وضع سقوط مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار في غرب العراق تحت سيطرة تنظيم "داعش" ورقة جديدة بيد خصوم رئيس الوزراء حيدر العبادي من داخل البيت الشيعي.

إعداد عبد الاله مجيد: قال أحمد علي، المحلل في "مركز التربية من أجل السلام في العراق" ومقره في واشنطن، إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لا يواجه تحديًا قويًا من السنة العراقيين أو الكرد العراقيين فقط، بل من الطرف الشيعي نفسه".

اتهامات داخلية

ودأب خصوم العبادي داخل البيت الشيعي على إتهامه منذ أشهر بالمغالاة في الحرص على العمل مع السنة، بدلًا من تقوية الميليشيات الشيعية وترسيخ هيمنة الأحزاب الشيعية على السلطة.

وكان العبادي حاول تحسين العلاقات مع السنة بالسعي إلى تسليح عشائر سنية ضد داعش ومع الكرد بالتوصل إلى اتفاق على تقاسم عائدات النفط. لكن مراقبين يلاحظون أن قادة شيعة متنفذين لهم ارتباطات ايرانية، بينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقفوا له بالمرصاد. والآن، قدم لهم سقوط الرمادي ذخيرة جديدة لاستخدامها ضده.

ويلجأ خصوم العبادي من داخل البيت الشيعي إلى أساليب مختلفة لاجهاض سياسته "الجامعة"، بما في ذلك استخدام منافذ اعلامية يسيطرون عليها لاستهداف رئيس الوزراء من خلال تغطية مشوهة تسلط الضوء على الانتكاسات الأمنية في الانبار.

ومن الأمثلة على ذلك ما بثته قناة "آفاق" التلفزيونية، التي يديرها حلفاء المالكي، عن اعدام 140 جنديًا عراقيًا في الشهر الماضي في مجزرة ارتكبها داعش في الانبار على ما يُفترض بهدف تحريض الرأي العام على العبادي. لكن دبلوماسيين غربيين ومسؤولين عسكريين عراقيين يؤكدون أن ما بثته القناة ملفق، حتى داعش نفسه لم يعلن مسؤوليته عن اعدام هذا العدد من الجنود في الانبار.
&
المالكي المحرّض

قال محللون إن عملية التلفيق، رغم فضحها، أسهمت في إضعاف موقف العبادي حتى أن دعوات أُطلقت إلى استقالته. وبلغ غضب العبادي من هذه الأساليب حدًا دفعه إلى تحدي خصومه تحت قبة البرلمان أن يعزلوه إذا أمكنهم ذلك.

وقال دبلوماسي في بغداد تربطه علاقات وثيقة بالايرانيين لصحيفة نيويورك تايمز طالبا عدم كشف اسمه: "ايران تستخدم المالكي ضد العبادي، فالايرانيون يريدون العبادي ضعيفًا". وقال مسؤول قريب من العبادي إن النكتة المتداولة بين افراد الحلقة الضيقة لرئيس الوزراء انه "حتى إذا تعاركت سمكتان في النهر فان المالكي هو الذي حرضهما".

ومن اكبر التحديات التي تواجه العبادي تنامي سطوة الميليشيات الشيعية المنضوية في قوات الحشد الشعبي، مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله المعروفة كلها بارتباطاتها الايرانية، تدريبًا وتسليحًا وتمويلا. وتبدت خطورة هذا التحدي في آذار (مارس) الماضي مع بداية العملية العسكرية لاستعادة تكريت. فإن قادة الميليشيات أعدوا الخطط العسكرية للعملية ومن ثم ابلغوا العبادي بتنفيذها.

قدرات محدودة

يتكرر الأمر نفسه الآن بعد سقوط الرمادي ودعوة ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية للمشاركة في استعادة المدينة. وراجت على مواقع التواصل الاجتماعي الاثنين صور يظهر فيها هادي العامري قائد ميليشيا منظمة بدر وهو يدرس خريطة كأنه يعد حملة عسكرية جديدة في محافظة الأنبار.

وكان الباحث العراقي فنر حداد كتب أن الحشد الشعبي في بدايته "وفر نقطة التفاف قوية لإحساس متجدد بالوطنية العراقية رغم البعد الشيعي المتميز في اطاره". وقال حداد في مقابلة معه لاحقًا: "لدى العبادي قدرة محدودة لاحتواء قوات الحشد الشعبي التي تعاظمت قوتها".

ومع تنامي سطوة الميليشيات الشيعية في قوات الحشد الشعبي تعاظم التأييد الذي يلقاه دور ايران بين الشيعة بعدما كان العراقيون عمومًا، بمن فيهم الشيعة، ينظرون بعين الريبة إلى إيران لأسباب مختلفة بينها حرب الثماني سنوات مع ايران إبان الثمانينات. وفي السنوات الأخيرة اصبح العراقيون يجمعون بين الشكوى والسخرية من رداءة المنتجات والبضائع الايرانية في السوق العراقية.

شخصية جامعة

الآن، كما يقول الموظف علي كريم سلمان من جنوب العراق، "يعتقد الشيعة بأن ايران حامية الطائفة الشيعية". ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن النائبة حنان الفتلاوي، وهي من أشد خصوم العبادي وأعلاهم صوتا، قولها: "في السابق كان بمقدورك تقسيم الشيعة إلى طرفين، اولئك الذين يكرهون ايران واولئك الذين يحبونها. ولكن بعد دخول داعش ومع الوضع الذي نحن فيه فان كثيرين يشعرون بالامتنان إلى ايران، ويغيّرون رأيهم".

وعن الميليشيات الشيعية قالت الفتلاوي "لولاها لما كانت هناك بغداد". وأشارت الفتلاي إلى السياسة الجامعة التي انتهجها العبادي بمعنى إشراك ممثلي السنة والكرد في الحكومة وعملية صنع القرار مشاركة حقيقية. وفي هذا الشأن قالت الفتلاوي "ان عبارة "شخصية جامعة" لا أسمعها إلا من الأجانب. فهو كان ضعيفا من البداية".