قال رئيس المجلس الاسلامي العراقي عمار الحكيم انه في الوقت الذي يقاتل فيه&الايرانيون مع القوات العراقية ضد تنظيم "داعش"، فإن دول التحالف العسكري تستعرض قواتها من دون عمل جدي، ودعا الى مصالحة وطنية حقيقية شاملة وعميقة تُبنى على سلة شاملة ومتكاملة من الحلول الأمنية والسياسية والمجتمعية والتنموية.


أسامة مهدي من لندن: قال رئيس المجلس الاسلامي العراقي عمار الحكيم في كلمة خلال الملتقى الثقافي الاسبوعي للمجلس في بغداد، بحضور جمع غفير من ابناء العاصمة العراقية، الليلة الماضية، ووزعها مكتبه الاعلامي، إن المعارك الحالية التي يخوضها الحشد الشعبي للمتطوعين مع الجيش والشرطة الاتحادية وابناء العشائر وانضمام البيشمركة مؤخراً تمتد على مساحة جغرافية شاسعة يراد تحريرها تصل الى 6 آلاف كيلو متر مربع، وهي تمثل تحديًا آخر من تحديات المعركة، فهي حرب شوارع وتطهير مناطق ومسك ارض، وهي ليست عسكرية بين جيشين حيث تكون خطوط النار والتداخل واضحة ومحددة.

وقال "اننا نخوض معركة صعبة من الناحية الجغرافية والديموغرافية، حيث المساحات الشاسعة والتداخل الكبير بين المدنيين والمسلحين وحساسية القتال في الاحياء السكنية والشوارع وتطهير القرى المحيطة بالمدن وتأمين خطوط الامداد بين القطعات المختلفة".

واشار الى أنه في بداية المعارك كانت هناك شكوك كبيرة بقدرة قوات الحشد الشعبي على التعامل مع الانتشار الجغرافي المعقد للمسلحين وفي تطهير هذه المساحات الشاسعة، ولكننا اليوم نجد ان القدرات اللوجستية والتعبوية قد تطورت بشكل كبير وأصبحت قوات الحشد قادرة على تحرير وتطهير مناطق واسعة من الارض في مدة زمنية قصيرة وقياسية".

وأكد على الحاجة الى حشد سياسي واعلامي وجماهيري يوازي الحشد العسكري لمواجهة داعش.

وقال "ان دماء شهدائنا وجرحانا ليست رخيصة لتُستهدَف تضحياتهم عبر محاولات تضليل الرأي العام ونشر الاخبار المفبركة والكاذبة للتأثير على سكان المناطق المغتصبة وشحنهم طائفيًا، فيما أن مقاتلي الحشد الشعبي قدموا لتحرير وطنهم وحماية اهلهم من القاطنين في هذه المناطق وصيانة اعراضهم واموالهم".

وقال إن تلاحم العشائر العراقية في هذه المرحلة الحساسة من تأريخ والعراق يعبر عن اصالتها وموقفها الحقيقي والصادق في حربها ضد الإرهاب الأسود الذي يعيث فسادًا في مناطقها وعقول بعض أبنائها المغرر بهم، وهي فرصة ثمينة لإثبات صدقية ووطنية وعراقية الكثيرين الذين لم تتوفر لهم الفرصة من قبل ليعبروا عن موقفهم تجاه الإرهاب بالأفعال لا بالأقوال.

ودعا المقاتلين الى الحفاظ على أرواح المدنيين وممتلكات المواطنين وتجنب الدخول باشتباكات في المناطق المكتظة بالسكان، منوهًا الى أن تنظيم "داعش" ليس لديه ما يخسره وهو يتجه نحو الهزيمة ويعمل من اجل نشر ثقافة الموت والدمار، لكنّ العراقيين وبكل أعراقهم ومذاهبهم وأديانهم يمتلكون الكثير الذي يجب المحافظة عليه، وأوله أرواح المواطنين والمقاتلين في الحشد والقوات المسلحة الاخرى".&&

التحالف الدولي يستعرض عسكريًا

وانتقد الحكيم أداء التحالف الدولي ضد "داعش" قائلاً "اننا لا نشعر بالجدية والفاعلية الكافية والمطلوبة للتحالف الدولي مقارنة بالهجمة الشرسة البربرية التي يتعرض لها العراق والعراقيون من قبل الإرهاب ومع كل هذا فإن التحالف الدولي يتعامل مع الاحداث وكأنه نزاع عسكري مسلح ويخضع لقواعد الاشتباك وعامل الوقت، إن عشرات الدول أعلنت انضمامها الى التحالف الدولي ضد الإرهاب، ولكن من المؤسف أن تكون مشاركتها شبه رمزية وكأننا في استعراض عسكري وليس في مواجهة ابشع تنظيم إرهابي عرفه التأريخ، فهم يتحدثون عن جداول زمنية مخجلة لا تتلاءم والقدرات العسكرية الهائلة لهذه الدول المشاركة في التحالف، والإرهاب يستخف كل يوم بالتحالف الدولي ويرد على عملياته الجوية بالمزيد من التدمير للمواقع التأريخية والحضارية للعراق ومزيد من الضحايا العراقيين وحملات الإرهاب الدموي المنظم".

واضاف أن التحالف يستطيع أن يقدم المزيد من الدعم العسكري والاستخباري واللوجستي للعراق و يستطيع أن يزيد من فاعلية عملياته وضرباته الجوية ويدمر البنية العسكرية لداعش في اكثر من مكان، ولذلك فإن المقاتلين العراقيين بدأوا يأخذون المزيد من الأدوار ويمتلكون زمام المبادرة لأنهم ادركوا أن عليهم خوض معركتهم المصيرية معتمدين على امكانياتهم الذاتية وإرادة أبنائهم بشكل أساسي.

إيران إلى جانب العراقيين

وعن الدور الايراني في معارك العراق ضد "داعش"، اشار الحكيم& الى أن هناك من ينظر بعين الريبة والشك لهذا الدور.

وقال: "لكن من وجهة نظرنا، فإن الجمهورية الإسلامية كانت اول من استجاب لطلب المساعدة الذي اطلقه العراق وعلى جميع الجبهات، ابتداءً من حزام بغداد والى حدود أربيل ومن دون شروط أو تحفظات سياسية، وفي الحروب فإن تقييم الموقف يعتمد على سرعة الاستجابة لطلبات المساعدة، ولم تنتظر الجمهورية الإسلامية أن ينفذ الإرهاب جرائمه كي ترسل مساعداتها، وانما استشعرت خطورة الموقف منذ اللحظات الأولى".

وأضاف ان "داعش" الإرهابي يشن حملته بأهداف معلنة وأخرى خفية ومن الأهداف المعلنة هي تكفير الشيعة وابادتهم وايران تدرك انها ستكون الهدف التالي لهذا الإرهاب، اذا انهارت الاسوار العراقية لا سامح الله فهي اليوم تقاتل الإرهاب في الخطوط الامامية لأنها تدرك انها هدف مباشر للإرهاب عن طريق البوابة العراقية، وفي هذا الظرف فإن من المنطقي والطبيعي أن يكون لإيران دور فعال بهذه الحرب لأنها حربها المباشرة مع الارهاب، كما هي حرب العراقيين وكذلك هي حرب المنطقة والعالم ككل، ولكن للأسف البعض في منطقتنا لا يشعر بالخطر حتى يطرق بابه بصورة مباشرة ولا يتعامل مع الإرهاب بجدية حتى يضرب مدنه ويقتل أبناءه وايران ليست من هذا النوع".

وقال "اننا نخوض معركة مصيرية ولسنا في نزاع مسلح محدود وسنقيم علاقاتنا المستقبلية مع الجميع من خلال موقفهم معنا في هذه الحرب المصيرية وكل من يدّعي الاهتمام بمصير العراق وحياة العراقيين عليه ان يثبت ذلك من خلال دعمه الواضح والمباشر والفعال للعراق والعراقيين في هذه الحرب التي يخوضها العراقيون دفاعًا عن انفسهم ونيابة عن دول المنطقة والعالم".
&&
وشدد الحكيم على أن الجمهورية الإسلامية وقفت كثيرًا مع العراقيين بالأمس البعيد والقريب وتقف اليوم أيضا وبكافة امكانياتها ومن يسأل عن الدور الإيراني في الحرب على الإرهاب عليه أن يقيم دور الآخرين الذين يصل بعضهم الى حد التآمر على العراق وشعبه.

ودعا من أسماهم بالخيرين المستعدين لمساندة العراق في مواجهة الارهاب الداعشي للتعاون المشترك في هذه المواجهة وتشكيل جبهة اقليمية واسعة للقضاء على الفكر والسلوك المتطرف بعيداً عن الحساسيات المذهبية وبما يعزز الامن والاستقرار في المنطقة".

وفي محور آخر، قال السيد عمار الحكيم "أننا نتلمس بوادر اتفاق وشيك بين ايران والقوى الغربية بخصوص الملف النووي ونحن نرحب بأي اتفاق يعزز الثقة ويحفظ الحقوق للجميع ويجنب المنطقة المزيد من التوتر، فالاتفاق الإيراني الغربي اذا ما تحقق سيكون عاملاً إضافياً في تدعيم الجبهة المضادة للإرهاب وسيكون خطوة مهمة للأمام، إن الجمهورية الإسلامية التزمت امام العالم بسلمية مشروعها النووي ورفض انتاج واستخدام الأسلحة النووية وعلى العالم عمومًا والغرب خصوصًا ان يحترم هذا التعهد ويتعامل معه بثقة وحسن نية".

واضاف أن "الاحداث التي نعيشها والتجارب القاسية التي نخوضها تخبرنا أن الإرهاب التكفيري الدموي الأسود لهو أخطر من السلاح النووي وتأثيراته المدمرة لأن الإرهاب يدمر العقول مثلما يدمر الآثار والمدن ويقتل الأبرياء، ان المغامرة بإضاعة هذه الفرصة الكبيرة ستفتح الباب امام الكثير من المخاطر والاحتمالات السيئة، ونأمل أن نرى اتفاقًا شاملاً وعادلاً في المستقبل القريب".

المصالحة الوطنية

وفي محور المصالحة الوطنية، قال عمار الحكيم: "نرى أن الواقعية والمصارحة الذاتية من اهم عوامل النجاح والاستقرار حيث ان المصارحة وإن كانت مؤلمة في بعض الأحيان وجارحة في أحيان أخرى الا انها الطريق الوحيد للوصول الى نتائج حقيقية ومُرضية للمشكلات التي نواجهها .. وهنا نسأل انفسنا هل نحن كعراقيين بحاجة الى مصالحة وطنية ؟.. الجواب من وجهة نظرنا هو: نعم نحتاج الى مصالحة حقيقية وعلى مختلف الأصعدة ولا خيار لنا سواها، فقد تركت الاحداث تأثيراتها على المجتمع العراقي، كما خلّفت المتغيرات الكبيرة والمتسارعة في العراق الكثير من الجروح في اكثر من موقع ونحن بحاجة الى تضميد ومعالجة سريعة وعملية لهذه الجروح".

واشار الى أن المجتمع العراقي تعرض الى ضغوط لم يتعرض لها أي شعب في المنطقة، ولكن هذه الضغوط وعلى الرغم من قساوتها لم تنجح في كسر البنيان الرئيس لهذا المجتمع، وإن عرّضته لضرر كبير ولكنه لم ينكسر أو ينهار، ولهذا فنحن بحاجة الى مصالحة وطنية حقيقية شاملة وعميقة تُبنى على سلة شاملة ومتكاملة من الحلول الأمنية والسياسية والمجتمعية والتنموية.

وقال: "نحتاج الى مصالحة من اجل العراق وليس مصالحة على حسابه وان نحدد على ماذا نتصالح وتحت أي سقف نتصالح& ومع من نتصالح وبأي ضمانات نتصالح ؟ وهذه اسئلة جوهرية ستحدد مسارات المصالحة وخارطة الطريق فيها، ونقولها وبأسف شديد إن بعض محاولات المصالحة السابقة حكمتها المزاجية والنرجسية في التعامل مع هذا الملف الحساس والشائك، وأيضا حكمتها المصلحة والحاجة الآنية واللحظية لهذا الطرف أو ذاك، ومتى ما حددنا المفهوم ووضعنا الرؤية وآمنا بمشروع العراق الواحد الموحد فإننا نستطيع أن ننطلق بالمصالحة الحقيقية الانطلاقة الصحيحة ونرى نتائجها الفعالة على مساحة المجتمع العراقي".