أثارت الفياغرا الزرقاء (للرجال) ردود فعل متباينة، أثناء إجازتها للمرة الأولى، بسبب مضاعفاتها المحتملة، لكن ردود الفعل الألمانية حول الفياغرا الوردية (للنساء) أثارت التساؤلات حول جدواها.

ماجد الخطيب: تراوحت ردود فعل الجهات الطبية الألمانية المختلفة من إجازة الفياغرا للنساء بين التساؤل حول الجدوى منها، وبين التحذير من المضاعفات التي قد تنجم عن تناولها، وبين التعامل معها كعقار قد تتفوق فوائده على مساوئه عند بعض النساء فقط.

وتركزت ردود الفعل الألمانية على عقار "فليبانزرين" الذي أجازته السلطات الصحية الاميركية قبل أيام كدواء لمعالجة فقدان الرغبة الجنسية عند النساء، وبالتالي ليس كعقار"لايف ستايل"، بحسب تصريحات هذه السلطات.

وفي حين تؤخذ الفياغرا الزرقاء لمساعدة الرجال ضد ظاهرة العنة، ويستخدمها بعض الذكور لاظهار قدراتهم الجنسية رغم عدم معاناتهم من مشكلة الانتصاب، تؤخذ الحبة الوردية لمساعدة النساء في التغلب على مشكلة فقدان "الشهية الجنسية".

مضاد للاكتئاب!

وصدرت ردود الفعل الألمانية كما تظهر الصور امام عدسة مكبرة، قياساً بردود فعل البلدان الأخرى، لأن عقار فليبانزرين قد انتجته شركة بورنغر انغلهايم الألمانية كعقار مضاد للاكتئاب أساساً.

واكتسبت شركة سبراوت الاميركية حقوق العقار وأجرت عليه التعديلات والتجارب اللازمة التي أهلته لنيل اجازة السلطات الصحية الاميركية كعقار لحالة فقدان الرغبة الجنسية عند النساء. ويعمل العقار، في نسخته الألمانية الأولى، على هرموني سيروتونين ودوبامين، اللذين يتعلقان بتحسين المزاج والشعور بالسعادة باعتبارهما ناقلين هرمونيين عصبيين.

يحمل العقار الاسم التجاري"ايديي" ويعمل على دماغ النساء مباشرة(السيروتونين والدوبامين)، وقد يكون هذا هو سبب بعض المحاذير منه، في حين ان الحبة الزرقاء للرجال تعمل على الجسد، بمعنى العمل على زيادة انتشار الدم في العضو الذكري لتحفيز عملية الانتصاب. وهذا يعني ان فياغرا الرجال تتعامل مع" القدرة" على ممارسة الجنس، في حين ان فياغرا النساء تتعامل مع"الارادة" في ممارسة الجنس، وواضح ان الاختلاف كبير.

فكرة جيدة، ولكن...

ردود الفعل الأولى صدرت عن العيادة النسائية ديلمنهورست التي تعتبر الأكثر شهرة في ألمانيا في هذه المجال. وذكر الدكتور هاينريش تيم آيتمان، من عيادة ديلمنهورست، ان فكرة استخدام فليبانزرين عند النساء جيدة، وانه سيفرح دائماً حينما يتمكن من مساعدة مريضاته في التغلب على مشاكلهن الجنسية، لكن المشكلة في الحبة الوردية انها يجب ان تؤخذ بانتظام، مثل حبوب منع الحمل، لا أن تؤخذ عند الحاجة كما هي الحال مع فياغرا الرجال.

المشكلة الأخرى، بحسب آيتمان، هي ان تأثيرها لا يظهر إلا بعد تناولها بانتظام لفترة أربعة أسابيع، كما ان المردود من فياغرا النساء ضئيل. وتكشف الدراسات الاميركية عليها انها ساعدت 30% فقط من النساء المعانيات من مشاكل الرغبة الجنسية في التغلب على مشاكلهن.

اجازته في أوروبا

ويرى آيتمان ان الحاجة لعقار"ايديي" في ألمانيا موجودة، لأن العديد من مريضاته يسألنه عن كيفية استعادتهن لرغبتهن الجنسية المفقودة خشية على العلاقات العائلية. وتوقع ان يجاز العقار في ألمانيا، وأوروبا عموماً، ولكن ليس قبل ظهور نتائج الدراسات والتجارب التي تلي استخدامه بين النساء الاميركيات.

وقدر الدكتور كورت فيبر، من العيادة الألمانية نفسها، ان تستغرق عملية اجازة فياغرا النساء في ألمانيا فترة عدة سنوات. وقال ان نحو 10% من مريضاته، معظمهن قبل فترة اليأس بقليل أو انهن يمرن فعلاً في هذه الفترة، يسألنه باستمرار عن كيفية استعادة الـ"ليبيدو".

تحدث الطبيبان عن انتظارهما بلهفة لنتائج الدراسات الأولى في الولايات المتحدة، وخصوصاً الدراسات التي تتعلق بالأعراض الجانبية والمضعفات والاختلاطات. ويتوقع الطبيبان ان تظهر على تعاطيات "ايديي" أعراض العقاقير المضادة للاكتئاب مثل اضطراب النوم والصداع والامساك وحالات الارهاق وانخفاض ضغط الدم حد الاغماء، ناهيكم عن الشعور بجفاف الفم ونشوء حالات خوف مفاجئة. ولهذا يفضل الطبيبان ان تعرض المعانيات من فقدان الرغبة الجنسية على الطبيب النفسي قبل أن يلجأن إلى الحبات الوردية.

تحويل الرغبة الجنسية إلى مرض

ان فقدان الرغبة في الممارسة الجنسية ليس مرضاً، بحسب تقدير رئيسة قسم البحث الجنسي في جامعة هامبورغ البروفيسورة فيرينا كلاين. وتخشى الباحثة الألمانية ان يحول العلاج بالعقاقير المشاكل الجنسية الاعتيادية إلى مرض. إذ ان العقار يفترض التعامل مع تراجع الرغبة الجنسية عند المرأة كـ"نقص" تنبغي معالجته.

ان تراجع العلاقات الجنسية بين الزوجين لايمكن عزوها إلى أسباب عضوية تكمن في أحد الزوجين، لأن هناك العديد من الأسباب الأخرى التي تسبب ذلك. فضلاً عن ذلك سيضع "ايديي" النساء تحت ضغط نفسي تشعر خلاله المرأة بان عليها أن تثبت انوثتها ، وقد تتفاقم الحالة حينما "لايحدث شيء" بعد التفاؤل الكبير الذي يعقب تعاطي العقار. فنسبة النجاح باستعمال الحبة الوردية قليل، وقد تعقب الفشل مشاكل أخرى تعقد الحياة الزوجية أكثر.

يؤيد البروفيسورة كلاين في موقفها جاكوب باستوتر رئيس المعهد الألماني للابحاث الجنسية الاجتماعية. وقال باستوتر ان نسبة نجاح العقار قليلة، ولايمكن للطبيب أن يقول انه ناجح براحة ضمير. سيتعاطى الكثير من النساء عقار "ايديي" بتفاؤل مفرط ثم يكتشفن انه لم يؤد إلى شيء. ويعرف الأطباء، من خلال خبرتهم مع فياغرا الرجال، ان معظم المشاكل الجنسية لايمكن علاجها بالعقاقير.

مخاوف النساء الأخرى

ينبغي على المرأة أن تسأل نفسها، وعلى الطبيب أن يسأل نفسه بجدية، ما إذا كانت القضية تستحق تعاطي عقاقير تعمل على الدماغ بهدف معالجة حالة تتعلق بالرغبة الجنسية. وبحسب رأي الدكتور اوفه هارتمان، رئيس نقابة أطباء العلاج الجنسي الألمانية، فان معظم مريضاته يبحث عن حل لمشاكل الرغبة الجنسية، لا خشية من "رسوبهن" في امتحان السرير، وإنما بسبب خوفهن من تحطم العائلة بسبب اختلاف الرغبات الجنسية.

وينبغي على الرجل والمرأة ان يبحثا عن علاج نفسي للمشكلة قبل ان يسرعا لتناول الحبوب الزرقاء والوردية. ويمكننا تصور حجم المشاكل السريرية، إذا كات المرأة تتعاطى الحبة الوردية بينما يتعاطى زوجها الحبة الزرقاء.

ويرى البروفيسور مانفريد-شوبرت سيلافيتش، رئيس قسم البحث الجنسي في جامعة فرانكفورت، ان العقار غير مخصص للنساء تحت سن 30 سنة يعتقدن ان تعاطي "ايديي" سيعينهن على ممارسة جنس أكثر. فالعقار يعمل على الدماغ ليثير الرغبة في الجنس، لا أن يزيد عدد الممارسة في الليلة الواحدة.

ان تراجع الرغبة الجنسية، عند الرجل أو عند المرأة، ليس مرضاً برأي غالبية الأطباء، كي يعالج بالعقاقير التي تعمل على الدماغ. عدا عن وجود الكثير من الخلافات بين الأطباء حول تشخيص الحالة، وما إذا كانت ناجمة عن أسباب جسدية أو نفسية أو اجتماعية، بحسب رأي سيلافيتش.

ان نسبة النساء المعانيات من فقدان الرغبة الجنسية في الولايات المتحدة تتراوح بين 8-12 في المائة من سن 20-49 سنة، آخذين&في الاعتبار الخلاف الطبي حول صحة التشخيص. ولما كانت نسبة النجاح لاتزيد عن 30% فيمكننا تصور عدد النساء اللاتي سيستفدن فعلاً من"ايديي".

على أية حال، كتب الباحث راي موينهان في المجلة الطبية البريطانية عام 2003"ان اضطراب المرأة الجنسي هو أفضل دليل على مساعي شركات الأدوية اختلاق أمراض جديدة.
&