يرى محللون أن الحملة الجوية التي تشنها تركيا منذ شهر ضد عدوها التاريخي المتمثل في حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد وشمال العراق ستضعف المتمردين الأكراد، لكنها لن تتمكن من القضاء عليهم.


إيلاف - متابعة: تشكل هذه الحملة الجوية التركية أيضًا مجازفة بإدخال البلاد في تصعيد أمني من الصعب السيطرة عليه، ومن شأنه أن يطيح بأي فرصة للتوصل إلى تسوية نهائية تنهي تمرد حزب العمال الكردستاني، المستمر منذ أكثر من 30 عامًا، خاصة بعد مقتل حوالى 50 عنصرًا أمنيًا تركيًا في هجمات نسبت إلى حزب العمال الكردستاني في الشهر الماضي.

جر للمفاوضات
وتأمل حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان بتحقيق انتصارات سياسية حاليًا، خاصة مع تحضير حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة غالبًا في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، إثر خسارته الغالبية المطلقة في انتخابات حزيران/يونيو للمرة الأولى منذ توليه الحكم في 2002.

الهدف من هذه الحرب، بحسب سونر جاغابتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، "ليس القضاء على حزب العمال الكردستاني أو قياداته أو استفزازه للدخول في حرب شاملة، بل لإضعافه ليجبر على العودة إلى طاولة المفاوضات بموقف ضعيف". لكن الأمر ليس مجرد اختبار، بل هناك العديد من العوامل، التي من شأنها أن تخرج الوضع عن السيطرة، وفق ما يقول جاغابتاي لوكالة فرانس برس.

وقتل ثمانية جنود أتراك الأربعاء في تفجير عبوة عن بعد وضعها متمردو حزب العمال الكردستاني في محافظة سيرت في جنوب شرق البلاد، في أكثر الهجمات دموية منذ بدء أعمال العنف. وأطلقت تركيا "حربا على الارهاب" ضد الجهاديين والمتمردين الاكراد في آن بعد هجوم انتحاري في 20 تموز/يوليو نسب الى تنظيم الدولة الاسلامية في مدينة سوروتش، واسفر عن مقتل 33 ناشطا مؤيدا للاكراد، في اكثر الاعتداءات دموية في تركيا منذ سنوات.

أرقام مضخمة
اثار هذا الاعتداء رد فعل من حزب العمال الكردستاني ضد السلطات، حتى ان متمردين اكرادا اطلقوا النار على شرطيين اثناء نومهم. اما انقرة فبدأت حملتها الجوية في 24 تموز/يوليو ضد المتمردين الاكراد في شمال العراق وتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، الا ان الغارات التركية لم تستهدف الجهاديين على نحو يذكر، وذلك لاسباب تعود الى تنسيق بين الطرفين، وفق ما يقول مسؤولون اميركيون واتراك. وفي المقابل تقصف مواقف المتمردين الاكراد بشراسة.

وبحسب آخر حصيلة نشرتها وكالة الانباء التركية الرسمية الاناضول، فان 771 عنصرا من حزب العمال الكردستاني قتلوا في الحملة التركية، من بينهم 430 في غارات استهدفت شمال العراق. ويشكك محللون في هذه الارقام، مشيرين الى استحالة ان يسقط هذا العدد الكبير من مقاتلي حزب العمال الكردستاني من دون حملة برية شاملة.

في هذا الصدد يقول ديفيد رومانو الاستاذ في شؤون الشرق الاوسط في جامعة ميزوري وصاحب كتاب "الحركة القومية الكردية" (كيرديش ناشيونال موفمنت) ان "حزب العمال الكردستاني خسر على الارجح عشرات في البداية، لانه لم يكن يتوقع سلسلة من الغارات الجوية المفاجئة والشديدة. ولكن لدى العمال الكردستاني الكثير من الخبرة في التشتت والاختباء من الجيش التركي".

3 مجموعات
وبحسب الاناضول، فان القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني توزعت على ثلاث مجموعات، توجهت احداها الى شمال سوريا، واخرى بقيت في العراق، والثالثة فرت الى شمال غرب العراق، وتضم القيادي في الحزب مراد قره يلان. وليس هناك اي دليل يؤكد تلك المعلومات.

ويقول جاغابتاي "في غياب عملية موازية عبر الحدود بمشاركة القوات البرية، فان الغارات الجوية ليست فعالة سوى الى حد معين وهي رمزية اكثر منها مسببة بتعطيل قدرات العمال الكردستاني".

ويعتبر محللون ان اردوغان قد يستغل الوضع للضغط على حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للاكراد، في الانتخابات المبكرة عبر التشديد على علاقته بحزب العمال الكردستاني، ويأمل بذلك ان يميل الناخبون الى حزبه حزب العدالة والتنمية. وبالنسبة الى اردوغان فهذه فرصة لاحداث تغيير في تركيبة البرلمان الحالي عبر الانتخابات المبكرة، وفق جاغابتاي.

أفق مسدود
وبدأ تمرد حزب العمال الكردستاني الماركسي اللينيني في 1984 عندما رفع السلاح في وجه السلطات التركية للمطالبة بحقوق الاكراد، واسفر التمرد عن سقوط عشرات آلاف القتلى. وفي البداية طالب حزب العمال الكردستاني باستقلال اكراد تركيا في جنوب شرق البلاد. اما اليوم فهو يدعو الى حكم ذاتي ومنح الاكراد المزيد من الحقوق.

وفي العام 2013 اعلن الزعيم التاريخي للحزب عبد الله اوجلان عن اتفاق لوقف اطلاق النار مع انقرة، الا انه سقط مع اندلاع اعمال العنف أخيرًا. واوجلان معتقل في جزيرة تركية منذ نجحت القوات الخاصة بتوقيفه في كينيا في العام 1999. وفي ما يتعلق بعملية السلام، اعتبر مسؤول تركي انها "صعبة جدا". وقال "طالما ان حزب العمال الكردستاني يمتنع عن وضع برنامج محدد لنزع السلاح، فان العمليات العسكرية ستستمر".

وليس معروفًا كيف من الممكن استئناف المفاوضات، خاصة ان اوجلان ممنوع عن الزيارات، وتم ابعاده اصلا عن العملية. ولذلك، يقول رومانو ان "المفاوضات ستكون اصعب، فبعد اليوم سقطت الثقة" بين الطرفين.

ضرورة الإصلاح
وتشرح بينار المان المحللة التركية في المعهد البولندي للعلاقات الدولية، ان الماضي اظهر ان الوسائل العسكرية ليست كافية لهزيمة حزب العمال الكردستاني، بل ان الاصلاحات ضرورية.

واضافت ان "حزب العمال الكردستاني يستفيد من القضية الكردية في تركيا، لذلك على السلطات ان تسأل نفسها كيف نجح حزب العمال الكردستاني في تجنيد المزيد من الشباب بالرغم من عملية السلام".

&


&