عبدالاله مجيد: في غمرة الفوضى التي تعم سوريا ودخول النزاع طريقًا مسدوداً والهزائم التي يتكبدها بها جيش النظام في حرب تستنزف قواه البشرية وانكفائه الى مناطق يستطيع الدفاع عنها، كما يعتقد، أخذت سوريا تقترب بإطراد من التقسيم كأمر واقع.&

وكان جيش النظام حاول الإبقاء على وجود له في مناطق بعيدة، من دير الزور شرقاً الى حلب شمالا ودرعا جنوباً، وتشديد قبضته على مؤسسات الدولة وحماية ما تبقى من سلك ضباطه بالتراجع أمام ضربات المعارضة، واستهداف ما فقده من مناطق بعمليات قصف عشوائي لا هوادة فيه.&

استعانة بأصدقاء
وفي مواجهة النقص الذي يعانيه الجيش بهروب عشرات آلاف الشباب اضطر الى الاعتماد على ميليشيات محلية موالية للنظام. واخذ جيش النظام ينسحب امام مقاتلي المعارضة وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" لإعادة تجميع قواته في معاقل غرب سوريا وبذلك تمهيد الطريق الى التقسيم.&

وتكفَّل التطرف الاسلامي لعدد من اقوى الجماعات المسلحة في سوريا بجعل الحسم العسكري للنزاع الذي اسفر حتى الآن عن مقتل نحو 250 الف سوري مستحيلا من الناحية العملية في ساحة معركة تزداد انقساماً وتعقيداً.&

وكان الأسد اعلن في اعتراف نادر في تموز/يوليو انسحاب قواته من مناطق واسعة، قائلا ان جيشه لا يستطيع ان يكون موجودا في كل مكان من سوريا. لكنه تعهد بمواصلة الحرب والاستمرار في قصف المدنيين ببراميله المتفجرة.&

مما يزيد الوضع تعقيداً على الأرض عدم وجود خطوط قتال وجبهات واضحة المعالم بعد اكثر من أربع سنوات على اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد النظام. ورغم تقدم قوات المعارضة في مناطق متعددة فان النظام ما زال يحتفظ بالسيطرة على مراكز سكانية كبيرة والعديد من مفاصل الدولة ومؤسساتها. وفقد النظام أخيرا مناطق واسعة، بينها كل محافظة ادلب تقريباً ومدينة تدمر الأثرية، ولكن قواته ما زالت تتمركز في قواعد استراتيجية، بينها مطار دير الزور وقاعدة تي 4 في شرق حمص وقاعدة الثعلة في السويداء قرب درعا في الجنوب.&

انسحاب تكتيكي
وقال خضر خدور الباحث المتخصص في الشؤون السورية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ان النظام السوري انسحب من تدمر على اساس "حسابات عملية". ونقلت صحيفة الغارديان عن خدور انه "لم تكن هناك مواجهة حقيقية مع داعش، وهم فضلوا الانسحاب امام هجوم قوي، لأنهم لا يريدون التفريط بضباط الجيش".
&
ويرجّح محللون ان الانسحاب انقذ ارواح مئات الضباط، وبذلك تمكينهم من التحشد قرب معقل النظام في الغرب، حيث يسيطر على مراكز سكانية كبيرة، مثل حماه وحمص ودمشق واللاذقية.&

وفي حلب، أعرب قادة فصائل معارضة عن خشيتهم من انهيار الخدمات بالكامل في المدينة وقلقهم على ملايين المدنيين، إذا وقعت مناطقهم تحت سيطرة المعارضة ورد النظام على هزيمته فيها بحملة جوية انتقامية وحشية. وفي درعا تواجه المعارضة قراراً صعباً بشأن الموقف من الدروز في محافظة السويداء، الذين يخافون صعود جماعات مثل جبهة النصرة التي تعدهم كفارا. وهو خوف تشارك الدروز فيه أقليات اخرى.&

وفي المناطق التي انسحبت منها قوات الأسد شن النظام حملات قصف لا هوادة فيها بالبراميل المتفجرة لجعل حياة المدنيين لا تطاق تحت سيطرة المعارضة ومنعها من تقديم خدمات تقدمها الدولة عادة وبذلك دفع المدنيين الى النزوح الى مناطق تحت سيطرة النظام.& كما يشير انقسام قوى المعارضة التي تعمل جاهدة على إدارة المناطق الجديدة الى التحديات التي تنتظرها.&

لجوء قسري
ولاحظ خدور ان المدنيين "يفرون الى الأماكن التي ينطلق منها القصف. فالنظام هو مصدر العنف، ولكن الناس ينزحون الى هذه الأماكن لتجنب العنف". ويبقى استنزاف قوى النظام البشرية عقب أخيل النظام، حيث يواجه صعوبات كبيرة في تعبئة جنود لخوض حربه بهم.& وحاول النظام استدراج الجنود الفارين بعفو عام والغاء الغرامات والعقوبات على المتهربين من الخدمة العسكرية.&

وقال عمرو العزم المسؤول السوري السابق والناشط حالياً في المعارضة ان ما يحدث حرب استنزاف، والنظام هو الخاسر فيها، وان انسحابه من درعا وحلب ما هو إلا مسألة وقت الآن.&

وحاول النظام الاستعانة بميليشيات موالية تحت مظلة ما يُسمى "قوات الدفاع الوطني" التي استخدمها لشن هجمات بتوجيه من الجيش. ويرى محللون ان تكليف الميليشيات بعمليات قتالية أعطى جيش النظام متنفساً بتسليم الكثير من مهماته الى قوات غير نظامية.&

تأقلم
ونقلت صحيفة الغارديان عن الباحث المتخصص في الشؤون السورية جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة اوكلاهوما "ان النظام تلقى ضربة موجعة في الربيع بخسارته ادلب وتدمر وجسر الشغور وبدا للبعض انه على وشك الانهيار، ولكن النظام اثبت في الواقع مرة اخرى قدرته على التعاطي مع هذه الهزائم بتغيير اسلوب عمله".&

وقال لانديس ان تنامي سطوة الميليشيات والعدد الكبير من الهاربين من الخدمة العسكرية مؤشر الى ضعف جيش النظام واستنزاف قواه البشرية، لاسيما قاعدة الأسد العلوية بعد اربع سنوات من المعارضة المسلحة.&

لكن استماتة النظام في القتال على جبهتي حلب ودرعا ناجمة على الأرجح، كما يقول الباحث لانديس، عن شعور النظام بأن وجوده نفسه سيكون مهددا إذا فقد القسم الأعظم من الأراضي السورية للمعارضة. واضاف ان مثل هذا التطور يعني تقسيم سوريا كأمر واقع، وهي قضية "مشحونة بأفكار الاستسلام ومؤامرة القوى الكبرى في نسخة ثانية من اتفاقية سايكس ـ بيكو".&

ويصر النظام على التشبث بهاتين المدينتين، رغم دعوات ايران الى تركيزه على الاحتفاظ بمعاقله الرئيسة في غرب سوريا. وسيحصر فقدان حلب ودرعا سيطرة النظام في شريط من الأرض في غرب البلاد يمتد من دمشق مرورا بحمص وحماة واللاذقية الى منطقة القلمون الجبلية التي يتولى حزب الله الدفاع عنها على الحدود اللبنانية.&

وقال لانديس ان السوريين، وخاصة العلويين، يعترفون في قرارة أنفسهم بأن التقسيم هو النتيجة الأرجح للحرب، وهي قناعة يرسخها تناقص احتمالات الحسم العسكري وقوة جماعات متطرفة مثل جبهة النصرة التي تنتمي الى تنظيم القاعدة وأخرى سلفية مثل احرار الشام والمصاعب التي تواجه ائتلاف المعارضة في ادارة مناطقها تحت القصف الجوي المتواصل من النظام.&

وقال لانديس ان تصريحات مثل مطالبة زعيم جبهة النصرة العلويين في مقابلة مؤخرا بالتخلي عن النظام وعن مذهبهم إذا أرادوا التعايش مع السوريين الآخرين بعد سقوط النظام ، تعني احتفاظ الأسد بقاعدة تأييد بين الطبقات الوسطى والعليا والأقليات.&
&