توقع وزير الخارجية البريطاني السابق ويليام هيغ أن يصبح داعش أكثر قوة في الفترة المقبلة قبل أن ينهار، وذلك في معرض استشرافه للأحداث السياسية والعامة خلال العام المقبل، وأشار إلى ضرورة وجود قوات عربية وإسلامية ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش، لتبرير هجمات التحالف.


محمد الحمامصي: أعرب ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني السابق في الجلسة الثالثة للمنتدى الاستراتيجي العربي 2015، التي اختصت بحالة العالم سياسيًا في 2016، وأدارتها الإعلامية بيكي أندرسون من قناة CNN، عن احترامه الشديد لدولة الإمارات، وبأنه دعم ملف دبي لاستضافة معرض إكسبو 2020، منوهًا بأن هذا الدعم جاء كنتيجة لما تشهده دولة الإمارات من تطور ملحوظ وكانعكاس لطبيعة العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين الصديقين، وما يؤكده عدد الرعايا البريطانيين المقيمين في دولة الإمارات.

إعادة تقسيم
وخلال الجلسة، نوّه هيغ بضرورة إعداد كل المجتمعات والشركات وتهيئتها لمواجهة أي أزمات مستقبلية محتملة، مستشهدًا بأزمة منطقة اليورو الراهنة، حيث أكد أنه تنبأ إبان إطلاق العملة الأوروبية الموحدة بأنها لن تعمّر طويلًا، وأنها ستواجه مشاكل عديدة مستقبلًا، مستشهدًا بما يجري اليوم في المشهد الأوروبي، كحالة اليونان وأزمتها، مشيرًا إلى أن عدم قدرة الدول الأوروبية المختلفة في مستويات اقتصاداتها على مجاراة مستويات الصرف سيؤدي إلى اختلاف في منطقة اليورو وإعادة تقسيم أوروبا في السنوات المقبلة.

وأشار وزير الخارجية البريطاني السابق إلى أن تفاوت الحالة الاقتصادية في دول اليورو سيعجّل في انسحاب العديد من الدول من الوحدة النقدية، متوقعًا عدم إستمرار اليورو كعملة في إيطاليا، لأنها في حالة ركود، وقد تواجه خيار الانسحاب إذا ما استمرت أوضاعها الاقتصادية على المنوال نفسه، في حين أن إيرلندا تواجه نموًا كبيرًا. ويرى هيغ أنها يجب أن تنتبه إلى سرعة نموها. مؤكدًا أن العام 2016 سيكون مشابهًا للعام الجاري في مسألة الركود الاقتصادي في معظم أرجاء أوروبا، ومنوهًا بضرورة استحداث إصلاحات جذرية وتحسين منظومة الضرائب، لكي لا تصل دول اليورو إلى الانهيار.

وفي موضوع مرتبط بالقارة الأوروبية، توقع ويليام هيغ إستمرار موجات الهجرة والنزوح إلى أوروبا، وما ستمثل من تحدّ كبير، منوهًا بأن توجهات المستشارة الألمانية ميركل أضعف موقفها محليًا وأوروبيًا، ومؤكدًا أن منطقة الشينغن في مواجهة تحدٍّ كبير للاستمرار.

تبعات انفصال بريطانيا
وحول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، توقع هيغ إستمرارية عضوية المملكة المتحدة في حال تم وضع استفتاء لهذا الصدد، منوهًا بأن 60% من البريطانيين يؤيدون الاستمرار في الاتحاد، ومشيرًا إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد تنتج منه تبعات خطيرة، كعودة توجهات استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة.

من جانب آخر، أوضح هيغ أن هناك فوائد في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حال استمرار التحديات الراهنة في منطقتي اليورو والشينغن، منوهًا بأن المملكة المتحدة تستفيد اقتصاديًا، لأنها في عضوية سوق واحدة، وتساهم في وضع الأنظمة والقواعد التي تحدد شكل الوحدة، ومؤكدًا أن واحدًا من أهم فوائد الاتحاد الأوروبي استتباب السلم في أوروبا الشرقية وتمكينها من التطور على غرار الغربية.

وحول دور المملكة المتحدة على الخارطة السياسية العالمية، أكد ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني السابق أن بلاده بدأت بالعمل، منذ كان في منصبه، على تعزيز دورها العالمي، منوهًا بأن هناك 20 سفارة تم افتتاحها في فترة توليه مهام عمله، وأن بلاده تركز على توثيق العلاقات مع الدول الصاعدة، مثل المكسيك وكوريا الجنوبية، ومؤكدًا أن المملكة المتحدة هي العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي التي تسعى إلى رفع مستوى تأثيرها العالمي، مشددًا على الدور الإيجابي لكل من بريطانيا والولايات المتحدة، وأن ظهورهما السياسي سيرتفع في العام 2016، ومؤكدًا أن هاتين الدولتين، وفي حال انخفض ظهورهما الدولي، فإنه سيفتح الباب أمام دول، كروسيا وإيران، للظهور بشكل أكبر.

تفعيل دور أميركا
وفي موضوع الانتخابات الأميركية، أشار وزيرالخارجية البريطاني السابق إلى أنه لا يتوقع فوز دونالد ترامب بالرئاسة، منوهًا بأنه إن فازت هيلاري كلينتون أو أي مرشح جمهوري قوي، فإن توقعاته بأن الرئيس الأميركي المقبل ستكون له سلطة وقدرة أكبر على التأثير خارج حدود الولايات المتحدة، ولافتًا إلى أن الرئيس المقبل سيعتمد سياسة التدخل بشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط. وهي السياسة التي تراجعت كثيرًا في عهد أوباما، بعدما كانت أكبر في زمن بوش، بحسب هيغ، الذي يرى أن الولايات المتحدة لها مصالح استراتيجية كبيرة في المنطقة، ومع ذلك فقد كانت سياسة الرئيس الأميركي أوباما تمثل رد فعل على سلفه، موضحًا أنه تملص من نزاعات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتدخل عسكريًا في حالات محدودة، ومشيرًا إلى أن الشعب الأميركي يرى اليوم أن نمو داعش في سوريا سيؤثر على أمنهم في الولايات المتحدة، إلى جانب قضية اللاجئين، التي تؤثر عليهم وعلى الأوروبيين على حد سواء.

وفي موضوع خطر داعش والخلافات الغربية مع روسيا، فقد أوضح أن حدة الخلافات بين الطرفين ستتراجع، نتيجة وجود عدو مشترك، وهو تنظيم داعش، منوهًا بأن داعش سيستمر في الاستقطاب ومحاولة التجنيد، ولكنه، ونتيجة للعمليات العسكرية في سوريا والعراق، قد يضطر للبحث عن موقع جديد لعملياته، كليبيا.

وتوقع هيغ أن يصبح داعش أكثر قوة قبل أن ينهار. وأشار إلى ضرورة وجود قوات عربية وإسلامية ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش، منوهًا بأن الدول الغربية لا تريد أن تؤكد فكرة أن التنظيم في حرب مع الغرب، مؤكدًا على ضرورة التدخل العربي والإسلامي بشكل ملموس، لتبرير هجمات التحالف، وقطع الطريق على الآلة الإعلامية للتنظيم الإرهابي وعدم خسارة المعركة الإعلامية.

لا يمكن تجاهل إيران
وحول العلاقات مع روسيا، أكد هيغ أنه "عند النظر إلى الديموغرافية الاجتماعية والاقتصادية، فالجميع يبحث عن استقرار على المدى الطويل، التعامل مع روسيا بشكل يومي أمر لا بد منه"، منوهًا بأنها دولة عظمى تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن، ولا يمكن تجاهلها، وإذا كان هناك قرار في الأمم المتحدة، كالتسوية النووية مع إيران، فإن روسيا جزء مهم من أي معادلة، وفي المسألة السورية فهي عنصر رئيس للحل، وحتى وإن لم يتم التوصل إليه بعد.

وفي موضوع استياء العالم العربي من السياسات الإيرانية، أوضح هيغ أن الدول الغربية تتحسس طريقًا لعلاقات أفضل مع إيران، ولكنها لن تمثل تحولًا كبيرًا في المشهد الثنائي، وأشار هيغ إلى أن الاتفاقية النووية، التي وقعت مع طهران، أفضل بكثير من البديل، وهو حرب مع إيران، لا يمكن تحديد نتائجها وتأثيراتها على المنطقة والعالم، مؤكدًا أن الاتفاقية التي تمت تمثل الأفضل بين شرّين على الأقل، لتجاوز الخطر في المدى القصير. ومشددًا على أنه من مصلحة إيران احترام الاتفاق. ومشيرًا إلى أنه يتوقع أن تتغير السياسات الإيرانية في المنطقة، ولكن بشكل بطيء للغاية، لأسباب داخلية، ومنوهًا بأن سياستها الراهنة في سوريا والعراق واليمن ولبنان من قبل وكلائها ستستمر، وقد تؤدي إلى وقوع حروب بالوكالة في المنطقة.

وحول القضية الفلسطينية، قال وزير الخارجية البريطاني السابق إن الولايات المتحدة باتت أقل تدخلًا في منطقة الشرق الأوسط، وقال إنه لا يتوقع حدوث أي تغييرات في مسار القضية الفلسطينية خلال العام المقبل، ومشيرًا إلى أنه كانت هناك فرصة قبل سنتين، وأنه نصح وزير الخارجية الأميركي جون كيري باستغلالها، ومؤكدًا أن الأخير فعل ما بوسعه لتقديم حلول تحيي مسار المفاوضات، ولكنه لم ينجح، وعند الإطلاع على الأزمة، ترى بوضوح أن موقع إسرائيل سيكون أضعف، سنة تلو الأخرى، وأنهم يجب أن يستفيدوا من الفرصة، وان يعقدوا السلام مع الفلسطينيين.

التوتر الروسي التركي سيزول
وفي موضوع التوتر الروسي التركي الناجم من حادثة إسقاط المقاتلة الروسية، أوضح هيغ أن لا أحد يتمنى المواجهة بين الدولتين، وكل منهما لهما الحق بالدفاع عن مواطنيهما، ويجب على الجهتين التخفيف من حدة التوتر، وهناك قائدان عنيدان، مما يصعب من الوضع، وبيّن أنه لا يتصور بأن إسقاط طائرة واحدة سيبقي على التوتر بشكل دائم.

وفي توقعات أخرى، توقع وزير الخارجية البريطاني السابق بأن كل الأطراف المعنية تبحث عن حل للنزاع في سوريا، ولكن في ظل عدم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتنازعة، فإن التوجه العام في 2016 سيكون نحو تجميد الصراع المسلح أو تقليصه ومناقشة إمكانية التحولات المستقبلية.

وتوقع هيغ أن تشهد منطقة شرق آسيا، وخصوصًا بحر الصين، مزيدًا من الاضطرابات، وتوقع أن تتعافى الصين من حالة التباطؤ الاقتصادي خلال العام المقبل أو التالي، وأنها تمثل قصة نجاح مذهلة، وقد نقلت ملايين الناس من حالة الفقر إلى الرفاه، كما توقع هيغ أن تواجه المصارف المركزية في العالم في 2016 سنة صعبة، وأن عليهم إيجاد سياسات لتجنب الوقوع في ديون مبالغ فيها، وخصوصًا في الولايات المتحدة.

عام العلم والاكتشافات
كما توقع هيغ أن يشهد العام 2016 هجومًا إلكترونيًا ضخمًا سيغيّر توجهات ومسارات كبرى الشركات، وسينتج منه فقدان بيانات أو كشف بيانات مالية، ما سيؤدي إلى إنهيار شركات، وأن مستويات التأثير ستتفاوت بين دولة وأخرى. وفي توقع إيجابي، قال هيغ إنه ستكون هناك اكتشافات علمية كبيرة متميزة، ومنها في مجال الطاقة الشمسية، والتي ستقود الثورة العلمية، وسيظهر الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر، مما سيعكس الابتكار والعبقرية البشرية، وأنها يمكن أن تتجاوز التوقعات.

أخيرًا في ما يتعلق بالانتخابات الفرنسية ونتائجها على أوروبا، قال هيغ إن الحالة الفرنسية تلخص الانقسامات السياسية في قارة أوروبا، اليمين المتطرف لم ينجح إلى الآن، ولكن لا أحد يستطيع التنبؤ بالدورة الثانية، ومشيرًا إلى أنه لا يعتقد بأن أقصى اليمين سيصل إلى السلطة، ولكن أكد هيغ أنه وفي حال حدوث أزمات جديدة في العالم يمكن أن يؤدي ذلك إلى وصول لوبان إلى السلطة. ومنوهًا بأن ما يجري اليوم يغذي الانقسامات الأوروبية.

&