

فهل يمكن استعادته قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل؟ من الصعب ان نرى كيف يستطيع الحزب ان يحقق التوسع اللازم في قاعدته الجماهيرية. &ففي عام 2012 نال رومني غالبية اصوات البيض ولكنه حصل على اصوات 27 في المئة فقط من اصوات ذوي الاصول اللاتينية ، أسرع الشرائح الانتخابية نموا. &ولكي يفوز خلفه العام المقبل عليه ان يحصل على 40 في المئة من اصوات ذوي الاصول اللاتينية ، كما يقول ويت آيرس خبير الاستطلاعات في حملة روبيو.

وسيتطلب ذلك من الحزب لا ان يكف عن استهداف المهاجرين فحسب بل وان يبدد المخاوف من دوافعه وعدم انضباطه وتشنجه. &وان تجاوزات ترامب ليست وحدها التي تضر بالحزب. &فالأحزاب السياسية كالبشر تميل الى اكتساب السمعة التي تستحقها والحزب الجمهوري قد يفقد فرصة دخول البيت الأبيض مرة اخرى العام المقبل.