أخذت اصوات التذمّر تعلو أقوى فأقوى في ألمانيا مطالبة أنجيلا ميركل بإيجاد حلّ سريع لأزمة اللاجئين، حتى ان مراقبين أشاروا الى ان قبضة ميركل على الحكم أخذت تتراخى.


عبدالإله مجيد من لندن: اعلنت المسشارة الالمانية انجيلا ميركل مرارا ان حل ازمة اللاجئين يحتاج الى وقت. ولكن صبر حلفائها اخذ ينفد وخاصة بعد احداث مدينة كولونيا ليلة رأس السنة حين تعرضت نساء الى اعتداءات جنسية قيل ان لاجئين متورطون فيها.

وقال آرمين شوستر المتخصص بالشؤون الداخلية في الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل خلال اجتماع معها في مبنى البرلمان مؤخرًا ان من الضروري البدء بتسجيل اللاجئين.

وأعلن رفيقه في الحزب كلاوس بيتر فيلش قائلا "نحن لا يمكن ان نبقى ساكتين على حقائق غير مريحة".& واقترح مارك هاوبتمان وهو نائب محافظ آخر من ولاية تورينغيا "خفض عدد المهاجرين غير القانونيين الوافدين الى المانيا من البلقان".&

ولم ترد ميركل كما هي عادتها بل التزمت جانب الصمت والاستماع الى النواب ناقرة على هاتفها أو متطلعة الى السقف تعبيرا عن الانزعاج مما تسمعه.&

وحتى الآونة الأخيرة كان الموقف من ميركل مختلفا تماما. فقبل شهر لا أكثر وقف مندوبو مؤتمر الحزب المسيحي الديمقراطي الذي عُقد في مدينة كارلزروهة تحية لسياستها تجاه قضية اللاجئين.

وحين تكلمت ميركل وعدت بـ"تخفيض ملحوظ" في عدد اللاجئين الوافدين الى المانيا.& ولاقى الوعد ترحيب المندوبين حتى ان صحفا تحدثت بعد المؤتمر عن "انتصار" ميركل.

ولكن كل شيء تغير بعد احداث كولونيا ليلة رأس السنة، في حزب ميركل وفي المانيا عموما.

وأخذ الضغط يشتد على المستشارة التي تسلمت قبل ايام رسالة تحمل تواقيع 44 نائبا محافظا يطالبونها بالتراجع عن سياستها تجاه أزمة اللاجئين.

وتتردد ميركل في غلق الحدود امام تدفق اللاجئين كما يطالب منتقدوها خشية ان تكون مثل هذه الخطوة نهاية حرية السفر في اوروبا.

ولكن تدفق اللاجئين كان أكبر من ان تستطيع ميركل السيطرة عليه. وحتى حلفاؤها يبدون الآن قلقهم من فشل خطتها الرامية الى ايجاد حل اوروبي للمشكلة.

وفي داخل حزبها يعتقد كثيرون انه لم يبق من الوقت ما يكفي لنجاح خطتها.

واقدم الحزب المسيحي الاجتماعي، شقيق الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل في ولاية بافاريا، على تصعيد انتقاداته للمستشارة مؤخرا.

وقال زعيم الحزب هورست زيهوفر انه سيقدم خلال الأيام القليلة المقبلة مطلبا الى الحكومة الفيدرالية بإعادة الضوابط على الحدود.

ونقلت مجلة شبيغل عن زيهوفر انه إذا لم تستجب ميركل لهذا المطلب "لن يكون لدى حكومة بافاريا من خيار سوى تقديم شكوى الى المحكمة الدستورية الفيدرالية".&

وبدأ سباق مع الزمن. فاما تتوصل ميركل الى حل وسط مع زيهوفر قبل الانتخابات التي ستجرى في ثلاث ولايات في آذار/مارس أو ان المستشارة ستواجه صراعا مديدا مع حلفائها السياسيين ذاتهم ، وهو صراع يرى بعض المعلقين انه قد يكلفها منصبها.

ولم تكن احداث كولونيا في ليلة رأس السنة وحدها التي أدت الى تفاقم أزمة اللاجئين بل ان السبب الرئيسي يتمثل في ان ميركل لم تحقق تقدما يُذكر في خطتها لوقف تدفق اللاجئين على حدود اوروبا الخارجية. فالمفاوضات مع تركيا تعثرت والدول المجاورة في جنوب المانيا وشرقها ترفض المساعدة.& وشكا وزير في حكومة ميركل قائلا "ان اوروبا تخذلنا".

وأخذ خبراء الاتحاد الاوروبي في بروكسل يفقدون الأمل في خفض عدد اللاجئين المتدفقين على اوروبا في وقت قريب. إذ يصل اليونان نحو 3000 لاجئ كل يوم في الوقت الحاضر ، وهذا في زمهرير كانون الثاني/يناير الذي تكثر فيه العواصف في بحر ايجه.

وستبدأ درجات الحرارة بالارتفاع قريبا ويصبح عبور البحر سهلا من جديد.

ولم يعد المحافظون الالمان مستعدين للرهان على تباطؤ سيل اللاجئين بمفردهم وأخذوا يطالبون بضبط الحدود وتحديد سقف لعدد اللاجئين الذين يمكن ان تقبلهم المانيا.

وبعث المحافظون برسالة الى ميركل يقولون فيها "ان المانيا لا تستطيع ان تتعامل مع أكثر من 200 الف مهاجر في السنة سواء أكانوا لاجئين من الحرب الأهلية أو طالبي لجوء".

واضافت الرسالة التي اطلعت عليها مجلة شبيغل انه "من دون الاسراع بتحديد سقف فان أعدادا اكبر من اللاجئين يمكن ان يتوافدوا على المانيا في عام 2016 منه في عام 2015".

وتبين الأرقام الرسمية ان نحو 1.1 مليون لاجئ ومهاجر وطالب لجوء عبروا الحدود الى المانيا في عام 2015.

إزاء هذه الأرقام ومطالب المحافظين بدأ حتى وزراء في حكومة ميركل يجاهرون بمعارضتهم سياسة ميركل.

وحذر وزير النقل الكسندر دوبرندت من ان احداث كولونيا جعلت الالمان يشعرون بخوف عميق على أمنهم.& ويتفق معه كثير من السياسيين المحافظين.&

ومن اسباب قلق ميركل ان عددا متزايدا من البرلمانيين لا يكترثون الآن بالضرر الذي يمكن ان تلحقه انتقاداتهم بالمستشارة.

ونقلت مجلة شبيغل عن سياسي كبير في الحزب المسيحي الديمقراطي انه "كان هناك توافق حتى الآن على حل ازمة اللاجئين بوجود ميركل على الدفة والآن يقول البعض ان علينا حل المشكلة من دون ميركل إذا دعت الضرورة.

وما زال هؤلاء أقلية لكنها أقلية متنامية". وتعلم ميركل ان الوقت اخذ يدركها وإذا لم تتمكن قريبا من تحقيق تقدم في خطتها فانها ستكون في مأزق.

وما زالت ميركل تصر على ان مقترحات خصومها ليست مجدية متسائلة "هل نغلق الحدود مع النمسا؟" والمجازفة بإطلاق تفاعل متسلسل يمكن ان ينهي اتفاقية شنغن بشأن حرية السفر ويزعزع استقرار البلقان.

وتشعر ميركل بالقلق بصفة خاصة من تقويض سلطتها.& فهي طيلة ولايتها نالت سمعة بقدرتها على لجم كل الأزمات التي تواجه المانيا واوروبا.

ولكن كل وعد تقدمه المستشارة الآن ينفجر كالفقاعة. ويتابع الناخبون الالمان فشل مستشارتهم في واحدة من المهمات الأساسية التي تواجه الدولة وهي السيطرة على من يدخل البلد.

وتعمل المستشارة على خطة بديلة لكنها لا تتضمن غلق الحدود الالمانية تماما.

وسيكون ثمن الفشل في هذه الخطة باهظا لذا يدرس معاونوها امكانات اخرى بينها منع مجموعات معينة، مثل القادمين من افغانستان ، من الدخول على الحدود.

وسيبين هذا على الاقل ارادة ميركل في ضبط الحدود دون وضع نهاية للحدود المفتوحة في اوروبا.&

ولدى القادة المحافظين خطة تنال تأييدا متزايدا ، بما في ذلك من النمسا.

وتدعو الخطة الى ان تساعد الشرطة الالمانية والنمسوية نظيراتها في سلوفينيا وربما كرواتيا على تأمين الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي.

وسيعاد طالبو اللجوء الذين يحملون جوازات مزورة أو بلا وثائق من حيث أتوا.& والمؤمل ان تؤدي هذه الخطة الى خفض عدد اللاجئين القادمين عن طريق البلقان.

ولكن نقل العبء الى سلوفينيا وكرواتيا يثير جملة مسائل عملية وقانونية.

وسياسيا سيكون ذلك حلا مناسبا يمكن ميركل من التراجع جزئيا دون ان تفقد ماء الوجه ويتيح امكانية التوصل الى حل وسط مع حلفائها المتذمرين من سياستها في الحزب المسيحي الاجتماعي.

وتقول مصادر في وزارة الداخلية الالمانية انها ستبدأ قريبا بدراسة المقترح المدعوم من النمسا "بسرعة وبما يلزم من الامعان".