تسعى إيران إلى أن تخص بشار الأسد بدويلة علوية لها امتداد شيعي في الداخل اللبناني، فهل ينجو لبنان من نوايا طهران التقسيمية؟ سؤال يبحث عن جواب بين الوهم والمبالغة.


مروان شلالا من بيروت: أشارت مصادر دبلوماسية أوروبيةإلى وجود توجّه لإحداث تغييرات كبيرة في قيادة قوات النظام وأجهزة الأسد الأمنية، مرجّحة وجود اتفاق روسي إيراني مع الأسد على إحداث تغييرات كبيرة، تطال مراتب عسكرية وأمنية عالية.

التغييرات السورية

وقالت هذه المصادر لوكالة آكي الإيطالية للأنباء إن المعلومات المسرّبة تشير إلى أن النظام السوري على وشك إجراء تغييرات كبيرة خلال الأيام المقبلة على أعلى مراتب العسكر والأمن، بناء على هذا الاتفاق.

ورجّحت الوكالة الإيطالية أن يتم استبعاد عدد من كبار قادة الأمن والجيش، مؤكدة أن التغيير قد يطال وزير دفاع النظام فهد جاسم الفريج، ورئيس شعبة المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن، ورئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك، فيما قالت إن العميد حافظ مخلوف، ابن خال الأسد الذي سبق أن تم استبعاده لخلافات داخل أسرة الأسد، سيعود لاستلام منصب أمني مهم.

وربطت هذه المصادر بين هذه المعلومات، وبين تصريحات أدلى بها علي أكبر ولايتي، رئيس مركز الأبحاث الإستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، خلال استقباله في طهران الثلاثاء الماضي وزير داخلية نظام الأسد اللواء محمد الشعار، وقال فيها: "إن الأسبوع القادم سيشهد تطورًا مهمًا في العلاقات الإقليمية بين إيران وسوريا والعراق"، من دون تحديد طبيعة ذلك التطور.

الدويلة العلوية

إلى ذلك، قالت يومية "دايلي ستار" اللبنانية الناطقة بالانكليزية إن إيران تسعى إلأى تشكل دويلة علوية في سوريا،تتألف من العاصمة دمشق ومنطقة الساحل والمناطق ما بينهما، بما فيها حمص وحماه، لتحمي نظام الأسد ولتضمن وجود تواصل جغرافي مستدام مع المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان.

وبحسب الصحيفة، تظهر هذه الخطةالمعادلة للتقسيم استراتيجية إيران في الشرق الأوسط. ففي العراق وسوريا واليمن، استغل الإيرانيون الانقسام الطائفي، إذ علموا أن هذا هو السبيل الوحيد المتاح لهم لضمان اختراقهم لمجتمعات عربية ذات أغلبية سنية.

تضيف الصحيفة: "والمضحك في الأمر أن هذه كانت نية إسرائيل السيئة في السابق، أي نشر الفرقة في العالم العربي وتقسيمه إلى كيانات منهكة، وبذلك تتمكن من حكم كامل المنطقة بشكل أسهل. ففي العراق استغل الإيرانيون السياسيين العراقيين الذين يدعمونهم وميليشياتهم الشيعية لإعاقة تشكيل حرس وطني سني يواجه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما عمّق الخلاف الطائفي، وفي سوريا حرّض الإيرانيون على التطهير الطائفي في حمص والقلمون، وحثوا نظام الأسد على التخلي عن مناطق نائية ذات أغلبية سنية لم يعد النظام قادرًا على الدفاع عنها بسبب نقص موارده البشرية".

وتطرح الصحيفة علامة استفهام حول مصير حلب، "إذ يبدو أن النظام يريد البقاء في ثاني أكبر مدينة سورية لقيمتها الرمزية، لكن بحسب نوايا إيران، سيضطر الأسد للتخلي عن حلب لأنها تسبب استنزافًا غير ضروري للجيش السوري، وفي الواقع، وبحسب التوقعات، فإن قطع خطوط إمدادها عبر محافظة إدلب سيؤدي إلى سقوطها بأيدي الثوار قريبًا".

المسألة اللبنانية

وتطرح الصحيفة تساؤلًا إن كان التقسيم السوري سيترك تداعيات كبيرة على لبنان، تقول: "بالنسبة إلى بعض المراقبين، تقسيم سوريا قد يقود إلى ديناميكيات مشابهة له في لبنان، واندفاع إيران لتقسيم المجتمعات لتعزيز قوتها أو قوة وكلائها المحليين سيفضي إلى هذه النتيجة، لكنقد لا تكون الأمور واضحة جدًا في لبنان الذي أظهر مرونة ملحوظة خلال الأعوام الأربعة الماضية، رغم التداعيات الخطيرة للصراع السوري على سياساتهومجتمعهواقتصاده، وبقي موحدًا رغم الدلائل التي تشير إلى أنه مهيأللانهيار بسبب الحرب السورية المجاورة".

وترد الصحيفة ذلك إلى أن الوحدة في لبنان مختلفة عن الوحدة في سوريا والعراق، "فهناك قامت أنظمة قومية عربية على أنقاض مجتمعات مقسمة طائفيًا وعرقيًا. لكن هذه الأنظمة لم تشكل عقودًا اجتماعية اعترفت بهذه الانقسامات وراعتها، بل فرضت هوية عربية قسرية على الجميع، ما أخفى الشقوق العميقة في المجتمع. لبنان وحده في المنطقة الذي ميز انقساماته الطائفية وأقام اتفاقًايأخذها في الحسبان، وكان الميثاق الوطني 1943 بعيدًا عن المثالية، لكنه لم يكن مصطنعاً يزعم الوحدة في بلد يدعي أنه جزء من أمة عربية كبرى".

وبشكل متناقض، تقول الصحيفة، التفرق اللبناني قد يشكل تماسكًا ضد التصدع السوري، أي إن اندفاع الجماعات الطائفية المختلفة لتشكيل دويلاتها الخاصة يخفف منه على الأرجح واقع أن لبنان يشكل اتحادًا كونفدراليًا للطوائف، فالمجتمعات تدير شؤونها الخاصة بشكل مستقل، كما هناك تقسيم جغرافي واضح، "لذا فإن المناطق ذات التركز السني والشيعي، ومناطق الموارنة والدروز من السهل الإشارة إليها، حتى إن ضمت كلها أقليات نافلة من طوائف أخرى. وفي المناطق المدنية يسود التعايش الطائفيإلى حد أن العنف الطائفي قد يكون مدمرًامن دون أن يكون حاسمًا".

المبالغة الإيرانية

إلا أن الصحيفة تنصح بعدم الافراط في الثقة بالصيغة اللبنانية. فكي يتمكن لبنان من تحمل أعباء تقسيم سوريا، كما قاوم تقسيمه خلال حربه الأهلية، على المجتمع أن يؤكد تمسكه بمبادئ التعايش الطائفي، وأن يتجنب استخدام النظام السياسي وسيلة لتحقيق أجندات حزبية، فالانفصال في الدول المختلطة يقود دومًا لعنف أوسع نطاقًا بينما يحاول كل مجتمع اقتطاع منطقة صافية لنفسه.

وتنصح "دايلي ستار" حزب الله بالحذر، إذ خرق كل قواعد اللعبة الطائفية خلال العقد الماضي، فنفّر المجتمع السني بشكل لا يمكن ترميمه، وهو يعلم أن حربًا طائفية في لبنان ستدمر الجميع، وأن أي طموحلديه للسيطرة على البلاد ما هي إلا وهم".

تختم الصحيفة: "الرياح السورية ستعصف بلبنان، هذا مؤكد، لكن افتراض أن لبنان هو التالي على لائحة التقسيم مبالغة كبيرة".