تواترت في الآونة الأخيرة التصريحات التركية من أعلى مستوى، مبدية تصميما وعزما كبيرين على منع "حزب الاتحاد الديمقراطي" السوري الكردي الذي تعتبره أنقرة "ارهابيا" من عبور غرب نهر الفرات. وتتهم تركيا الروس بتحريض ومساعدة الأكراد على فعل ذلك.


إسماعيل دبارة: يبدو أن المواجهة بين تركيا وروسيا منذ اسقاط الطائرة العام الماضي، ستتخذ شكلا جديدا يبدو أقرب للمواجهة المباشرة.

فمنذ دخول روسيا الحرب السورية إلى جانب بشار الأسد، سيطرت قوات النظام السوري على مزيد من المواقع في جبال التركمان في ريف اللاذقية على الحدود السورية مع تركيا، في حين تتقدم الوحدات الكردية باتجاه غرب نهر الفرات لقطع الحدود بين تركيا ومدينة حلب السورية، ما يعني فقدان أنقرة أهم مناطق عمقها الاستراتيجي في سوريا.

هذا الوضع لا يعجب تركيا بتاتا، ويبدو أنها عازمة على "تغييره"، في حين يقول الخبراء إن أنقرة لديها ورقات كثيرة لفعل ذلك.

"العبور الكبير"

تقول الأخبار الواردة من الجبهة، إنّ "وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا" وحلفاءها المحليين وضعوا خططا لشن هجوم كبير يستهدف السيطرة على آخر قطاع من الحدود السورية التركية يسيطر عليه حاليا مقاتلو تنظيم "داعش" الذي تقول تركيا إنها منخرطة في التحالف الدولي الذي يستهدف استئصاله.

ويمكن أن يتسبب الهجوم "الكردي" بحرمان التنظيم من طريق يستخدمه في تلقي الإمداد وإدخال‭‭‭‭ ‬‬‬‬المقاتلين الأجانب.

احدى مقاتلات "حزب الاتحاد الديمقراطي" السوري الكردي الذي تصنفه أنقرة "تنظيما ارهابيا"

لكن هذا الهجوم - إن تمّ- يمكن أن يتسبب بمواجهة مع تركيا التي تقاتل مسلحي الأكراد على أراضيها وتعتبر أكراد سوريا عدوا لها.

تركيا تردّ... إعلاميا

وبعد عام من المكاسب العسكرية التي أسهمت فيها حملة جوية تقودها الولايات المتحدة، أصبح الأكراد وحلفاؤهم يسيطرون بالفعل على الحدود في شمال شرق سوريا مع تركيا التي تمتد من العراق إلى نهر الفرات الذي يعبر الحدود غربي مدينة كوباني، تلك المدينة التي تحولت إلى "أيقونة" لصمود الأكراد في وجه "داعش".

يحرض الاعلام التركي الرسمي ضد الاكراد بشكل لافت، ويتهم روسيا بشكل واضح بالوقوف وراء مساعي الكرد لعبور غرب الفرات.

تقول برقية لوكالة الأناضول التركية: "بدأ "حزب الاتحاد الديمقراطي" - ذراع منظمة "بي كا كا" الإرهابية في سوريا - في الحصول على الدعم الروسي الذي كان يسعى إليه منذ فترة، للعبور إلى غرب نهر الفرات، حيث شنت المقاتلات الروسية غارات كثيفة على مدينة "منبج" الواقعة على الضفة الغربية للنهر، والخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش".

وكان مسلحو "الاتحاد الديمقراطي"، وصلوا إلى نهر الفرات، عقب سيطرتهم على بلدة صرين - التابعة لمنطقة عين العرب (كوباني) في حلب - الشهر الماضي، من يد تنظيم "داعش"، بدعم جوي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

حفل تخرج لدفعة جديدة من قوات حماية الشعب الكردية

سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" التي تشكلت من عدد من الفصائل العسكرية المقاتلة في المنطقة الشرقية بسوريا، بقيادة "وحدات حماية الشعب" وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي"، على "سد تشرين" الواقع على نهر الفرات في حلب، وتحديداً في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وعلى بلدة "أبو قلقل" التي تقع على بعد 9 كم شمال غربي السد.

مخاوف تركيا

تخشى تركيا أن يتسبب مزيد من المكاسب لوحدات حماية الشعب في سوريا بإذكاء النزعة الانفصالية بين أكرادها، خاصة وأن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهذه الاقلية، تبدو في أسوأ حال منذ سنوات.

وتخشى أنقرة أن تؤدي سيطرة الفرع السوري للتنظيم على مناطق حدودية جديدة إلى دعم ومساندة الفرع التركي في إقامة مناطق حكم ذاتي داخل الأراضي التركية.
&
ويتركز الصراع والاشتباكات في المناطق التي كانت تخطط أنقرة لإقامة المنطقة العازلة فيها، حيث تسعى الوحدات الكردية إلى التقدم لغرب الفرات للسيطرة على مدن جرابلس والباب ومنبج التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى أعزاز التي تشهد أعنف المواجهات في الآونة الأخيرة، لضمها إلى الإقليم الكردي وبالتالي الحد بشكل كبير جداً من النفوذ والتأثير التركي في الصراع السوري.

ويتهم النظام السوري وحلفاؤه، أنقرة، بتسهيل عبور مقاتلي "داعش" عبر حدودها، وبشراء النفط من التنظيم مما يعزه من موارده المالية، ويقوّي قدرته على الحشد والتجنيد.

التوجه إلى موسكو

يقول الأتراك إنّ "وحدات حماية الشعب" تسعى منذ مدة، لتعزيز التعاون مع روسيا، بغية إحراز تقدم شمالي محافظة حلب، لاسيما بين مدينتي جرابلس، واعزاز في ريف المحافظة، التي ترغب تركيا في تأسيس منطقة آمنة بينهما.

ويحاول عناصر الاتحاد الديمقراطي السيطرة على مدينة منبج، إلا أن سيطرته مرهونة بالدعم الذي ستقدمه قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، ومواصلة "قوات سوريا الديمقراطية"، حشد قواتها في المنطقة، غير أن عدم وصول الدعم الأميركي له، بعد تأجيل الهجوم البري، أدى إلى توجهه نحو روسيا، التي قامت بدورها بتقديم الدعم للأكراد.

أكدت مصادر دبلوماسية تركية للأناضول، مؤخرا، أن أنقرة حذرت الجانب الأميركي مراراً، من عدم السماح لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، بالتقدم أكثر، بعد وصوله إلى نهر الفرات، مشيرة إلى أن الأخير بدأ يتجه لروسيا،عقب فشله موقتا في الحصول على الدعم المطلوب من واشنطن.

وقال الرئيس رجب طيب إردوغان إنه "لن يسمح بعبور الأكراد".

وتخبر الصحف التركية بشكل متكرر عن قصف مقاتلات روسية شمال شرقي مركز منبج، من جهة سد "تشرين"، الطريق أمام "قوات سوريا الديمقراطية"، للتقدم نحوها، كما أخبرت عن اجراء الأكراد لقاءات مكثفة مع مسؤولين روس، للحصول على دعم جوي، خلال الأسابيع الأخيرة".

تنسيق كردي - روسي

قالت مصادر إنّ الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب، ريدور خليل، التقى مسؤولين روس، في مطار حميميم باللاذقية (شمال غربي سوريا)، في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وطالبهم "بتنفيذ الوعود المتمثلة بتقديم الدعم الكامل ميدانيا لهم، وخاصة، غرب الفرات".

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن وفداً عسكرياً روسياً، أجرى زيارة في 16 يناير/ كانون الثاني الحالي، إلى محافظة الحسكة (شمال شرقي سوريا)، والتقى مسؤولي الحزب، وطلب خلاله بناء منشأة عسكرية للنظام السوري، على بعد 30 كم جنوبي مدينة القامشلي.

وبعدها بخمسة أيام، قام مسؤولون بجهاز الاستخبارات الروسية، بزيارة مطار القامشلي الدولي، بغرض تقوية التنسيق مع الحزب، وفحص العمل في المطار الخاضع لسيطرة النظام، تبعها نقل حوالى 100 جندي روسي من الوحدات الخاصة، الموجودة في بلدة تل أبيض، إلى القامشلي، بحسب تقارير الصحافة التركية.

وتشير المصادر، إلى أن روسيا تشرك النظام السوري أيضا في تعاونها مع "حزب الاتحاد الديمقراطي"، من خلال تقديم الدعم للأخير، وتصر على أن يقبل الحزب سلطة النظام السوري.

وكان ميخائيل بوغدانوف، مساعد وزير الخارجية الروسي، الممثل الخاص للرئيس، فلاديمير بوتين، لمنطقة الشرق الأوسط، التقى صالح مسلم، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، في العاصمة الفرنسية باريس، بعد 11 يوماً من انطلاق الغارات الروسية على سوريا نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي.

وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استقبل بوغدانوف، في العاصمة الروسية موسكو، الرئيسة المشاركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، آسيا عثمان، وممثلين من عين العرب، أعقبه جهود فتح ممثلية للحزب في روسيا.

و كان الرئيس الروسي، قال في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إنه يتعين على حزب الاتحاد الديمقراطي، أن يتحد مع قوات نظام الأسد، داعيًا إياه للقتال إلى جانب النظام في الحرب التي تشهدها البلاد.

ويهدف الحزب، حالياً إلى توحيد عين العرب (كوباني)، مع عفرين، الأمر الذي يتطلب منه السيطرة على منطقتي جرابلس التي تخضع لداعش، وأعزاز التي تخضع للمعارضة المعتدلة.

وكان الحزب، قد تمكن من دحر تنظيم داعش، من منطقة تل أبيض الحدودية مع تركيا، بدعم جوي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، في شهر حزيران/ يوينو الماضي، ليوسع بذلك المناطق الخاضعة لسيطرته، بدءا من الحسكة شرقاً ووصولاً إلى عين العرب غرباً.
&