رغم شن الجيش المصري عملياته العسكرية في منتصف العام 2012، ضد الجماعات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، ورغم إطلاق العديد من القادة السياسيين تصريحات تفيد بأنه سيتم القضاء على الإرهاب خلال شهور، بل وأيام، إلا أن الهجمات الإرهابية ضد المواقع العسكرية والشرطية، مازالت مستمرة بالوتيرة والقوة نفسها.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: ما يطرح العديد من التساؤلات، حول أسباب إستمرار الهجمات الإرهابية، التي أوقعت المئات من الضحايا من العسكريين والمدنيين، برغم إخلاء الشريط الحدود من المدنيين، وإعلان الجيش من وقت إلى آخر عن تصفية بعض العناصر الإرهابية.

سياسة النفس الطويل
ويرى خبراء عسكريون وآخرون متخصصون في شؤون الجماعات التكفيرية، أن هناك أربعة أسباب رئيسة تقف وراء إستمرار الهجمات الإرهابية في سيناء، أولها: الدعم الخارجي وتدفق المال والسلاح على المجموعات التكفيرية، وثانيها: وجود حاضنة شعبية في بعض المناطق للعناصر الإرهابية، وثالثها: غياب التنمية في سيناء، ورابعها: انضمام عسكريين سابقين إلى العناصر الإرهابية، فضلًا عن أن الحرب على الإرهاب تتكلف نفسًا طويلًا، ولا يمكن أن تنتهي بين ليلة وضحاها.

أثار إستمرار العمليات الإرهابية في سيناء بقوة، وسقوط العديد من الضحايا من قوات الجيش والشرطة والمدنيين، الكثير من الغضب في أوساط المصريين، وطرح تساؤلات حول أسباب عدم القضاء على الجماعات الإرهابية، رغم بدء الجيش عمليات العسكرية في منتصف العام 2012، مع بداية حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وإستمرارها حتى الآن.

ووفقًا لمدير إدارة مكافحة الإرهاب والتجسس الدولي في المخابرات الحربية سابقًا، اللواء فؤاد حسين، فإن مرسي نفسه أحد أخطر أسباب قوة الجماعات الإرهابية في سيناء. وأوضح لـ"إيلاف" أن العام الذي حكمت فيه جماعات الإخوان المسلمين مصر، ساهمت في تدفق الإرهابيين من مختلف أنحاء مصر ودول العالم إلى سيناء، حتى تحولت إلى بؤرة، مشيرًا إلى أنه خلال هذه الفترة أيضًا تدفقت فيها مختلف الأسلحة إلى مصر من ليبيا، وشهدت حفر أكبر عدد من الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، وصارت هناك بنية تحتية للإرهابيين.

عوائق مرسي
وأضاف أن مرسي كبّل أيدي قوات الجيش والشرطة عن مطاردة الإرهابيين، وكان يحظر على القوات قتل أية عناصر إرهابية، ويشترط عليهم القبض عليهم أحياء، متسائلًا: كيف يحدث ذلك في ظل تكفير الإرهابيين للجيش والشرطة، وإطلاق النار عليهم وقتلهم بمختلف الوسائل.

ونبه إلى أن تصريح مرسي الشهير الذي قال فيه أثناء اختطاف 17 جنديًا، إنه أصدر توجيهات بضرورة "الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين"، يعد دليلًا قويًا على دعم مرسي وجماعته للإرهاب.

ولفت إلى أن إنضمام بعض العسكريين السابقين إلى صفوف الجماعات الإرهابية يساهم في تقوية شوكتها، وضرب مثالًا بالضابط السابق في الجيش المصري عبد العزيز الجمل. وأوضح أنه شخصيًا ألقى القبض على الجمل بتهمة إنشاء تنظيم يعمل ضد نظام الحكم، مشيرًا إلى أن الجمل عوقب بالسجن، ثم هرب إلى أفغانستان، وعمل مستشارًا عسكريًا لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل.

ونبّه إلى أن الجمل عاد إلى مصر بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وعمل مستشارًا لمرسي، وأرسله للتفاوض مع الجماعات الإرهابية في سيناء، ورغم سقوط حكم مرسي، إلا أن الجمل لم يقبض عليه، ومازال مختفيًا، مرجحًا أن يكون وراء العمليات الإرهابية في سيناء.

دعم خارجي
لا تعمل الجماعات الإرهابية المتناثرة في جبال سيناء وحدها، بل تحظى بدعم خارجي سواء استخباراتي أو دعم بالمال أو السلاح، وقال محافظ شمال سيناء السابق، اللواء علي حفظي، إن الجماعات الإرهابية تعمل في إطار منظومة تقودها دول خارجية بهدف تدمير الجيش المصري وإسقاط الدولة، مشيرًا إلى أن قوات الأمن والجيش قضوا على الجماعات الإرهابية خلال التسعنيات، لأنها لم تكن تحظى بالدعم الضخم، الذي تحظى به الجماعات الحالية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الأسلحة التي تمتلكها الجماعات المسلحة، والخطط التي تعمل وفقًا لها، تؤشر إلى أنها تحظى بدعم استخباراتي كبير، لافتًا إلى أن إسرائيل لديها مصلحة في إنهاك الجيش المصري في حرب طويلة مع الجماعات الإرهابية، إضافة إلى حركة حماس، ودول أخرى، منها من بينها دول عربية.

ونبه إلى أن الجماعات الإرهابية تستخدم شبكات إتصالات متطورة، وتستخدم شبكات اتصالات إسرائيلية، ويصعب على السلطات في مصر تعقبها، لافتًا إلى أن الحرب على الإرهاب تتطلب نفسًا طويلًا، لأنها تدخل في نطاق حرب الشوارع، التي لا يمكن للجيوش النظامية الإنتصار فيها بسرعة. وأفاد بأن الجيش المصري أنشأ وحدات متخصصة في مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى أن إستمرار العمليات الإرهابية لا يعني فشل الجيش المصري في مواجهة الجماعات الإرهابية.

الجبال حصنًا
وأضاف أن الجيش حقق نتائج مبهرة في مواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء، وقضى على غالبية عناصرها، وحرمها من الحاضنة الشعبية، ولفت إلى أن تلك الجماعات كانت تخرج في مواكب كبيرة لإستعراض القوة في مدينتي العريش والشيخ زويد أثناء حكم مرسي، وكان لديها شبه سيطرة على شمال سيناء. وذكر أن هذه الجماعات لا تجد لها أي موضع قدم إلا في الجبال، وترتكب عملياتها ليلًا، ولا تستطيع الظهور في استعراضات للقوة كما كان يحدث في السابق.

وأشار إلى أن غياب التنمية عن سيناء يعتبر أن أخطر أسباب عدم القضاء على الإرهاب، منوهًا بأن التنمية واستصلاح الأراضي، وإقامة المشروعات الصناعية، والتواجد البشري الكثيف سوف يساهم في القضاء على الإرهاب، مشددًا على ضرورة أن تستمر الحرب على الإرهاب بالتوازي مع عمليات التنمية الشاملة.

وحسب وجهة نظر، الخبير في شؤون الجماعات التكفيرية، الشيخ نبيل نعيم، فإن الجماعات الإرهابية في مصر والمنطقة تعمل ضمن خطة دولية لتدمير الجيوش العربية وتفتيت الدول وإعادة تقسيمها على أسس طائفية ومذهبية. وقال لـ"إيلاف" إن الجماعات الإرهابية في سيناء تحظى بدعم يقدر بمئات الملايين من الدولارات، مشيرًا إلى أن هذه الجماعات تشتري أسلحة متطورة وأجهزة رؤية واتصالات، عبر شركات أسلحة دولية. ونبه إلى أن جماعة الإخوان توفر دعمًا سياسيًا وماديًا ضخمًا للجماعات الإرهابية، من أجل تنفيذ المخطط الأميركي في المنطقة، حتى تظل دولة إسرائيل هي الوحيدة القائمة.

حروب بالوكالة
ونبه إلى أن هذه الجماعات تعمل وفق خطة تعرف باسم "حروب الجيل الرابع"، التي وضعتها أميركا لتدمير الدول العربية، باستخدام هذه الجماعات، التي تخوض حربًا بالوكالة ضد دولها وشعوبها، لمصلحة أميركا، التي لم تعد في حاجة إلى غزو الدول بريًا، كما حصل في العراق، ولم تعد في حاجة إلى إطلاق طلقة رصاص واحدة.

ووفقًا لتقرير حقوقي، فإن مصر شهدت 1461 حادث عنف وإرهاب سياسي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بمتوسط 16 حادث يوميًا، وحادثتين كل ثلاث ساعات. وقال التقرير الصادر من مؤشر الديمقراطية، إن شهر كانون الثاني/يناير احتل صدارة خريطة العنف والإرهاب السياسي في مصر، خلال الربع الأول من العام الحالي 2015، وشهد 664 حادث، بينما شهد شهر شباط/فبراير 419 حادث، وفي المرتبة الثالثة يأتي آذار/مارس الذي شهد 378 حادثًا.

وأضاف التقرير أن التفخيخ وزراعة المتفجرات في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة، يحتل المركز الأول في وسائل العنف، بمعدل 821 حادث، منهم 535 قنبلة تم إبطالها، و 286 تفجير نتاج عبوة ناسفة أو قنبلة صوتية، وهو ما يجعل تلك الأحداث تتصدر مظاهر العنف والإرهاب السياسي بنسبة 56.2%.

تولد الثأر
وأوضح أن مظاهر العنف أصابت 25 محافظة، مشيرًا إلى أن القاهرة جاءت في المرتبة الأولى بـ 177 حادث. ولفت إلى أن محافظة شمال سيناء تحتل المرتبة الثانية بـ 156 حادث. وجاءت محافظة الجيزة في المركز الثالث بـ 153 حادثة، تلتها الإسكندرية بـ 137 حادث، ثم الشرقية بـ 123 حادثًا، وانتشرت فيها تفجيرات محولات الكهرباء واستهداف عناصر الشرطة، تليها محافظة الفيوم بـ 111 حادثة. وتعتبر محافظة الوادي الجديد أقل المحافظات في استهداف الإرهاب لها، لاسيما أنها شهدت حادثًا واحدًا، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.

ولفت التقرير إلى أن أحداث العنف والإرهاب السياسي تسببت في وفاة 174 مواطنًا، وإصابة أكثر من 600 مواطن آخر. وحذر التقرير من أن تلك الخسائر البشرية تولد المزيد من الخسائر لآلاف الأسر والعائلات المصرية، معتبرًا أنها تساهم في تفشي العنف والإرهاب في الدولة نتيجة حالات الغضب والثأر والاحتقان التي تعانيها أسر الضحايا والمصابين.