ابتكر علماء جامعة زيورخ التقنية سطحًا صناعيًا يطرد قطرات الماء وندف الثلج عن سطوح الطائرات، ويمكنه بالتالي أن يجنّب الرحلات الجوية العديد من الكوارث الطبيعية.


ماجد الخطيب: كان على فريق مانشستر يونايتد، العائد من المباراة شبه النهائية لأبطال كؤوس أوروبا في بلغراد، تغيير طائرته في العاصمة البافارية ميونخ في شتاء 1958 وصولًا إلى لندن.

وبعد محاولتي إقلاع فاشلتين، أقلعت طائرة بريتيش يوروبيان إيرلاينز بصعوبة، لكنها عجزت عن الارتفاع واصطدمت بسياج المطار، ثم ارتطمت ببيت قريب واحترقت. قضت الكارثة على 8 لاعبين و15 إداريًا من مجموع 43، وكان بوبي تشارلتون بين الناجين، ونقل إلى أحد مستشفيات ميونخ.

تتقافز عن السطح
ألقت نتائج التحقيق الأولي، الذي قاده المحققون الألمان، اللائمة على الثلوج المتراكمة على مدرج المطار، لكن التحقيقات بمناسبة مرور 10 سنوات على الكارثة أثبتت أن السبب كان الماء المتجلد على سطح الطائرة، وعلى جناحيها. كانت واحدة من أكبر الكوارث الرياضية في العالم، لكنها سلطت الضوء على مشكلة التخلص من الماء الذي يتراكم ويتجلد على سطوح الطائرات.

خطوة مهمة على طريق تخليص سطوح الطائرات من الماء والثلج اتخذها العلماء السويسريون من جامعة زيورخ التقنية، ونشروا عن إنجازهم هذا في العدد الأخير من مجلة "نيتشر". وتحدث العلماء عن سطوح صناعية، من مواد نانوية، تطرد قطرات الماء عنها، بل وتجعلها تتقافز عن السطح، كما يتقافز الرياضيون على الترامبولين.

استخدم فريق العمل مادة سيليكون المركبة في صناعة السطح، الذي "يقذف" قطرات الماء بعيدًا عنه؛ إذ تتجمع قطرات المطر عادة على الجناحين وتتجمد، وتخلّ بالتالي بديناميكيا الهواء التي تدفع الطائرة إلى الأعلى. وغالبًا ما يستخدم عمال المطار خراطيم الماء الحار المخلوط بالكحول وغيره لإذابة الجليد عن أجنحة الطائرات قبل إقلاعها.
&
حساسية للماء والثلج
كتب البروفيسور ديموس بوليكاكوس وزملاؤه، من مختبر الثيرموداينمك في جامعة زيورخ التقنية، أنهم راقبوا سلوك قطرات الماء بكاميرا غاية في السرعة، وصوروا كيف تتقافز قطرات الماء على سطح السيليكون مثل الترامبولين.

جعلوا قطرات ماء من قطر ميليمتر واحد تسقط على السطح السيليكوني، وصوّروا ما يجري لها مع كل تغيّر في الضغط الجوي. كانت القطرات تستقر لفترة على السطح، لكنها كانت تطير عنه تمامًا كل مرة يخفضون الضغط الجوي بمقدار 1 على 20 من الضغط الجوي الاعتيادي. وكانت القطرة تقفز، ثم تعود لترتطم بالسطح، لتعود وتقفز بشكل أعلى كل مرة، وهكذا ترتفع مرة بعد مرة.

يقول بوليكاكوس إنهم ظنوا في البداية أن القطرات تتقافز كل مرة بشكل أعلى، وفق قوانين سحرية، أو قوى غريبة، لكنهم اكتشفوا لاحقًا أنها حقيقة علمية عن تساقط الماء على السطوح الصلبة. فقطرة الماء الساقطة على هذا النوع من السطوح الصلبة، المصنعة بشكل خاص، تكتسب طاقة حركية تصاعدية كل مرة ترتطم فيها بالسطح.
&
محركات صاروخية
كي يفهم علماء زيورخ سبب ظاهرة ترامبولين قطرات الماء على السطح السيليكوني الذي صنعوه، راقبوا قطرات الماء الساقطة بكاميرات حرارية تسجل أدق تغير في درجة الحرارة، كما ترصد تصاعد بخار الماء. وتوصل بوليكاكوس وزميلاه توم شوتسيوس وشتيفان يونغ، إلى أن ظاهرة تبخر الماء وتركيبة سطح المادة السيليكونية هما المسؤولتان عن ظاهرة ترامبولين هذه.

يؤدي ارتطام قطرة الماء الباردة على السطح البارد إلى حصول ضغط يؤدي إلى تبخر شيء من الماء، ويطلق هذا البخار قطرة الماء بعيدًا عن السطح في الهواء. أما الطاقة الحرارية الإضافية التي تتزايد كل مرة فتأتي من قلب المادة الصلبة، ويؤدي بخار الماء والطاقة الحرارية إلى تزويد قطرة الماء بما يشبه "محرك صاروخي" يطلقها في الهواء.

والملاحظ أن ظاهرة قفزات الترامبولين تزداد مع انخفاض درجات الحرارة، ما يجعل السطح السيليكوني مناسبًا جدًا لفصل الشتاء أيضًا، وكلما قل الضغط الجوي. وتحدث كل هذه العملية خلال فترة قياسية لا تزيد على بضعة ميللي-ثواني، كما كتب العلماء في مجلة "نيتشر". ويزداد الضغط بين السطح وقطرة الماء كل مرة (بعد كل قفزة) ويتكون ضغط انفجاري يزود القطرات بمحركها الصاروخي.
&
سطح ذكي
هذا ما توصل إليه بوليكاكوس وزميلاه: لا يمكن أن تحدث ظاهرة ترامبولين قطرات الماء مع أي سطح، ولهذا فإن طرد الماء بهذه الطريقة لن يتم من دون السطح السيليكوني الجديد. وفضلًا عن تركيبة السطح النانوية، ينبغي أن يكون ذكيًا وخشنًا، لا تلتصق به قطرات الماء، ثم يجب ألا يكون خشنًا إلى درجة تؤدي إلى تبدد الضغط اللازم لإطلاق قطرات الماء في الهواء، بين القطرة والسطح بين ثغراته.

تم تصنيع السطح الخشن كي يحتوي على "أعمدة منمنمة" لا يزيد ارتفاع الواحد منها على بضع ميكروميترات، كما تبعد الأعمدة بعضها عن البعض مسافات منتظمة لا تزيد على 5 ميكروميترات. وفضلًا عن السطح السيليكون المذكور، صنعوا سطوحًا أخرى نانوية من الكربون والألمينيوم تتمتع أيضًا بالقدرة الطاردة لقطرات الماء.

يعمل السطح الطارد للماء بكفاءة حاليًا في ضغط جوي قليل، كما هي الحال في الارتفاعات، أو لنقل عند ارتفاع الطائرة في الجو. ويعتقد علماء جامعة زيورخ التقنية أنهم بحاجة إلى بضع سنوات كي يتمكنوا من جعل السطح يعمل بظاهرة ترامبولين في ضغط جوي اعتيادي.

أما مجالات الاستفادة من السطوح الطاردة للماء فلا تقتصر على طرد الماء والثلج عن سطوح الطائرات، لأنها مهيأة من الآن للاستخدام في الرحلات الفضائية (ضغط جوي منخفض) وفي الأبنية العالية (ناطحات السحاب)، ويمكن لاحقًا، بعد تطويعها للعمل في الضغط الجوي الاعتيادي، الاستفادة منها في تبليط الطرقات وفي كل مكان يحتاج فيه الإنسان طرد الماء عن منشآته وآلاته.

&