محمود الحلبي لاجئ سوري قطع أكثر من 3000 ميل حتى وصل إلى أيرلندا الشمالية. بعد هذه الرحلة الشاقة، لا يحمل أثرا من مسقط رأسه سوى اسمه. طوال 17 شهرا لم ير محمود زوجته أو طفليه حتى اجتمع شمل العائلة مرة أخرى الأسبوع المنصرم لتعيد تأسيس حياة جديدة في مدينة غريبة عليها هي بلفاست. تحدث محمود عن أسباب خروجه من سوريا، قائلا "البقاء هناك يعني إما الموت أو القتال، فلا يوجد خيار آخر". مدينة حلب التي فرت منها العائلة كانت من قبل أكبر المدن السورية والمركز الاقتصادي الرئيسي في البلاد. لكن الآن أصبحت هذه المدينة مدمرة بسبب القصف والقتال بعد ما يزيد عن خمس سنوات من الحرب الأهلية الشرسة. عاشت عائلة محمود في منطقة موالية للرئيس السوري بشار الأسد، لكن بعد أن وصلها القتال أصبحت الحياة صعبة ولم يعد باستطاعتها الوصول إلى ورشة النجارة التي تمتلكها في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة. وفي إحدى المرات أثناء الذهاب للعمل في الورشة تعرض ابن أخيه ويدعى محمد، 18 عاما، إلى إطلاق نار من قناص ليلقى مصرعه. مخاطرة بالحياة مثل العديد من العائلات الأخرى أجبرت عائلة محمود على البقاء في المنزل دون عمل طوال ثلاث سنوات في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وتساقط القنابل في كل مكان حولها. وردا على سؤال حول موقف أقاربه، قال إن لديه "خمسة أشقاء وست شقيقات وفي مثل هذه الظروف وجود عائلة كبيرة يعني فقدان الكثير منها". واضطر محمود لبيع كل معدات ورشته والهرب مع عائلته إلى مدينة غازي عنتاب التركية، ليعيش مع عائلته في مطبخ شقة صغيرة يمتلكها صهره. وأخيرا جاء قراره بالمخاطرة بحياته وعبور البحر المتوسط نحو أوروبا، ودفع ما يعادل 800 جنية استرليني لأحد المهربين لتوفير مكان في قارب بلاستيكي يتسع لحوالي 20 شخصا فقط.. لكنه رفض المضي قدما في المخاطرة عندما رأى القارب يحمل 55 شخصا بينهم أطفال ونساء. وكان قراره السفر عبر أوروبا وليس عبر البحر، وسار في رحلة بدون نهاية وبدون من يرشده للطريق الصحيح واستعان فقط بنظام ملاحة "جي بي إس" في هاتف محمول. وفي المحاولة الأولى للعبور إلى مقدونيا من اليونان سار لأكثر من 30 ميلا مع لاجئين آخرين حتى نزفت أقدامهم. وعن تلك الرحلة يقول "لم يساعدنا أحد لكننا تمسكنا بحلمنا، فقدنا كل المال وكنا نعاني بشدة من التعب لكننا مضينا في طريقنا". ومثل الآلاف غيره انتهى الحال بمحمود في مخيم اللاجئين في كالية بفرنسا. عاش محمود في خيمة طوال أربعة أشهر ونصف، ويقول إنه عرف كثيرين ممن فقدوا حياتهم أثناء محاولة العبور إلى بريطانيا. وباستخدام مهارته في أعمال النجارة، ساهم في بناء مسجد ومكتبة في المخيم، لكنهما دمرا مع إزالة السلطات الفرنسية المخيم الذي عُرف باسم "الغابة". وبعد فترة توصل محمود إلى مهرب ساعده على العبور إلى بريطانيا وأخفاه في شاحنة عبرت به القنال وظل محتجزا بها طوال 18 ساعة بدون طعام. وعن تلك الرحلة قال "لم أتمكن من الذهاب للحمام أو شرب الماء، لكنني أدركت أنها فرصتي الأخيرة، لو فقدتها فلن أتمكن من المحاولة مرة أخرى". وفي إجابته عن أسباب إصراره على العيش في بريطانيا، أوضح "بالنسبة لي أوروبا كلها متشابهة لكن بالنسبة لأطفالي أعتقد أن الحياة أفضل هنا". وفيما يتعلق بالمخاوف العامة في بريطانيا من قدوم اللاجئين والمهاجرين، دافع محمود عن نفسه وعن اللاجئين السوريين قائلا "كنت أمتلك كل شيء أريده في سوريا". وتابع "كان لدي منزل وسيارة وورشة خاصة ومزرعة، كنا نعيش حياة هادئة، ولم نحلم بالقدوم إلى هنا". "يعتقد الناس هنا أن اللاجئين يأتون ليأخذوا كل شيء مجانا، لكنني أتيت للعمل وبناء مستقبلي". ومنذ قدومه إلى بلفاست في ديسمبر/ كانون الأول تعلم محمود الإنجليزية وساعد في أعمال الطهي والزراعة وإصلاح الدراجات في المركز الذي سكن فيه. وعن تعلم اللغة قال إنه عانى أحيانا في نطق لهجة سكان بلفاست وكذلك في تقبل المجتمع له كلاجئ سوري. "سوري وافتخر بشدة" وعن موطنه سوريا قال "كل شخص يشاهد الأخبار يعتقد أن السوريين خطرين، لكنني إذا كنت أحب الخطر لبقيت هناك وشاركت في القتال". وكشف أنه يسمع بأذنيه الناس يتحدثون عنه ويقولون إنه من تنظيم الدولة الإسلامية عندما يسمعونه يتحدث العربية. ويقول عن هذا "أنا سوري وأفتخر بشدة ولن أغير هذا، فهي مشكلتهم وليست مشكلتي". لكنه لم يخف قلقه من تأثير مثل هذه التعليقات على أطفاله. وأعرب عن سعادته بقبول طلب عائلته في برنامج لم شمل الأسرة. وبعد 17 شهرا من الخوف والقلق يأمل في أن يتمكن من بناء حياة جديدة في أيرلندا الشمالية.
- آخر تحديث :
التعليقات