&محمود العوضي من لشبونة: الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "مديتشي العرب" نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، هو ليس رجلاً نظرياً يضع السياسات ويخطط لها فقط، إنما هو رجل عاشق المستقبل ويطبق ما يؤمن به من نظريات على أرض الواقع. وقد أثبت ذلك ما تعرض له من تحديات وما واجهه من صعوبات على مدار تاريخه الطويل مع إمارة دبي منذ عام 1995 وحتى الآن.
فعندما تعرضت دبي لهزة عنيفة إبان الأزمة المالية العالمية التي وقعت في عام 2009 وصال وجال المشككون في عدم قدرتها وقدرة قائدها "بو راشد" على الخروج من الأزمة وتجاوزها، وقالوا إن هذه إمارة بالونية ولن تستمر... حينها فاجئ بو راشد "رجل المستحيل" الجميع عندما سئل في زيارة له لمدينة دبي للإعلام عن وضع الإمارة من الأزمة العالمية، وقال واثقا "إن المنتقدين لا يفقهون... ونحن سنبرهن لهم مستقبلا أن نكون أو لا نكون". وبالفعل وعد ونفذ، وأثبت للجميع عكس تكهناتهم بمرئياته الواقعية.
بعض زعماء الدول يتحدثون عن استراتيجيات دولهم بشكل نظري ويتركون التنفيذ لحكوماتهم، ولكن بو راشد يقول، ويطبق كلامه في الميدان، بإشراف شخصي منه، وبالرغم من أنه رجل عسكري إلا أنه لا يوجد في مقاله الذي نشر في وسائل الإعلام المختلفة أمس "الدول بين الابتكار أو الاندثار" حديث عسكري، إنما حديث رجل دولة إداري بحت، فهو عاش في الدولة ليس بعقلية عسكرية، إنما بعقلية مستقبلية إدارية محنكة، وقاد، ومازال يقود مجموعة من الوزراء المحنكين، وعاش كل العقبات والمطبات، وواجه كل الصعاب وهو عاش وخاض تجارب شخصية عتيدة وعنيدة على أرض الواقع مع كل مراحل التطور التي عاشتها إمارته "دبي".
هذا وتلقت "إيلاف" اتصالاً من منظمة اليونسكو في جنيف، يبرهن على تفاعل المنظمة مع مقال بو راشد، ويؤكد على أنه مقال خاطب كل العقول وكل العصور. كما تفاعلت منظمات دولية عديدة معه، وتناقلته وسائل إعلام عالمية، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي صخبًا كبيرًا، وزخمًا واسعًا حول عقلية رجل دبي الأول وحكمته وحنكته التي جعلته وجعلت إمارته حديث العالم، من كونه رجل التحديات الأول الذي واجه الصعاب وتحدى المشككين وأثبت لهم أنه رجل الواقع والمستحيل والإداري الأول الذي يقول وينفذ.&
&
مديتشي العرب: التحديات تصنع المعجزات
"نحن في بداية الطريق، والتحديات هي التي تصنع المعجزات"، قالها بو راشد في عام 1995 عندما كان فريق أول وولي عهد دبي، وكان يعي تماماً ما يقول و مؤمناً إيماناً تاماً به، في حين لم يكن العالم واثقاً مما قاله، فكيف بمجرد عبارة قيلت أن تتحول إلى واقع؟ و كيف يمكنه في هذا الزمن أن يصنع المعجزات؟ تساءل الجميع حينها، غير مدركين بأن مقولته تلك كانت مقدمة لأحداث مستقبلية باهرة، و بأن صاحب المقولة يملك صفات قيادية بارزة، وستكون له ميزة السبق وخاصة الامتياز في دفع عجلة التنمية والتطور نحو الأمام.
كان يشجع على العمل الميداني، وعدم الركون والجلوس خلف المكاتب، كما كان يصر على الزيارات المفاجئة إلى الدوائر والمؤسسات الحكومية، بهدف كسب رضى العاملين والمتعاملين في المؤسسات، و مثل ذلك العديد من التحركات التي ساعدت في رسم معالم الطريق، وبدا أثرها ظاهراً بوضوح للجميع، مما شدّ انتباه الإعلام في داخل الدولة وخارجها ليلتفت إلى رؤية هذا القائد وطموحه الذي لا يقف عند حدود الزمان أو المكان.&
و كذلك تردد صدى تلك الأعمال القيادية والحركة التطويرية الحديثة ليصل أثرها إلى القطاع الخاص - والذي كانت مشاركاته محدودة آنذاك - و احتفى بها رجال الأعمال بعد أن اجتمع معهم في زيارة بهدف تفعيل دورهم، ليحدث توازن بين التغيير الذي بدأه في القطاع الحكومي وبين القطاع الخاص، من أجل أن يرتقي بالقطاعين معاً. و من هنا، برزت نخبة من الشباب الطموحين الذين أقدموا على ركوب سفينة التغيير، رغم أن البحر كان متلاطم الأمواج حينها، لكنهم أصروا على الاستمرار في مسيرة دبي برفقة القائد الباسل حتى يتحول الحلم إلى واقع.
&&
قرار 1995 لتطوير مطار دبي الجديد
و لم تنحصر رغبته في التطوير عند دائرة واحدة، بل امتدت إلى جميع الدوائر، حتى وصلت إلى دائرة الطيران. ففي السنة ذاتها 1995 شهد معرض دبي للطيران تطوراً ملحوظاً و قرارات مهمّة، حيث أمر بو راشد ببناء مطار دبي الجديد، على أن يستقطب في المستقبل ما يعادل 15 مليون مسافر، وعلى أن يقوم مسؤولو المطار والطيران بتوفير جميع الوسائل الممكنة للوصول إلى الهدف، وقد قال حينها: "بدون إيجاد الوسائل لا يمكن أن يتم التطور."&
ومنها انتقل إلى دائرة التجارة والاقتصاد، حيث أقام ملتقى الإمارات الدولي تحت شعار "الانتقال نحو القرن القادم" الذي كان يهدف إلى تبادل المعلومات والمصالح الاقتصادية المشتركة على المستويين الإقليمي والعالمي، و مشاركة العالم في كثير من فعالياته، ليكون الملتقى بمثابة نقطة انطلاق نحو التطور التجاري و الاقتصادي محليّاً و عالميّاً.&
&
مؤتمر صحفي في 1999 على هامش جائزة دبي للعمل المتميز
وفي العام 1999 حين أقيم مؤتمر صحفي على هامش "جائزة دبي للعمل المتميز" اهتم بو راشد بمناقشة قضية التعليم، و كان هدفه السعي للنهوض بالتعليم الحكومي، مشيراً إلى أن المدارس الحكومية يجب أن ترتقي في معاييرها و يجب أن تصبح أفضل من المدارس الخاصة، و وعد بقلب المعادلة في المستقبل ليصبح توجه الناس نحو المدارس الحكومية قبل المدارس الخاصة.&
و في نفس المؤتمر، وجّهت له إحدى الصحافيات سؤالاً عن الإعلام وتغيب دوره، رغم أنه العنصر الأهم في إبراز الحدث وما يحصل في الإمارات اليوم وغداً، كما أن الإمارات ليست معزولة عن العالم، بل تتأثر بالسياسات الخارجية وما يحدث في العالم الخارجي، فكيف يمكن التعامل مع الحروب المستقبلية؟.
و كانت إجابته بأن الإعلام في الإمارات لا بأس به في الوقت الراهن، وسيتم التركيز عليه و تطويره في السنوات القادمة بشكل كبير، لأن دور الإعلام مهم جداً و تأثيره قوي و هو الوسيلة التي ستغيّر رأي العالم عنا و ستعرفهم بنا معرفة صحيحة، فلا يزال الغرب يجهلنا و يجهل الكثير عن بلادنا، و لابد للإعلام العربي أن يتكاتف حتى يكون له صوت موحد يصل بطريقة محترفة إلى الغرب.&
رجال أعمال الرعيل الأول بين الحيرة والتساؤل
و في سؤال آخر وجهه رجل أعمال إماراتي ذكر فيه بأن رجال الأعمال قد اطلعوا على مخطط الحكومة المحلية و توجهاتها، متسائلاً إن كانت الدوائر الحكومية تملك الاستعداد لتتحمل هذا التوسع وهذه الرؤى البعيدة. فأجابه بو راشد بأنه سيكون لدى الدوائر الحكومية كل الاستعداد لتحمل تلك المسؤولية، ذلك لأن الإمارات لديها جيل واعد من الشباب تفخر به، ووعد بتدريب هؤلاء الشباب وتأهيلهم للاعتماد عليهم في هذا التوسع والتغيير المستقبلي حتى يصلوا إلى أعلى المستويات. وشدّد قائلاً: "الدوائر لا تستوعب التطوير والتغيير لن نقبل بها، ومن الآن فصاعداً الكل تحت المجهر، وإذا قيل نحن في عصر السرعة، فسأقول نحن في عصر النفاذة." وختم بالقول: "نحن فريق واحد كقطاع حكومي وخاص، وحان الوقت لأن ندخل الأسواق العالمية، فنحن نطمح للانتقال من مركز اقتصادي إقليمي إلى مركز اقتصادي عالمي."
&كانت تلك عبارات ووعود و رؤى رددها بو راشد، قبل ما يقارب العشرين عامًا، ولا تزال نابهة الذكر و قوية الأثر، ذلك لأنها لم تعد مجرّد عبارات فحسب، بل سطعت على أرض الواقع وأصبح بريقها يخلب الألباب، فالأحلام التي اعتقد الكثيرون بأنها صعبة المنال، تحولت اليوم إلى حقائق يحتفي بنجاحها الجميع، من نهضة في القطاع الحكومي والخاص، وقفزة كبيرة في مطار دبي الذي أصبح يستقطب اليوم ما يفوق الخمسين مليون مسافر، ومن تقدّم عظيم في التجارة والاقتصاد حتى أصبحت دبي مركزاً عالمياً للاستثمار والاقتصاد والمال، ومن تنمية و تطوير للكوادر الشبابية الذين أصبحوا أعمدة ترتكز عليها الدولة، وغير ذلك الكثير من الأحلام التي تحققت بفضل إيمان هذا القائد وعزمه وإصراره وتجاهله للواقع آنذاك، لأنه أدرك بأنه يستطيع صناعة واقع آخر بيديه.
قد يختلف الرأيان في الشيء الواحد، و لكن التغيير الذي حققه بو راشد لا خلاف عليه، فقد فاق كل التوقعات، وتفوق على مستوى الزمن المحدود، و تخطّى المجال المحلي، ليصنع مستقبلاً غير عادي، يستوجب التقدير و الاعتبار.
الدول بين الابتكار أو الاندثار
قال بو راشد في مقاله "الدول بين الابتكار أو الاندثار" الذي لاقى صخبًا عالميًا كبيراً في وسائل الإعلام المختلفة أمس إن "الابتكار هو أن تكون أو لا تكون: أنا حكومة مبتكرة، إذاً أنا حكومة موجودة... الابتكار في الحكومات سر بقائها وتجدّدها ونهضة شعوبها".
وأضاف "تخبرنا الدراسات بأن أكبر 500 شركة عالمية قبل 40 عاماً كانت أصولها المرئية تمثل 80% من إجمالي الأصول، لكن اليوم أصبحت الأصول غير المرئية كالأبحاث والدراسات والاختراعات تمثل أكثر من 80% من إجمالي الأصول في قائمة الشركات الـ500 الأولى عالمياً. وأنا أقول: إذا أرادت الحكومات أن تبقى في دائرة المنافسة العالمية، وأن لا تشيخ، فلابد أيضاً أن تحذو حذو تلك الشركات، وأن تبدأ بإعادة التفكير في ميزانياتها، وأين تصرف أموالها؛ فتقليد القطاع الخاص لا يكون فقط في الخدمات، بل حتى في طرائق صرف الميزانيات وأولوياتها. وليس سراً أن حكومات أميركا وأوروبا تصرف مجتمعة سنوياً أكثر من 250 مليار دولار من الأموال الحكومية على الأبحاث والتطوير، لتبقى في مواقع الريادة العالمية، وليس خافياً على أحد أيضاً أن سر تطور دول مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية خلال فترة قصيرة هو تأجيل الصرف على البنية التحتية، وتركيزها الكبير على تطوير التعليم، وبناء مهارات ومعارف شعوبها، أي البنية غير المرئية. بل إن دولة مثل بريطانيا تصرف من ميزانيتها سنوياً على البنية التحتية غير المرئية، كاستحداث الأنظمة والتدريب والأبحاث والتطوير، أكثر مما تصرفه على البنية التحتية المرئية من شوارع وأنفاق ومبانٍ وغيرها (124 مليار جنيه مقارنة بـ93 مليار جنيه حسب أرقام 2009)".
&
التعليقات