أعلنت الأمم المتحدة أن صورًا التقطتها أقمار اصطناعية أكدت تعرّض معبد بل في مدينة تدمر السورية للتدمير، ليصبح بذلك ثاني معبد يدمّره تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف في غضون أسبوع في هذه المدينة الأثرية الواقعة في قلب الصحراء السورية.


إيلاف - متابعة: قال معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (يونيتار) "بوسعنا أن نؤكد واقعة تدمير المبنى الرئيس لمعبد بل، وكذلك لصف من الأعمدة ملاصق له"، مشيرًا إلى أنه خلص إلى هذه النتيجة استنادًا إلى صور التقطتها أقمار صناعية بعد التفجير الذي هز أرجاء المدينة الأثرية الأحد، وشكل الفصل الثاني من الأعمال التخريبية التي يرتكبها التنظيم الجهادي بحق المدينة المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونيسكو.

أضاف أن المعبد يظهر بوضوح في صورة التقطت في 27 آب/أغسطس، وهو عبارة عن مبنى مستطيل الشكل محاط بأعمدة، في حين أن صورة أخرى التقطت يوم الاثنين لا يظهر فيها سوى بعض الأعمدة الواقعة على طرف المبنى المدمر.

ويعد معبد بل في تدمر أبرز معالم هذه المدينة الأثرية الملقبة بلقب "لؤلؤة الصحراء"، وقد استغرق بناء هذا المعبد، الذي كان يزوره قبل بدء النزاع في البلاد نحو 150 ألف سائح سنويًا، نحو قرن من الزمن، إذ بدأ تشييده في عام 32 وانتهى في القرن الثاني.

وفي بيان أصدره مساء الاثنين، ندد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بشدة بـ"التدمير غير المبرر لموقع ذي قيمة لا تقدر بالنسبة إلى تراثنا العالمي المشترك". وكان تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ينبذ المعالم الدينية، وخاصة التماثيل، ويعتبرها اصنامًا تعود إلى الوثنية، فجر في 23 اب/اغسطس معبد بعل شمين الشهير في مدينة تدمر، ما ادى الى تدمير الهيكل وانهيار الاعمدة. واظهر شريط فيديو بثه التنظيم بعد ايام صورًا تبيّن الركام الذي خلفه تفجير المعبد.

وبدأ بناء معبد بعل شمين عام 17 ثم جرى توسيعه في عهد الامبراطور الروماني هادريان عام 130. وبعل شمين هو اله السماء لدى الفينيقيين. ولا تنحصر جرائم التنظيم عند هذا الحد، حيث قامت عناصره بالتمثيل بجثمان مدير الاثار السابق للمتاحف في المدينة خالد الاسعد (82 عاما) بعدما قطعت راسه وعلقت جثمانه على عمود وسط المدينة.

وسيطر تنظيم الدولة الاسلامية في 21& ايار/مايو على مدينة تدمر الاثرية المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي بعد اشتباكات عنيفة ضد قوات النظام السوري. واقدم عناصره في 21 حزيران/يونيو على تفخيخ المواقع الاثرية في مدينة تدمر بالالغام والعبوات الناسفة، كما اعدموا اكثر من مئتي شخص داخل المدينة وخارجها، عشرون منهم في المدرج الاثري.

"لؤلؤة الصحراء" السورية
مدينة تدمر الاثرية في وسط سوريا حيث دمر جهاديو تنظيم الدولة الاسلامية ثاني معبد خلال اسبوع، تشتهر بأعمدتها الرومانية ومعابدها ومدافنها الملكية التي تشهد على عظمة تاريخها.& وقد سقطت المدينة في نهاية ايار/مايو تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية بعد اشتباكات عنيفة ضد قوات النظام السوري.

والمواقع الاثرية في مدينة تدمر المعروفة باسم "لؤلؤة الصحراء"، واحدة من ستة مواقع سورية ادرجتها منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على لائحة التراث العالمي للانسانية. وتتوسط اثار تدمر التي تبعد مسافة 210 كلم شمال شرق دمشق، بادية الشام. وقد ظهر اسمها للمرة الاولى على مخطوطة يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد عندما كانت نقطة عبور للقوافل بين الخليج والبحر المتوسط واحدى محطات طريق الحرير.

لكن تدمر عرفت اوج ازدهارها ابان الغزو الروماني اعتبارا من القرن الاول قبل الميلاد وخلال اربعة قرون متلاحقة. وباتت تعرف في اللغات الإغريقية واللاتينية باسم "بالميرا" المشتق من معنى النخيل باللغات الاجنبية. وقد ذاع صيت تدمر بوصفها واحة خصبة وفاخرة في وسط الصحراء، بفضل ازدهار تجارة التوابل والعطورات والحرير والعاج من الشرق، والتماثيل والزجاجيات من فينيقيا.

في العام 129، منح الامبراطور الروماني ادريان تدمر وضع "المدينة الحرة" وعرفت انذاك باسمه "ادريانا بالميرا". وفي هذه المرحلة بالتحديد، تم بناء ابرز معابد تدمر كمعبد بعل (بل) وساحة اغورا. وكان سكان المدينة قبل وصول المسيحية في القرن الثاني بعد الميلاد، يعبدون الثالوث المؤلف من الاله بعل ويرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر).

واستغلت تدمر الصعوبات التي واجهتها الامبراطورية الرومانية في القرن الثالث لاعلان قيام مملكة تمكنت من هزم الفرس وباتت زنوبيا ملكتها. وسيطرت زنوبيا عام 270 بلاد الشام كلها وجزءا من مصر ووصلت الى اسيا الصغرى، لكن الامبراطور الروماني أورليان تمكن من استعادة السيطرة على تدمر واقتيدت الملكة زنوبيا الى روما فيما انحسر نفوذ المدينة.

وقبل اندلاع النزاع السوري في منتصف شهر آذار/مارس 2011، شكلت تدمر وجهة سياحية بارزة اذا كان يقصدها اكثر من 150 الف سائح سنويا لمشاهدة اثارها التي تضم اكثر من الف عامود وتماثيل ومعابد ومقابر برجية مزخرفة، تعرض بعضها للنهب اخيرا، بالاضافة الى قوس نصر وحمامات ومسرح وساحة كبرى. وأدت الاشتباكات التي اندلعت بين قوات النظام وفصائل المعارضة في الفترة الممتدة بين شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر 2013 في تدمر الى انهيار بعض الاعمدة ذات التيجان الكورنثية.

وكان عدد سكان تدمر قبل سقوطها، وفق محافظ حمص طلال البرازي، اكثر من 35 الف نسمة، بينهم نحو تسعة الاف نزحوا اليها منذ بدء النزاع قبل اربعة اعوام. لكن العدد يرتفع الى سبعين الفا مع الضواحي. وأثار سقوط تدمر على الفور قلقا في العالم على المدينة التي يعود تاريخها الى الفي عام، لا سيما ان للتنظيم سوابق في تدمير وجرف الآثار في مواقع اخرى سيطر عليها لا سيما في العراق.

وقد قام جهاديو تنظيم الدولة الاسلامية في 18 آب/اغسطس بقطع رأس مدير الاثار السابق في المدينة خالد الاسعد البالغ من العمر 82 عاما. وبعد اقل من اسبوع في 23 آب/اغسطس دمر الجهاديون معبد بعل شمين الشهير. وقد بدأ بناء المعبد عام 17 ميلادي ثم جرى توسيعه في عهد الامبراطور الروماني هادريان عام 130.وبعل شمين هو اله السماء لدى الفينيقيين. ومعبد بل من ابرز معالم المدينة. وقد استغرق بناء هذا المعبد، الذي كان يزوره قبل بدء النزاع في البلاد نحو 150 الف سائح سنويا، نحو قرن من الزمن.

تدمير متعمد في سوريا والعراق ومالي
يأتي تدمير تنظيم الدولة الاسلامية لمعبد بل في مدينة تدمر السورية للتدمير الذي اكدته الامم المتحدة الاثنين بعد قيام التنظيم وجماعات متطرفة اخرى بتدمير كنوز اثرية في سوريا والعراق وليبيا ومالي وافغانستان.

- سوريا: في 23 آب/اغسطس 2015، فجر تنظيم الدولة الاسلامية معبد بعل شمين الشهير في مدينة تدمر، ما ادى الى تدمير الهيكل وانهيار الاعمدة. وقبل اقل من اسبوع على ذلك قتل التنظيم خالد الاسعد المدير السابق للآثار في المدينة. في تموز/يوليو دمر التنظيم تمثال اسد اثينا عند مدخل متحف تدمر وقام بتحويل المتحف الى محكمة وسجن. وتقول الامم المتحدة ان اكثر من 300 موقع اثري سوري تضررت او دمرت او نهبت خلال النزاع الذي بدأ قبل اربع سنوات في سوريا.

- العراق: نفذ تنظيم الدولية الاسلامية الذي يسيطر على مناطق شاسعة من الاراضي العراقية ونصف اراضي سوريا بعد سقوط تدمر "تطهيرا ثقافيا"، فدمر جزءا من آثار بلاد ما بين النهرين التاريخية بحسب الامم المتحدة، او باع بعض قطعها في السوق السوداء.

وبدا في تسجيل نشر في شباط/فبراير 2015 عناصر من التنظيم يخربون آثارا قيمة سابقة للاسلام في متحف الموصل، ثاني مدن العراق التي سيطر عليها التنظيم في بدايات هجومه الواسع في حزيران/يونيو 2014. وافاد مسؤولو مديرية الاثار ان حوالى 90 قطعة دمرت او تضررت. كما احرق الجهاديون مكتبة الموصل وفجروا في تموز/يوليو 2014 مرقد النبي يونس امام حشد من المشاهدين.

في نيسان/ابريل 2015 نشر فيديو بدا فيه عناصر التنظيم يهدمون بالجرافات والمعاول والمتفجرات اثار مدينة نمرود جوهرة الامبراطورية الاشورية التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كما هدموا مدينة الحضر التاريخية التي تعود الى الحقبة الرومانية قبل اكثر من الفي عام، في محافظة نينوى (شمال).

- ليبيا: دمر اسلاميون متشددون عددا من الاضرحة بالجرافات او المتفجرات في مختلف انحاء البلاد بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011. ويعتبر المتشددون ان اقامة اضرحة للاولياء تخالف تعاليم الاسلام.

في 2012 فجر عشرات المتشددين ضريح الشيخ عبد السلام الاسمر، وهو عالم وداعية صوفي مسلم من القرن السادس عشر في زليتن (شرق طرابلس)، وهو من اهم اولياء ليبيا. كما تعرضت مكتبة وجامعة باسم الشيخ للنهب والتخريب. وفي مصراتة تعرض ضريح الشيخ احمد زروق للتدمير.

في 2013 استهدف هجوم بالمتفجرات ضريح مراد آغا في تاجوراء في ضواحي طرابلس، وهو يعود الى القرن السادس عشر ويعتبر احد اقدم الاضرحة. في 2014 ادانت اليونسكو اعمال تخريب طالت عددا من مساجد طرابلس بينها مسجد احمد باشا القره مانلي الذي يعود الى القرن الثامن عشر.

- مالي: خضعت تمبكتو، "مدينة الـ333 وليا" والمدرجة في لائحة اليونيسكو للتراث البشري، منذ نيسان/ابريل 2012 الى كانون الثاني/يناير 2013 لسيطرة جماعات اسلامية متطرفة عمدت الى تشويهها.

ففي حزيران/يونيو 2012 قام جهاديو حركات مرتبطة بالقاعدة يعتبرون تكريم الاولياء "عبادة للاوثان" بتدمير عدد من الاضرحة، بعضها في اهم مساجد المدينة. كما دمروا اضرحة اخرى تشهد على الحقبة الذهبية للمدينة في القرن السادس عشر. وفي مطلع 2013 تعرض معهد احمد بابا للبحوث الاسلامية للتخريب، لكن تمت حماية الجزء الاكبر من المخطوطات الشهيرة والكتب القيمة. وبدأت اعادة بنائه في اذار/مارس الماضي.

- افغانستان: في اذار/مارس 2001 امر زعيم طالبان الملا عمر بتدمير تمثالين عملاقين لبوذا منحوتين في الصخر في باميان (شرق وسط)، يعتبران من الكنوز الاثرية ويعودان الى اكثر من 1500 عام، معتبرا انهما يخالفان الاسلام كونهما "اصناما". وتوافد المئات من عناصر طالبان من مختلف انحاء البلاد وعملوا طوال 25 يوما على تدمير التمثالين بالقذائف والمتفجرات.
&