تشهد مدن عديدة في جنوب تركيا وجنوبها الشرقي ذات الغالبية السكانية من الأكراد حالات توتر وإطلاق نار وحتى معارك بين القوات الحكومية ومقاتلين أكراد، ويبدو أن الأمل في أن يحل السلام في المنطقة أو أن تتفق الأطراف المتنازعة على اتفاق سلام أو هدنة مرة أخرى بعيد جدًا، في الوقت الحالي على الأقل.
إعداد ميسون أبوالحب: كانت المعارك بين القوات الحكومية والمقاتلين الأكراد قد انتقلت إلى المدن منذ انهيار وقف إطلاق النار، الذي دام سنتين في الصيف الماضي.&
&
في ديار بكر مثلًا، التي تقع في جنوب تركيا، غير بعيد عن الحدود مع العراق، يستمر حظر التجول فيها منذ سبعين يومًا، وتدور في هذه المدينة معارك في الشوارع ومن منزل إلى منزل. وفي بلدة سيلوبي الأقرب إلى الحدود مع العراق، أدى القتال إلى تدمير أحياء كاملة. والقصة نفسها تتكرر في سيزري وفي نصيبين.
&
شباب المدن
لاحظت مجلة دير شبيغل أن المواجهات الأخيرة، ومنذ انهيار الهدنة، شهدت استمرار اختباء مقاتلي حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) في جبال قنديل، فيما أصبح شباب المدن والبلدات في المواجهة مع القوات التركية.&
&
بدأ هؤلاء الشباب أولًا استخدام الحجارة وقنابل المولوتوف، ثم ما لبثوا أن نظموا أنفسهم في قوات قتالية متدربة ومسلحة. وتحمل تنظيمات هؤلاء الشباب أسماء مختلفة، حسب مدنهم، ففي ديار بكر مثلًا تحمل المنظمة التي تقاتل القوات التركية اسم حركة الشباب الثوري الوطني (YDG-H)، فيما تحمل اسم وحدات الحماية المدنية أو YPS في بلدة نصيبين.&
&
معظم هؤلاء الشباب هم من أبناء هذه المدن، وهم يعرفون مداخلها ومخارجها جيدًا، ويقومون بنصب كمائن وبزراعة ألغام، كما يختبئ قناصوهم فوق سطوح المنازل لرصد الجنود الأتراك.
&
تقلّ أعمار هؤلاء الشباب عن العشرين عامًا، وهم لا يرتدون سترًا واقية خلال القتال، ولا يرتدون خوذًا، ويبدون مثل قوة ضعيفة إلى جانب القوات الحكومية. مع ذلك تدرك القوات الحكومية أنهم يمثلون قوة لا يستهان بها، رغم أن عددهم الحقيقي غير معروف، وهم يأتون في شكل وحدات أو خلايا تضم كل واحدة منها خمسين مقاتلًا ومقاتلة، وتكلف كل واحدة منها بالدفاع عن أحد الأحياء السكنية.
لا قضية بل "إرهاب"
كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد تعهد تطهير المنطقة من "الإرهاب"، وهو يستخدم من أجل ذلك أساليب عنيفة، أدت ولا تزال تؤدي إلى سقوط ضحايا، لاسيما من المدنيين. إردوغان قال في أحد تصريحاته: "ليست هناك قضية كردية"، بل هناك "مشكلة إرهاب فقط". أما المقاتلون الأكراد فيعتبرونه دكتاتورًا حقيقيًا، ويشبّهونه بهتلر.&
&
وكان سلام قد قام بين الطرفين منذ أن دعا عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني التركي (بي كي كي) مواليه إلى وقف إطلاق النار. وبالفعل تم التوصل إلى هدنة، تمكنت من الصمود على مدى عامين، غير أن هجومًا أسقط عشرات القتلى في بلدة سروج في الجنوب، من المعتقد أن وراءه تنظيم داعش، ثم قيام حزب "بي كي كي" بقتل ضباط أتراك انتقامًا لذلك الهجوم، مع اتهام الحكومة بالتعاون مع تنظيم داعش، دفع إردوغان إلى إلغاء وقف إطلاق النار وإلى معاودة الهجمات على مواقع "بي كي كي" في صيف العام الماضي.&
&
وقعت هذه الأحداث بعد خسارة إردوغان وحزبه، حزب التنمية والعدالة، غالبيته المطلقة في انتخابات شهر حزيران (يونيو) 2015 التي شهدت حصول حزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد على 13% من الأصوات، وهو ما سمح له بدخول البرلمان التركي للمرة الأولى. وبعدها دعا إردوغان إلى انتخابات جديدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 استعاد فيها حزب العدالة والتنمية الغالبية المطلقة في البرلمان.&
&
هذا ومن المعروف أن إردوغان لا يريد أن يسمع أي حديث عن إنشاء دولة كردية مستقلة أو حتى ذات حكم ذاتي، ليس فقط داخل تركيا، إنما في الدول المجاورة أيضًا، مثل شمال العراق وشمال سوريا. لا يتبادل إردوغان أطراف الحديث على الإطلاق مع نواب حزب الشعب الديمقراطي المناصر للأكراد، ويعتبر أنهم مجرد امتداد لحزب "بي كي كي"، الذي تعتبره أنقرة حزبًا "إرهابيًا".&
&
بي كي كي
نقلت دير شبيغل عن شباب أكراد يحاربون القوات التركية في هذه المدن والبلدات قولهم إنهم يتلقون تدريباتهم على يد مقاتلي "بي كي كي"، وهو ما يناقض ما أعلنه "بي كي كي" نفسه عن عدم وجود أي علاقة له بهذه التنظيمات المسلحة داخل البلدات والمدن.&
&
دير شبيغل نقلت أيضًا عن عدد من القادة الأكراد قولهم إن السياسة التي يتبعها إردوغان هي التي تدفع الشباب إلى أحضان حزب "بي كي كي". عمر مثلًا شاب عمره 19 عامًا التحق بتنظيمات الشباب في بلدة نصيبين، بعدما كان يعيش ويعمل في إسطنبول. دير شبيغل نقلت عن هذا الشاب قوله إن إردوغان لا يختلف عن هتلر، ثم أقر بأنه تلقى تدريبه لدى خلية تابعة لبي كي كي في إسطنبول. وعند سؤاله عن الأسلحة، وكيف يحصلون عليها، قال إن كل شيء قابل للتهريب.
&
وذكرت الصحيفة إن هناك نفقًا ينطلق من أرضية أحد منازل نصيبين يمتد إلى سوريا، ويبدو أن هذا النفق يستخدم لنقل كل شيء من أسلحة إلى نقود إلى ملابس واحتياجات أخرى. وقال شباب التنظيم في البلدة إن "بي كي كي" يزودهم بكل شيء، وبأكثر مما يطلبون.&
&
ولاحظت المجلة أن معظم المقاتلين في سن صغيرة بشكل ملفت للنظر، رغم أن "بي كي كي" يقول إنه لا يقبل مقاتلين صغارًا أو نساء لديهن أطفال أو شباب متزوجون. الشباب صغار، حسب دير شبيغل، ولكنهم يعرفون الكثير، ولديهم معلومات واسعة عن التاريخ وعن أوجلان وعن أمور أخرى كثيرة، وهم يقولون إن هذه فرصة تاريخية تسنح لهم لتحقيق ما يريدون، غير أنهم لا يطالبون رسميًا بإنشاء دولة، بل بحكم ذاتي ديمقراطي، ينقل بعض صلاحيات الحكومة المركزية على الصعيد الإداري إلى مناطقهم. وهم يطالبون أيضًا بنهاية الرأسمالية. &
&
وأنهت دير شبيغل تقريرها بالقول إن إردوغان وعد بتطهير أحياء نصيبين من "الإرهابيين" بحلول الربيع، فيما يخطط "بي كي كي" للرد بهجوم ضخم في الربيع أيضًا. في هذه الأثناء يعتقد الكثيرون في المنطقة أن مقاتلي "بي كي كي" المخضرمين المختبئين حاليًا في جبال قنديل سيهبطون عندئذ إلى المدن لتبدأ المعركة الحقيقية.
&
التعليقات