عزا مراقبون تقدم الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين المتشدد في الانتخابات المحلية في فرنسا إلى الخوف الذي خلقته هجمات باريس الاخيرة إضافة إلى تراجع مصداقية الأحزاب الكبرى في البلاد.

إعداد ميسون أبو الحب: رأت صحيفة نوفيل اوبز أن على زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن& أن تشكر اثنين للنصر الذي أحرزته في الجولة الأولى للانتخابات، وهما تنظيم داعش أولا والرئيس فرانسوا هولاند ثانيا.

ولاحظت الصحيفة أنه لا يمكن إنكار الفعالية التي قادت بها الجبهة الوطنية حملتها الانتخابية، ولكنها رأت أن لهذين الطرفين تأثيرًا مباشرًا على نصر الجبهة الانتخابي.

شكرًا تنظيم داعش!

من المؤكد أن هجمات الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) تركت أثرها الكبير على نفسيات الناخبين حتى بدون حملة انتخابية، فالصدمة التي خلفها سقوط 130 قتيلاً اغلبهم من الشباب كانت كبيرة جدًا ومن المؤكد انها دفعت هؤلاء الناخبين الى التوجه الى الحزب الذي ينادي باتخاذ اجراءات اكثر حزمًا من غيره ويعتمد خطابًا مناوئًا للاسلام.

المفارقة هنا هو أن الجبهة الوطنية لم تبذل الكثير من الجهود لاقناع الناخبين ولخلق الخوف لديهم، فمارين لوبن تظاهرت بعد الهجمات بأنها توقعت هذه الاحداث، واكدت ان لديها الحلول الناجعة لمواجهة المخاطر التي تحدق بفرنسا. والتقط الناخبون هذه الرسالة.

من جانب آخر، وصفت الصحيفة اعلان الحكومة حالة الطوارئ وملاحقة الملتحين في الداخل وفرض الرقابة على الحدود وادانة الاخفاقات الاوروبية على الصعيد الامني مع طرح مشاريع أمنية مستقبلية بنوع من المزايدة التي جاءت في النهاية لصالح الجبهة الوطنية.

ورأت الصحيفة أن هذه هي اهداف تنظيم داعش في الواقع، حيث يرى مراقبون انه يسعى الى اشعال فتيل حرب اهلية أو حالة توتر كبيرة جدًا بين الفرنسيين المسلمين وغير المسلمين. ورأت الصحيفة انه في حالة تولي اشخاص من الجبهة الوطنية مسؤولية المجالس المحلية في فرنسا فسيعني ذلك حدوث تمييز وتهميش وتأجيج مشاعر الخوف من الاجانب.

شكرًا فرانسوا هولاند!

مع ذلك نلاحظ أن شعبية الجبهة الوطنية كانت قد ارتفعت حتى قبل هجمات باريس، ومن المؤكد أن السبب في ذلك هو تراجع مصداقية الطبقة السياسية التقليدية في فرنسا سواء أتعلق الامر باليسار ام باليمين، ما دفع الجبهة الوطنية الى أمام.

والرئيس فرانسوا هولاند نفسه الذي يقود البلاد منذ ثلاث سنوات ونصف السنة يتحمل مسؤولية خاصة في ذلك رغم ان ذلك لا يعني إعفاء سلفه نيكولا ساركوزي.

ظهر تراجع شعبية اليسار الحاكم واضحًا في نتائج هذه الانتخابات بعد فشل الحكومة في وضع حلول ناجعة على صعيد البطالة وتخليها عن العديد من الوعود التي قطعتها على نفسها، والتي ادت بالنتيجة الى انهيار سياستها.

الحكومة التي تضم اغلبية اشتراكية جعلت ناخبيها ينفرون منها بحيث ان جزءًا كبيرًا منهم تغيبوا عن مراكز الاقتراع في الجولة الاولى. وهذا الفشل جاء في صالح الجبهة الوطنية.

والان؟

كما يحدث بعد كل انتخابات، يطرح ناخبو اليسار سؤالاً على انفسهم وهو: ماذا نفعل الان؟

غير ان الامر يتجاوز هنا القضايا التكتيكية بشأن الجولة الثانية، فالاولوية هنا لقطع الطريق على الجبهة الوطنية ومنعها من تحقيق نصر انتخابي في الجولة الثانية قدر الامكان، رغم ان هذا لا يكفي.

إذ يجب اعادة صياغة "العرض" السياسي كما يقال، ولا يكفي هنا الاكتفاء بتحسين صورة الاحزاب الحالية التي اصبحت تلهث متعبة في مكانها، كلها دون استثناء.&

كثيرون هم المواطنون الذين ينتظرون قوة سياسية قوية قادرة على الجمع بين الثورتين في زمننا الحالي، وهي الثورة من اجل البيئة والثورة الرقمية، وقادرة على اقناع الناخبين بفكرة اوروبية مختلفة وعلى تحقيق تماسك اجتماعي وانساني حقيقي في فرنسا.

الناخبون ينتظرون ولا يزالون.

الوقت ضيق

من جانبها، لاحظت صحيفة ليبراسيون أن أمام الاحزاب فترة حتى الساعة السادسة من مساء الثلاثاء المقبل لتحديد استراتيجيتها بشأن الجولة الثانية للانتخابات المحلية التي ستنظم الاحد المقبل وسيكون عليها الاختيار بين الانسحاب أو البقاء أو التحالف.

ودعت قيادة الحزب الاشتراكي الى انسحاب جميع مرشحيها من المناطق التي حققت فيها الجبهة الوطنية انتصارًا انتخابيًا.

ويبدو أن اتخاذ القرار بشأن الجولة الثانية سيكون أمرًا معقدًا بالنسبة للحزب الاشتراكي الذي عقدت قيادته اجتماعًا مساء الاحد، بعد الانتخابات وصوتت بالاجماع على سحب مرشحيها في المناطق التي تتمكن فيها الجبهة الوطنية من تحقيق نصر انتخابي بهدف قطع الطريق على الجبهة، حسب ما اعلن امين عام الحزب جون كرستوف كامباديليس.

من جانبه، أعلن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي رفضه أي تحالف محتمل مع اليسار في الجولة الثانية، وهو ما قد يعزز فرص الجبهة الوطنية في تحقيق فوز آخر الاسبوع المقبل.

ساركوزي قال إن حزب الجمهوريين يمثل البديل الوحيد الممكن في المناطق التي قد تفوز فيها الجبهة الوطنية. واعتبر الحزب الاشتراكي هذا الموقف غير مسؤول بالمرة.

أقل من 46 ساعة

أمام الاحزاب الخاسرة حتى الساعة السادسة من مساء الثلاثاء لاتخاذ قراراتها بالتحالف أو بعدم التحالف.

وعادة ما يمكن للقوائم الحاصلة على عشرة بالمائة من الاصوات أن تشارك في الجولة الثانية. ويتم احتساب هذه النسبة على صعيد المنطقة وليس على صعيد البلد ويمكن لهذه القوائم ان تشارك بالتحالف مع قوائم اخرى لم تحصل إلا على خمسة بالمائة كحد ادنى.

ولقصر المدة المتبقية حتى الساعة السادسة من مساء الثلاثاء المقبل لطرح القوائم الجديدة، ستدخل هذه الاحزاب في مفاوضات معقدة وصعبة لاسيما بالنسبة للاشتراكيين الذين سيتحاورون مع مناصري البيئة ومع الشيوعيين وربما حتى مع اليمين في بعض المناطق.&&

لكنّ الجمهوريين بزعامة ساركوزي أعلنوا رفضهم حاليًا أي تحالف رغم أن هذا الموقف قد يتغيّر في أي لحظة وحسب متطلبات الأوضاع وتقييم الزعامات.

&

&

&