كظم الأكراد والأتراك غيظهم ثلاثة أعوام تقريبًا، لكن الخريطة الانتخابية على أبواب الانتخابات التشريعية أعادت التوتر إلى الجبهة التركية – الكردية، وتنذر بما هو أعظم.

بيروت: بعد المبادرات التركية الكردية المتبادلة اخيرًا، ظن العالم أن هذه الأزمة الطويلة، التي أودت منذ العام 1984 بحياة نحو 40 ألفًا من الطرفين قد وصلت إلى خواتيمها الحميدة. فأتت اشتباكات 11 نيسان (أبريل) بين الأتراك وأكراد حزب العمال في آغري لتخيب الآمال، رغم أن الطرفين كانا يعلمان أن الجمر ما زال مشتعلا تحت الرماد. وهذا ما طرح تساؤلات جدية حول إمكانية استعادة الهدوء على الجبهة التركية – الكردية قبل انتخابات تشريعية يريدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منعطفًا تاريخيًا في مسيرة النظام التركي.
&
أحداث آغري
في ذلك اليوم، أعلنت رئاسة الأركان التركية عن إصابة 4 جنود أتراك في تبادل لإطلاق النار مع إرهابيين في بلدة ديادين بولاية أغري شرقي تركيا. وقال بيان الأركان: "حصلت السلطات على معلومات مفادها أن منتسبي منظمة إرهابية انفصالية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني) كانوا يستعدون للضغط على المواطنين، كي يمنحوا أصواتهم لمرشحين تدعمهم المنظمة في الانتخابات المقررة في حزيران (يونيو) المقبل، من خلال الدعاية لها عن طريق فعالية أسموها (احتفال الربيع) كان من المقرر تنظيمها في قرية يوكاري توتَك".
سقط 5 أكراد في مواجهات وصفت بالعنيفة، عكست مقدار الحقد المكتوم من الجانبين. فلا الجيش التركي غير نظرته إلى الأكراد، الذين يسعون برأيه إلى بناء كيانهم الانفصالي على أنقاض دولة أتاتورك، ولا الأكراد اقتنعوا بأن شيئًا تغير في علاقتهم بالدولة التركية، وخصوصًا بالجيش التركي، منذ أن بدأت عملية "تسالم" ضعيفة وبطيئة بين الجانبين في العام 2012.
&
الغيظ المكتوم
كان كل شيء مكتومًا حتى أتت الانتخابات، التي يخوضها لأول مرة حزب الشعوب الديمقراطية، برئاسة صلاح دميرطاش، منفردًا. حينها شحب لون الدفاع الذي قاده أردوغان عن تسويته التاريخية مع الزعيم الكردي السجين عبدالله أوجلان. فهذا الحزب هو المتهم بالتسبب بالاشتباكات، متعاونًا تحت الطاولة مع مسلحي حزب العمال لتجيير الأصوات لصالحه، خصوصًا أنه قدر في الآونة الأخيرة أن يرسم صورة إيجابية له ولقضية الأكراد، فجذب أصوات اليساريين والمستقلين الأتراك، وأصوات الأقليتين العلوية والأرمنية. وهكذا، يمكنه أن يمني نفسه بالجلوس في مقد برلماني مستقل، لأول مرة في تاريخه، وأن يتدلل برلمانيًا بوضع العصي في دواليب حزب العدالة والتنمية الأردوغاني، ويمنعه من الحصول على أغلبية برلمانية تيسرت له من قبل.
فدخوله البرلمان سيحرم الحكومة 50 مقعدًا كانت تنالها بسبب بقاء الحزب الكردي خارج البرلمان، لعدم نيله نسبة 10 بالمئة من أصوات الناخبين، أي العتبة البرلمانية المنصوص عليها في الدستور التي يُصرّ حزب العدالة والتنمية على إبقائها، لنها كانت تؤمّن له مقاعد في البرلمان أكثر من نسبة الأصوات التي ينالها من الناخبين.
&
الكوابيس
حين أعلن دميرطاش برنامج حزبه الانتخابي، قال إن برنامجه سيشكّل كابوسًا للسلطان أردوغان، متوعدًا بكوابيس كثيرة إذا دخل حزبه البرلمان، علمًا أنه يتمتع بشعبية تصل إلى 12 بالمئة من أصوات الناخبين. واردف قائلًا: "لا يمكننا بناء تركيا جديدة إلا من خلال تحوّل جذري".
وبرنامج الحزب مختلف عن برامج الأحزاب الأخرى، إذ يعطي خصوصية للمرأة تمثّلت بوجود رئيس مشارك للحزب هي فيغان يوكسيك دار، التي تعهدت تشكيل وزارة خاصة بالمرأة لتحفيز عمل النساء وتوظيفهنّ في الدوائر الحكومية، واصفة برنامج حزبها الانتخابي &بأنه يمثّل آمال كل شعوب تركيا وقناعاتها. وقالت: "في دستورنا، لا نظام رئاسي".
هذا يقض مضجع أردوغان، إلى جانب إصرار الأكراد على استغلال العمل السياسي من أجل حشد الرأي العام الدولي مع القضية الكردية، مستغلين انفتاحًا غربيًا على أكراد سوريا خلال وبعد أزمة كوباني، والحرب الضروس التي شنها عليها تنظيم الدولة الاسلامية بلا طائل، خصوصًا بعد انكشاف اجتماعات انعقدت وراء أبواب مغلقة، وضمت ممثلين عن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ومسؤولين أميركيين وأوروبيين.

عودة التوتر
وهكذا، يعود التوتر ليهيمن على العلاقات التركية الكردية، وdنسد الأفق أمام أي تسوية ممكنة للأزمة، خصوصًا أن الجيش التركي انتهز فرصة "آغري" الأمنية ليعود ثانية إلى فرض حظر التجوال ونشر الوحدات في ديار بكر ذات الغالبية الكردية، وخصوصًا أيضًا أن الأكراد، وبينهم أنصار ومسلحو حزب العمال الكردستاني، ما التزموا بنداء التهدئة العاجل الذي اذاعه أوجلان، ما يهز خريطة التوازنات السياسية المؤثرة في انتخابات حزيران (يونيو) التشريعية.
بعض أصول هذا التوتر سياسية، فهذا الحزب كردي، لكن الأكراد يمثّلون ثلثَي كوادره فقط، لذا اتجه برنامج الانتخابي اتجاهًا تركيًا، فتجنب الحديث عن القضية الكردية، وتعهد بتركيا جديدة لامركزية، وبحق التعليم باللغة الأم لكل القوميات، والمصالحة مع كل الأقليات، والتطبيع مع أرمينيا، ملبيًا طلبات كردية وأرمنية قديمة. ومن هذا المنطلق، يتهم أردوغان حزب الشعوب الديموقراطية بدعم الإرهاب وإثارة النعرات العرقية.
&