كان اثنان من منفذي عمليات الجمعة الدامية في باريس من "الإرهابيين" الذين تسللوا إلى أوروبا بصفة طالبي لجوء. وقبل يومين، قال مدير الأمن في برلين إنه ينتظر حصول "بوووم" في العاصمة الألمانية في أي لحظة.
ماجد الخطيب: في مواجهة المخاطر الناجمة من تسلل "الإرهابيين" بين موجات اللاجئين، تعود شركة "آي بي أم" من جديد إلى أنظمة الكشف المبكر عن المجرمين، التي طرحت بقوة في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. ونقلت مجلة "ديفينس وان" العسكرية المتخصصة عن شركة "آي بي أم" تطويرها برنامجًا قادرًا على تمييز "الإرهابيين" المحتملين من اللاجئين الاعتياديين.
&
أطلقت الشركة على البرنامج اسم i2 EIA أو (Enterprise Insight Analysis). وقالت إنه يميّز "الإرهابيين" من خلال المعطيات المتوافرة حول شخصياتهم ومدنهم وأمراضهم... إلخ، كما يعتمد أيضًا على تقارير الشرطة الدولية والتقارير الصحافية واعترافات "الإرهابيين" للتأكد من شخصياتهم.
&
يمنح الكومبيوتر، من خلال مقارنة البيانات المختلفة، درجة خطورة تميز اللاجئين من "الإرهابيين". ويضمن البرنامج دقة عالية للمستخدمين، ووصف أندرو بورين، رئيس القسم الاستراتيجي في "آ بي أم"، هذه الدقة بأنها مثل "رصيد عال" ينخفض ويصعد مع انخفاض وتصاعد المخاطر.
&
في ألمانيا، انتتقد بروس شراير، الخبير في "الإرهاب"، برنامج "آي بي أم". وقال إن خطر الأحكام المسبقة على الناس فيه عال. ويرى شراير في مثل هذه البرامج اختصارًا للاجئين من بشر يبحثون عن الأمان إلى مجرد أرقام في حاسوب. أضاف: "عدد الإرهابيين المتسللين بين اللاجئين صغير جدًا، هذا يسمح، حسابيًا، بتعميم الشكوك على عدد كبير من الناس".
&
المسطرة الألمانية
معروف أن السلطات الألمانية استخدمت طريقة "المسطرة" في السبعينات للكشف عن أعضاء منظمة بادر ماينهوف وخليفتها "جناح الجيش الأحمر". كما طبقتها وزارة الداخلية في القرن الواحد والعشرين طريقة للتنبؤ بـ"الإرهابيين" في إطار الحرب على "الإرهاب" بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001. ويبدو أن المسطرة "القديمة" لا تختلف كثيرًا عن الأرشيف الإلكتروني لـ "آي بي أم"، الذي يجمع عناصر معينة تشي بشخصية المطلوب للعدالة.
&
المسطرة في عمليات التجسس القديمة عبارة عن لوح رقيق من المعدن بحجم الورقة الاعتيادية، وفيه ثقوب مستطيلة في مواقع معينة. يكتب رئيس الجاسوسية إلى الجاسوس رسالة عادية تتحدث عن الأهل والقرية... إلخ. يغطي الجاسوس الرسالة "العادية"، التي تأتيه من مسؤوله، باللوح، ويجمع الكلمات التي تظهر في الثقوب المستطيلة، ليجمع منها الرسالة السرية، وليحصل على تعليماته الجديدة.
&
من النقاط التي تعبرها الشرطة الألمانية مؤشرًا إلى وجود ميول "إرهابية": زيارة المساجد باستمرار، تربية اللحية، استخدام التحويلات المالية البريدية بدلًا من البنوك، التنقل من الشقق باستمرار، تأدية الزيارات الغامضة إلى أفغانستان... إلخ. ينتقي الكومبيوتر هذه الكلمات ويجمعها في نظام يشبه المسطرة كي يتنبأ بجاهزية الفرد "للإرهاب" أو الجريمة.
&
تنبؤ علمي أم قراءة فنجان؟
يرى فرانك روبرتس، رئيس معهد الوقاية من الجريمة (ألمانيا)، أن التنبؤ بالجرائم قبل حدوثها ليس أكثر من "قراءة فنجان". واعتبر روبرتس الأفكار الأميركية حول تأسيس قسم الإنذار من الجرائم قبل وقوعها "دعاية تجارية وسينمائية" لا تختلف عن مسلسل "بروفايلر" الذي يعرضه التلفزيون الألماني.
&
شكك الباحث بوجود خواص معينة يمكن تجميعها لتشي بالميول الإجرامية المستقبلية للإنسان، إذ يطلق علماء الجريمة، الذين يؤمنون بأرشفة المجرمين قبل ارتكابهم الجرائم، في الولايات المتحدة على العملية اسم "التنبؤ العلمي"، وفي بريطانيا اسم "الكشف المبكر"، وفي ألمانيا "الوقاية من الجريمة"، لكنها تعابير مختلفة عن عملية واحدة، وهي عملية خزن المعلومات عن المجرمين في الكومبيوتر، والكشف عن خطورة ارتكابهم المزيد من الجرائم من خلال انطباق بعض العناصر المعلوماتية والنفسية والطبية...إلخ.
&
المسطرة تفشل أمام الدستور
طعنت محكمة الدستور الألمانية في العام 2006 في شرعية استخدام السلطات الأمنية لـ "المسطرة" في الكشف عن "الإرهابيين النائمين". وحددت المحكمة البحث عن "الإرهابيين" بوساطة المسطرة في الحالات التي يشكل فيها المشتبه فيه خطرًا على الحياة وعلى استقرار الدولة الألمانية.
&
جاء في قرار المحكمة آنذاك "أن حالة تهديد عامة، كالتي حدثت بعد العمليات "الإرهابية" يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، أو حالة توتر سياسي خارجي، لا تكفي لتبرير استخدام المسطرة في الكشف عن المشتبه فيهم".
&
ورأى قضاة المحكمة أن وحدات مكافحة "الإرهاب" طبقت طريقة "المسطرة" على الناس، رغم عدم وجود تهمة ثابتة تدينهم. وصوّت 6 من مجموع 8 قضاة في محكمة الدستور الأولى لمصلحة القرار الذي يعتبر ضربة قوية لقوانين الطوارئ التي أصدرتها وزارة الداخلية بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر).
&
وكان قرار المحكمة استجابة لطلب طالب مراكشي شملته التحقيقات بسبب طريقة "المسطرة"، تقدم بشكوى إلى محكمة الدستور الاتحادية ضد الطريقة العشوائية التي طبقت على أكثر من 5 ملايين إنسان (بين 18و40 سنة) في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا.
&
على هذا الأساس، يبدو أن i2 EIA لا يملك حظًا كبيرًا في ألمانيا، لكن الواقع يكشف أن الكثير من القرارات التي رفضتها محكمة الدستور، مثل إنزال الجيش الألماني إلى الشوارع عند الحاجة، قد تتغيّر بمجرد حصول "بوووم"، بحسب تعبير مدير أمن برلين بيرند بالندا.
&
التعليقات