لطالما يقال إن مجتمعًا ترتفع فيه نسبة البطالة هو البيئة الحاضنة المثلى للتطرف، لكنّ ثمة نماذج كثيرة تعارض هذه الفرضية.


حيّان الهاجري من الرياض: تقول ميشال دان، الباحثة في مؤسسة كارنيغي، إنه ليست هناك مساحة للشباب الذين يقعون تحت الكثير من الضغوط، لأنّ تنظيم الدولة الاسلامة (داعش) يعبث بأذهان الجميع. هكذا أخبرها مثقف مصري، وهو ما وجدته تعليقًا صادمًا من شاب علماني مثقف من أسرة ثرية.

هذه واحدة من روايات كثيرة، بحسب دان، عن أسباب انضمام الشباب من مصر وتونس ودول متوسطية أخرى إلى الحركات "الجهادية"، روايات تسلط الضوء على شعور بالظلم المتعلق بالمظالم الشخصية أو السياسية، مع شعور باغتراب عميق داخل مجتمعاتهم.
&
وعي البطالة

تقول دان إن إيمان الطريقي، وهي محامية تمثل العديد من "الجهاديين" العائدين إلى تونس، تقول: "في سوريا، يُقال لهم إنهم سيحصلون على منازل وزوجات. إنّهم يشعرون بالغربة داخل المجتمع لدرجة أن بعضهم يختار هذا الخيار من دون تردد، كما يلعب الشعور بقيمة تحقيق الهدف دورًا هامًا في صياغة القرارات، إذ قال شاب من حي فقير في المدينة إنه يفضل الموت شهيدًا في سوريا بدلًا من أن يجلس ليشرب البيرة في تونس".

وبحسب الباحثة في كارنيغي، البطالة عامل فعال في اغتراب الشباب، ويتم تناولها كثيرًا في الحوارات حول التطرف. ففي ظل انعدام فرص العمل، ينجذب الشباب بسهولة نحو وعود العمل والمكانة الاجتماعية، خصوصًا أن البطالة في الشرق الأوسط وصلت نسبًا& هي الأعلى في العالم، إذ تتراوح بين 25 و60 في المئة، وفقًا لتقرير أخير صدر عن مؤسسة التعليم من أجل العمل.

ويواكب هذه البطالة وعي مزيد بهذه البطالة. ففي دراسة تناولت مواطنين شرق أوسطيين تتراوح أعمارهم بين 18-35 سنة، قال 80% منهم إنّ البطالة قضية كبرى، ووصلت النسبة أكثر من 90% في مصر وتونس والمغرب والأردن ولبنان وسوريا.

وبحسب دان، ما يفاقم المشكلة هو أن ذوي التعليم الجامعي أكثر عرضة للبطالة ممن هم أقل تعليمًا، إذ يظلون عالقين في فترة طويلة من الانتظار. ولاحظ المراقبون& أن المتمردين ليسوا الأعضاء الأكثر حرمانًا في المجتمع، لكنّ الذين تفشل توقعاتهم بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
&
خيبات الأمل

لكن بطالة شباب الشرق الأوسط لم ترتقِ بعد لتكون تفسيرًا للتطرف في ظل قصص كثيرين تركوا عملهم وإنجازاتهم وزوجاتهم وأطفالهم لينضموا إلى المجموعات "الجهادية".

تورد دان حالة أحمد الدراوي نموذجًا: "إنه شاب مصري في الثامنة والثلاثين من العمر، من أسرة ثرية، تعلم وصار ضابط شرطة، كان مفعمًا بأمل الاصلاح، وخاب أمله في الشرطة، فبدأ حياة مهنية ناجحة في الاتصالات، وانضم إلى ثورة 25 يناير ناشطًا علمانيًا في صفوفها، ثم ترشح للبرلمان، لكن يئس من إمكان حدوث أي تغيير حقيقي في ظل تناحر العلمانيين والإسلاميين في العام 2013".

تضيف: "غادر الدراوي إلى سوريا حيث قُتل في ايار (مايو) 2014، وهو يقاتل في صفوف داعش. وقصة الدراوي قصة توقعات كبيرة وخيبات أمل متتالية نهايتها المحتومة هي اليأس. وقال لي أحد النشطاء: كانت لدينا طموحات كبيرة، وعندما لم تتحقق، كانت خيبة الأمل بقدر الطموحات نفسها".

وبحسب باحثة كارنيغي، قصة الدراوي تصوير لنوع مغاير من العلاقة بين البطالة والتطرف، فكلاهما متعلق بنفس التوقعات المُحبطة. إن عدم التطابق بين مهارات يطلبها أصحاب العمل وشهادات تقدمها الجامعات في المنطقة مسألة خطيرة، فعندما يمتلك الشاب مهارة ودافعًا، يجد نفسه بلا علاقات شخصية لازمة للحصول على وظائف جيدة.

إنها مهمة القطاع الخاص، إذ عليه نظريًا الاستثمار في التعليم لإعداد قوى عاملة تجد عملًا. فقد نشرت مؤسسة التعليم من أجل العمل تقارير تفيد بأن الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت معادية لمؤسسات القطاع الخاص، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بأصحاب المشاريع الفردية والشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا صلة لها بالحكومة، وهي القادرة على توفير فرص عمل للشباب للدخول في سوق العمل.
&
جيل رافض

تقول دان: "لنتجاوز حججًا متكررة حول بطالة الشباب والتطرف، ينبغي النظر إليهما كظاهرتين تمتد جذورهما في مشكلة واحدة، تتلخص في الآتي: لا يريد العديد من الحكومات ومن النخب الحاكمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توفير مساحة لجيل صاعد يتوق لتنفيذ تغييرات جذرية اقتصادية وسياسية واجتماعية، بقيادة الحركات الاجتماعية والمجتمع المدني والأحزاب السياسية".

إنها الجاذبية القاتلة التي يتحلى بها داعش، التي تتوازى مع جاذبية أخرى تتمثل في انتفاضات الكرامة والحرية التي اندلعت في العام 2011، وهما وجهان لعملة واحدة، لجيل شاب يرفض نظامًا اقتصاديًا وسياسيًا بناه الآباء أو توافقوا على وجوده.

وتختم دان بحثها بالقول: "قال لي مدون مصري أخيرًا إنّه أحس بوجود أجندة انتقامية ضد جيل كامل من الشباب في مصر، لا سيما الشرطة، بسبب دور الشباب في ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011. وصراع الأجيال هذا بات جليًا في الشرق الأوسط، ويشكّل عقبة رئيسة أمام تحول زيادة عدد الشباب في المنطقة إلى ميزة ديمغرافية، بدلًا من أن تكون مسؤولية أمنية".