تعتبر الثورة التكنولوجية في الإعلام الرقمي وفي شبكات التواصل الإجتماعي وبرامج الكمبيوتر المفتوحة من أهم العوامل التي ساعدت في مجال التأريخ الشفوي، إذ أتاحت أدوات مبتكرة لجمعها وحفظها. جاء هذا ضمن ملتقى "التاريخ الشفوي في أوقات التغيير.. الجندر والتوثيق وصناعة الأرشيف" الذي افتتح أخيرًا في مصر.


محمد الحمامصي: "التاريخ الشفوي في أوقات التغيير.. الجندر والتوثيق وصناعة الأرشيف" عنوان الملتقى الدولي للمرأة والذاكرة الذي افتتحه أخيرًا د.محمد أبو الفضل بدران الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ود.هدى الصدة رئيس مجلس أمناء المرأة والذاكرة، ويستمر حتى 15 أيلول/سبتمبر الجاري، وتشارك فيه 15 دولة، وهي السودان، لبنان، تونس، الأردن، الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، جنوب أفريقيا، فرنسا، السعودية، كندا، الهند، الجزائر، مصر، اليمن، الامارات، ويهدف إلى توطيد العلاقات بين العلماء والباحثين والطلاب والفنانين وممارس التاريخ الشفوي، وإتاحة الفرصة لهم لتبادل الاّراء والتجارب في ما يخص التحديات التي تواجه مشروعات التاريخ الشفوي في أوقات التغيير مع التركيز على قضايا الجندر وتوثيق السرد الشفوي المتعلق بالثورات في العالم العربي، إضافة إلى صناعة الأرشيف.

من أبرز القضايا التي تناقشها جلسات الملتقى "الذاكرة والمذكرات والتاريخ الشفوي"، أخلاقيات الاستماع وسرد العراق: الجندر والطبقة الاجتماعية والطائفية"، "سردية المقاومة في النزاعات: توثيق الحياة المتغيرة لأربع نساء سودانيات قرويات ــ عن رحلة مهندسات الطاقة الشمسية في خدمة المجتمع"، "كسر الصمت: السلطة والصوت وكتابات ماري باربيار متصوفة في القرن السابع عشر في مونتريال"، "سياسات الجندر في الخليج: السياسات الطائفية والتحديات لإنجازات وحقوق النساء"، "الأصوات الصاعدة لكتابات سعوديات: الانتقال والتمكين والتمثيل"، "قراءة في تجربة الدكتورة رؤوفة حسن في كتابة وتوثيق تاريخ النساء في اليمن"، "الأرشيف النسوي في الإمارات".

وقد أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في كلمته أن جنسًا أدبيًا معرفيًا يتشكل الآن عبر الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وهي المدونات التي لم تجد من النقاد ولا علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ من يهتم بها ويحللها تحليلاً منهجيًا كمصدر من مصادر المعرفة والتاريخ.

وقال "لقد تلامست الأرشفة والتوثيق مع أجناس أدبية، كالرواية والقصة والسرد بشكل عام، وأضحت الرواية كنز التاريخ الشفوي مع السير الذاتية وأدب الرحلات، ناقلة روايات شفوية نسائية نحن في أمس الحاجة إلى درسها، عبر مناهج علمية تزيل غبار التغييب المتعمد لدور النساء في التاريخ وتقزيم أدوارهن في صنع الواقع ورؤيتهن للواقع الذي عشنه بآلامه وآماله ورؤاهن لمستقبلهن ومستقبل أوطانهن".

الحقوق الضائعة
وأضاف أن الملتقى يكتسب أهمية عامة وخاصة، أهمية عامة لأنه يعيد إلى المهمشين والمهمشات حقوقًا ضائعة ويعيد الى المرأة دورها في صنع الرواية التاريخية والأرشفة العلمية التي لا تغفل النساء، ويكتب أهمية خاصة لأنه يجيء بعد ثورة مصر 25 يناير و30 يونيو، وكيف كان للنساء دور قمن به لا يقل عن دورهن في ثورة 1919 بل تفوق أثرًا وتأثيرًا، ونأمل لهن بانتخابات مصر القريبة أن يتبوأن مكانتهن التي تليق بهن.

وأشار إلى أن ما نراه في وطننا العربى وفي مصر من عودة الصالونات الأدبية لا لتكون محكى النساء، بل لتصنع التاريخ، لا بالمؤامرات، بل بالعلم، نحن في أمس الحاجة إلى مساق يدرس في جامعاتنا الحكومية والخاصة عن "التاريخ الشفوي" حتى يعرف الأبناء والأحفاد أهمية هذا المُعين الذي طرحه الدرس الجامعي جانبًا استعلاءً رأى أن الأدب الرسمي يكفي، وأن المدوّن أفضل من الشفهي، وأعلى قيمة ورتبة، وهذا قول باطل علميًا وواقعيًا.

وقد دعا بدران إلى إعادة النظر في الموقف الذي يرى بضرورة إبعاد الشعر عن التاريخ الشفوي، كما دعا إلى حرية الإبداع في الأدب وفنون السينما والمسرح.. وأن تتبوأ المرأة دورها كصانعة للتاريخ وإلقاء الضوء على المهمشين والمهمشات في مجتمعاتنا العربية حتى يعود إلى صاحباته.

مرحلة البناء
وأوضحت د.هدى الصدة بدايات إنشاء أرشيف أصوات النساء وأهدافه، مشيرة إلى أنهم يحتفلون هذا العام بمرور 20 عاماً على تشكيل مجموعة المرأة والذاكرة وعملها في مجال إنتاج معرفة بديلة من وجهة نظر المرأة أو من منظور يأخذ في الإعتبار قضايا النوع أو الجندر، كانت البداية في أواخر التسعينيات حين قامت مجموعة من الباحثات في المرأة والذاكرة بإجراء مقابلات مع نساء لهن باع في العمل العام في مجالات التعليم، الصحة، الثقافة، العمل النقابي، السياسي، الفن، الأدب، الخ.

وكان الهدف من ذلك بناء أرشيف تأريخ شفوي للنساء يساعد على سد الفجوة المعرفية ومساهماتهن في صنع التأريخ والحضارة، أرشيف يساهم في إنتاج وبناء مصادر تاريخية لكتابة التاريخ الإجتماعي والسياسي، ويعضد من شأن مساعي النساء لبناء مجتمعات عادلة ومتوازنة للجميع بدون تميز.

المرحلة الثانية بناء أرشيف في عام 2012، الهدف منه توثيق تجارب النساء وخبراتهن في التفاعل مع الاحداث الجسام ومشاركتهن في المجال العام بعد ثورة 25 يناير 2011، أي الحفاظ على ذاكرة النساء وحمايتها من النسيان أو التهميش في التاريخ الرسمي، ثم بدأ الاهتمام بالتاريخ الشفوي في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين من قبل المؤرخين الاشتراكيين، وقد شهدت السبعينيات نشاطًا ملحوظًا في مجال التأريخ الشفوي مع اتجاهات بحثية رأت قصورًا في التاريخ الرسمي الذي يؤرّخ لسير وحياة المشهورين والأغنياء ويغفل حياة الناس العادية بسبب اعتماده على الوثائق والأوراق الرسمية.

أما التاريخ الشفوي للنساء العربيات فظهرت تحديات أخرى تتعلق بالتاريخ الكولونيالي للمنطقة العربية ومحورية التمثيلات العربية عن المرأة العربية وارتباطها بالصراعات المحلية والدولية حول الهوية والدولة الوطنية والاستقلال الوطني. أما بالنسبة الى القرن الــ 21 فقد شهد تناميًا ملحوظًا في سبيل الاعتراف بأهمية التاريخ الشفوي في كتابة التاريخ، مما أدى الى ظهور مشروعات بحثية ومراكز متخصصة ومواقع الكترونية تهتم بتاريخ التوثيق الشفوي، حتى نجحوا في تسليط الضوء على أصوات من لا صوت لهم وساهموا في إنشاء أرشيفات شفوية لمجموعات مهمشة في المجتمعات المختلفة، ومن أهم العوامل التي ساعدت في مجال التأريخ الشفوي هي الثورة التكنولوجية في الإعلام الرقمي وفي شبكات التواصل الإجتماعي وبرامج الكمبيوتر المفتوحة، إذ أتاحت التكنولوجيا الجديدة أدوات مبتكرة وحفظها. فالأرشيفات بشكل عام هي أدوات المتحكمين في السلطة، فهي تؤسس لسرديات مهيمنة، كما تؤسس لسرديات مضادة.&

وفي نهاية كلمتها، أكدت الصدة على أنهم يجتهدون لبناء أرشيف أطلق عليه أرشيف الأمل في مستقبل أفضل، مستندًا إلى خبرات وتجارب قريبة، وبعيدة تدعم النساء وتعزز من الثقة في النفس وفي القدرة على الفعل والتأثير الإيجابي على الواقع والعالم.

إنتاج المعرفة البديلة
وعقب الافتتاح محاضرة للدكتورة فيحاء عبد الهادي، التي تحدثت عن إنتاج المعرفة البديلة من خلال منهج التاريخ الشفوي بشكل عام ومن خلال منهج التاريخ الشفوي – منظور نسوي بشكل خاص، وأوضحت أن اتباع هذا المنهج عبر إمكانياته وأساليبه الديمقراطية يتيح معرفة رأي المرأة الحقيقي، ويساهم في تفكيك مركبات الثقافة القائمة وتقديم قراءات بديلة ومتنوعة من النسق الثقافي المسيطر، حيث تتم إعادة إنتاج الثقافة.

وأشارت إلى أن تسليط الضوء على علاقات القوى والمصالح التي تتحكم في إنتاج الثقافة يساهم في خلق ثقافة بديلة تأخذ بعين الاعتبار إنجازات النساء المستندة إلى الاختلاف والتنوع والتغيير والفاعلية. إضافة إلى المشروع الطموح لتوثيق أدوار المرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات حتى عام 1982، الذى نتج منه أربعة كتب:

أولها عن مرحلة الثلاثينيات، والثاني عن الأربعينيات، والثالث حتى مرحلة 1965. أما الرابع الذي سوف نطلقه يوم الثلاثاء الساعة السابعة مساءً فهو يوثق المرحلة من عام 1965 حتى عام 1982، وأوضحت من خلال أمثلة عديدة الأدوار المتعددة التي قامت بها النساء، حيث تبين دور المرأة الريفية بجانب المرأة المدنية في الثلاثينيات وأمثلة عن الأدوار التي قامت بها المرأة في عام التهجير وبعده، ووقفت لدى منظمة زهرة الأقحوان، التي أسست عام 1947 في يافا، والتي لم يذكرها التاريخ المدون.

وأظهرت الأبحاث دور المنظمة العسكري السياسي ورسخت اسمي قائدتيها مهيبة وناريمان خورشيد. أما بالنسبة الى مرحلة الخمسينيات ركزت في أمثلة عن دور المرأة في الأحزاب السياسية العربية، والتي قللت كتب التاريخ المدون الرسمي من أهمية هذه المشاركة، أوضحت الأمثلة التي قدمتها أن المرأة التحقت بهذه الأحزاب عن قناعة فكرية وليس بتأثير من عائلتها.

أما الكتاب الجديد فقد وقفت فيه على التغيرات الاجتماعية التي صاحبت نضال المرأة السياسي الذي تزايد بشكل كبير في هذه الفترة، ورصدت مساهمة ازدياد المرأة في العمل العسكري والسياسي والثقافي، وننتظر منها المزيد يوم الثلاثاء حول هذا الكتاب، الذي يرصد مرحلة تناولت المساهمة السياسية للمرأة في العمل المسلح ومساهماتها في معركة الكرامة، وتناول أيضًا عمل المرأة السري في فلسطين وأحداث مفصلية في تاريخ الشعب الشعب الفلسطيني مثل مذبحة صبرا وشاتيلا.

نذكر من الباحثات والمبدعات المشاركات في الملتقي د.مى صيقلي، د.سناء ظاهر، د.مريم لوتاه، د.نادية العلي، د.غادة كدودة، د.كويين جراي، د.لوسين تامينيات، د.نهوند القادري يسي، د.غادة الأخضر، ريهام ويلسون، د.رفيف رضا صيداوي، د.هبه شاروبيم، د.هدى السعدي، د.عزة شابوني، د.فاطمة المهيري.&


&