استغلت موسكو تردد الادارة الامريكية الحالية في الملف السوري وقلبت موازين القوى العسكرية لصالح الاسد

على وقع المعارك والغارات الجوية الروسية والحكومية السورية المكثفة على مدينة حلب شمالي سوريا وريفها، أعلنت الولايات المتحدة أنها علقت المحادثات مع روسيا حول الأزمة السورية، متهمة موسكو بـ"عدم الوفاء بتعهداتها" فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار الذي انهار الشهر الماضي.

الموقف الامريكي جاء بعد سلسلة من التصريحات والاتهامات المتبادلة بين البلدين في اعقاب الهجوم الدامي الذي استهدف قافلة مساعدات تابعة للامم المتحدة اثناء تفريغ حمولتها في بلدة "اوروم الكبرى" على اطراف مدينة حلب في 18 اغسطس/آب، حيث اتهمت حينها واشنطن كلا من موسكو ودمشق بالمسؤولية عن الهجوم.

ورغم ان الاتصالات والجهود الدبلوماسية على مستوى وزيري الخارجية بين موسكو وواشنطن ظلت مستمرة الا انها لم تفلح في انقاذ اتفاق الهدنة الذي توصل اليه البلدان بعد جهود مضنية، والذي وصفه حينها وزير الخارجية الامريكي جون كيري بانه "الفرصة الاخيرة لانقاذ سوريا".

ومنذ انهيار اتفاق وقف اطلاق النار كثفت الطيران الروسي والسوري غاراته الجوية على مدينة حلب، حيث وصل عددها في احد الايام الى اكثر من ستين غارة جوية لم توفر لا المشافي ولا مراكز الاسعاف، بينما استعادت القوات الحكومية مدعومة بالدعم الجوي الروسي الكثيف عددا من المواقع والمناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، مما ضيق الخناق على القسم الشرقي من المدينة الذي تحاصره تماما القوات الحكومية.

وصرح الناطق باسم الخارجية الامريكية جون كيربي "اختارت روسيا والنظام السوري الاستمرار في المسار العسكري"، وقال إن القوات الروسية والقوات الحكومية

السورية "تستهدف البنية التحتية المهمة، مثل المستشفيات، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين ذوي الحاجة".

الاعلان الامريكي عن وقف الاتصالات مع الجانب الروسي احتجاجا على عدم وفاء موسكو بمسؤولياتها الواردة في اطار اتفاق الهدنة حسبما تقول واشنطن، لم يترافق بإجراءات عقابية او تهديدات، بل ردت موسكو بإلغاء اتفاقية التخلص من اليورانيوم الموقعة مع واشنطن.

كما اعلنت موسكو عن اعادة نشر طائرات مقاتلة جديدة في سوريا، مما يشير الى نيتها في زيادة دورها العسكري في وسوريا، وتراجع فرص ايجاد اي تسوية او التوصل الى وقف جديد لاطلاق النار.

ويرى المراقبون ان الحكومة السورية وروسيا تسعيان بشكل حثيث الى طرد المعارضة من مدينة حلب وقلب موازيين القوى العسكرية على الارض قبل اطلاق الجهود الدبلوماسية مستقبلا لاستئناف المفاوضات بين الحكومة والمعارضة برعاية الامم المتحدة.

وما يلفت النظر في هذا الاطار طلب الحكومة السورية من مقاتلي المعارضة الخروج من الجزء الذي يسيطرون عليه وان الاخيرة والقوات الروسية تضمنان سلامتهم في حال رغبتهم بالخروج الى مناطق خارج سيطرة الحكومة.

وتتعرض حلب، أكبر المدن السورية، لقصف جوي مكثف منذ أسبوعين بعد انتهاء وقف إطلاق النار في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تعرض مستشفى الطواريء الرئيسي في حي "الصاخور" الواقع تحت سيطرة المعارضة، الى هجوم جوي للمرة الثالثة في أسبوع واحد وخرج عن الخدمة.

وردا على تعليق الولايات المتحدة محادثاتها مع روسيا، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: "نأسف للقرار الأمريكي"، وأضافت أن "الولايات المتحدة ببساطة لم تلتزم بالشروط الأساسية للاتفاق الخاص بتحسين الأوضاع الإنسانية في حلب" وأشارت إلى أن الولايات المتحدة فشلت في الفصل بين الجماعات المتشددة والمعارضة المعتدلة في سوريا.

وكان تسجيل صوتي لوزير الخارجية الامريكي كيري للقائه بشخصيات سورية معارضة في الولايات المتحدة قد القى الضوء على الخلافات العميقة داخل الادارة الامريكية وشكا من انعدام تهديد باستخدام القوة في حال فشل جهوده الدبلوماسية في تحقيق وقف لاطلاق النار.

الاندفاعة الروسية في سوريا ترافق مع تطبيع العلاقات بينها وبين تركيا المشغولة عسكريا بتطيهر حدودها من تنظيم ما يعرف بالدولة الاسلامية في ريف حلب ولم يصدر عن تركيا اي وقف قوي ضد التصعيد العسكري الروسي في حلب.

المراقبون يرون ان الصمت التركي ازاء ما يجري في حلب هو ثمن عودة علاقاتها مع روسيا الى بعض من سابق عهدها، بينما صمتت موسكو عن التوغل التركي في شمالي سوريا والذي يهدف الى منع تمدد نفوذ المقاتلين الاكراد الى غربي نهر الفرات وصولا الى ريف حلب الشمالي.

  • هل وصلت كل الجهود الدبلوماسية لحل الازمة السورية الى طريق مسدود؟

  • هل تخلت واشنطن والدول الاخرى عن المعارضة السورية؟

  • وما مصير المدنيين المحاصرين في الجزء الشرقي من مدينة حلب؟