&لا يزال فوز الثنائي لوبن يرخي بظلاله على مجمل المشهد السياسي في فرنسا، وقد اعتبره المحللون صفعة شعبية للمنظومة السياسية القائمة في فرنسا، نتيجة الإمتيازات السياسية والمراوحة ضمن خيارات تقليدية، مؤكدين أنها لن تتخطى هذا الإطار، وبأن النظام سينتصر في نهاية المطاف.
&
إعداد ميسون أبو الحب: تقود زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا مارين لوبن حملة تمرد شعبية على الطبقة السياسية التي اصبحت في نظر الناخبين طبقة متغطرسة ومنصرفة عن الاهتمام بالامور المهمة وغير قادرة على حل مشاكل البلاد المستعصية والمزمنة.&
&
وغداة فوزها في الجولة الاولى في الانتخابات المحلية الاحد الماضي حاول محللون سياسيون تفسير ما أسموه بـ "الظاهرة لوبين" وقالوا إن الناخبين لا يرفضون لا اليسار ولا اليمين في الواقع، ولكنهم يعترضون على نظام سياسي كامل يوفر الحماية لأفراده ولا يجبرهم على دفع أثمان إخفاقاتهم. &
&
وقال &فرانسوا ميكيه مارتي، وهو خبير في علم الاجتماع ويعمل في مجال استطلاعات الرأي لشركة فيافويس:"الكل تقريبا يرى الامور بهذه الطريقة وهو ما أظهرته دراسات عديدة".&
&
وأضاف: "الشعب الفرنسي فقد احترامه لأصحاب الشهادات والمهن العليا لانه يشعر انهم ما عادوا قادرين على تحقيق نتائج سياسية، وهو يريد قادة قريبين منه، ولذا برز نجم لوبين". &
&
الشهادات
&
فرنسا بلد يحترم الشهادات وعادة ما تتخرج الطبقة السياسية فيه من مدرسة ENA اي "مدرسة الادارة الوطنية" وهي مؤسسة خاصة لا تدخلها إلا النخبة، ولكن "في السنوات الاخيرة بدأت هوة واسعة تظهر بين فرنسا المدن وفرنسا المناطق المحيطة، وهي واسعة وبعيدة عن عالم المدن المتطور ولم تلمس فوائد العولمة"، بحسب دراسة مهمة لكرستوف غيو.&
&
حتى زعيمة الجبهة الوطنية نفسها تقر بوجود هذا الشرخ الكبير كما ظهر في كلمتها الاحد الماضي، عندما دعت الناخبين الى "أن يديروا ظهورهم" للطبقة السياسية. &
&
ومع ذلك، لا يمكن حصر اسباب "الظاهرة لوبين" بهذا التفسير وحده، فبعد نتائج الاحد كتب احدهم في صحيفة لوموند قائلا ان فوز لوبين سببه "تراجع في قدرة الفرنسيين على التفكير"، وتحدث آخر في الصحيفة نفسها عن الارهاب وعن ازمة اللاجئين وعن البطالة باعتبارها الاسباب الرئيسة وراء بروز لوبن، دون ان يوجه اللوم الى الناخبين.&
&
وقال ميكيه مارتي: "يعتقد العديد من السياسيين ان الناخبين سيغيرون موقفهم لو حصلوا على معلومات اكثر عن الجبهة الوطنية، ولكن... هذا التوجه التعليمي بدأ يعطي نتائج معاكسة، لأن الناخبين يعتبرون القادة السياسيين عاجزين".
&
مهنة مدى الحياة
&
ويرى محللون آخرون أن السبب هو التراجع عن تقاليد فرنسية راسخة تقوم على صناعة سياسيين محترفين، او صناعة ما يدعى بالمهنة السياسية، فالرئيس فرانسوا هولاند ومنافسه نيكولا ساركوزي، مثلًا، يمتهنان السياسة طوال العمر، وعادة ما يتنافس السياسيون في هذا البلد طوال الحياة وهو ما سيفعلونه في الانتخابات الرئاسية في 2017. &
&
وفي فرنسا ايضا، يحتفظ النواب في البرلمان بمقاعدهم حتى بعد ارتكابهم انتهاكات فاضحة، فباترك بلكاني، مثلًا، وهو نائب من يمين الوسط، أدين في وقت سابق لتسخيره اموالا عامة لأغراض شخصية خلال تسعينات القرن الماضي، وقد أجريت تحقيقات بخصوص جرائم مشابهة هذا العام، لكن بلكاني لا يزال يحتفظ بمقعده في الجمعية الوطنية.&
&
هناك سياسيون آخرون يفشلون في الحصول على اعادة انتخاب او يتم اخراجهم من مكاتبهم، مثل وزير المالية السابق بيير موسكوفيتشي، ولكنهم يعثرون دائمًا على مكان يؤويهم &مثل المفوضية الاوروبية او البرلمان الاوروبي، ومن هنا، وفيما تصنع جميع الدول نخبتها السياسية، نلاحظ ان فرنسا تداور الوجوه نفسها اكثر مما في بريطانيا والمانيا.&
&
ويمكن للسياسيين في فرنسا ايضًا الجمع بين وظيفة رئيس بلدية ونائب او عضو في مجلس الشيوخ ومناصب اخرى. وكلها تمنحهم مزايا نقدية او عينية، ورغم أن هولاند منع الجمع بين المناصب، غير ان التنفيذ لن يبدأ قبل2017.&
&
وقال الان غاريغو، وهو خبير في التاريخ وفي العلوم السياسية واشرف على عدد من الاستطلاعات وكتب الكثير عن النخبة: "اغلب سياسيينا لا مهنة لهم غير السياسة، ولذا ينصب اهتمامهم الرئيس على أن يعاد انتخابهم".&
&
واضاف بالقول إن تحول السياسة الى مهنة أمر واضح جدا في فرنسا، فالنخبة وامتيازاتها موجودة في الحمض النووي للسياسة الفرنسية ولا علاقة بين المزايا والسلطة في هذا البلد، أما اذا ساءت الامور كثيرًا، فهناك كبش فداء وهو الاتحاد الاوروبي.&
&
ونلاحظ في فرنسا ايضا ان السياسيين مقيدون على صعيد النفقات، ولذا تراهم يروجون لأنفسهم ويتحدثون عن طريق الاذاعات والقنوات التلفزيونية ليفسروا وليشرحوا إصلاحات لا تؤثر إلا قليلا على واقع الاقتصاد.&
&
ونتيجة لذلك، وحسب قول محللين، بدأت شرائح واسعة من الناخبين تبحث عن بدائل حقيقية وتوجهت الى الجبهة الوطنية التي بدأت تصبح جزءا من الطبقة السياسية.&
&
وإلا كيف يمكن أن نفسر ما قد يحدث إن جاءت انتخابات الاحد المقبل لصالحها، وهو ان تدير فتاة مثل ماريون مارشال لوبن وعمرها 26 عاما وتحمل شهادة في القانون، شؤون اقليم تقارب مساحته مساحة بلجيكا؟&
&
لوبين ستخسر!
&
حزب مارين لوبين كان دائما يحقق تقدما في استطلاعات الرأي مع كل انتخابات منذ توليها زعامة الجبهة الوطنية في عام 2011، غير انها لم تحاول ان تعرف وان تكشف عن اسباب تقدمها.
&
على اية حال، بعد تجاوز صدمة الاحد الماضي بدأ المحللون السياسيون ومحترفو السياسة يحاولون التفكير في أفضل اسلوب لحل المشكلة الرئيسة، وهي كيفية منع الجبهة من تحقيق فوز جديد الاحد المقبل.&
&
وترى صحيفة بوليتيكو أن أحد اسباب ذلك هو ان النخب الحاكمة لا تشعر بأن وجود لوبين يهددها بالفعل، فهولاند مثلا، قال مقربون منه إن رد فعله كان ايجابيا على نتائج التصويت بعد توقعات اشارت الى أن حزبه الاشتراكي كان سيحصل على نسبة أدنى.
&
وبالنتيجة من المرجح ألا تحصل الجبهة الاحد المقبل إلا على منطقة او منطقتين فقط، والسبب هي المناورات التي تجريها الاحزاب التقليدية القائمة، وهذا سيسمح ايضا لقادة الاحزاب الرئيسة بالتركيز مجددا على اولويتهم الحقيقية وهي الانتخابات الرئاسية في عام 2017.&
&
من جانبهم يطمئن المحللون الرسميون التقليديون الاحزاب التقليدية بالقول إنه حتى لو تمكنت لوبين من الصعود الى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية فمن المؤكد ان واحدا من الاحزاب الحالية هو الذي سيحصل على نتيجة ايجابية في النهاية وستخسر لوبين.&
&
وعندئذ سيصل الى الاليزيه واحد من الوجوه المألوفة ليمضي فيه خمس سنوات اخرى، أما لوبين فمن المؤكد انها لن تختفي، وستواصل نضالها من اجل الرئاسة.&
&
التعليقات