تكتسب زيارة الأمير محمد بن نايف إلى فرنسا أهمية استثنائية في توقيتها ومضمونها، لا سيما وأنها تترافق مع تطورات سياسية كبيرة، إنطلاقًا من الهدنة في سوريا والتوتر المتعاظم مع ايران وحزب الله، مرورًا بمكافحة الإرهاب والأزمة السياسية المستجدة مع لبنان، وصولًا إلى قرار الاتحاد الأوروبي حول وقف توريد الأسلحة إلى الرياض.&
&
باريس: وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز إلى فرنسا، يوم الخميس، في زيارة رسمية يلتقي خلالها كبار المسؤولين الفرنسيين، وقد أجمعت مصادر الطرفين على وصفها بأنها زيارة «بالغة الأهمية»، كونها ستتناول عددًا كبيرًا من الملفات المشتركة، وفي طليعتها مكافحة الارهاب، والموقف من التدخل الإيراني المباشر أو بالوكالة في شؤون الدول العربية، من سورية إلى اليمن مرورًا بدول الخليج.
&
كما ويناقش الطرفان أولويات الاجتماع الثالث للجنة الثنائية المشتركة بين البلدين، المقرر انعقاده في نيسان (ابريل) المقبل في باريس برئاسة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، إضافة إلى تعزيز التشاور والتنسيق بين البلدين في المسائل كافة.
&
&
الموقف من إيران
&
ولا شك في أن مسألة حزب الله والتهديدات المستمرة التي يطلقها ضد السعودية ودول الخليج الأخرى، وإعلان السعودية تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، ستكون مادة للبحث على أجندة الزيارة، وكانت فرنسا أبلغت المملكة العربية السعودية الأربعاء أنها أخذت علمًا بقرار مجلس التعاون الخليجي حيال حزب الله.&
&
ولا ينفصل الموقف من حزب الله عن الموقف من إيران، لا سيما بعد الكشف عن خلايا إيرانية تحضر لأعمال تخريبية في بعض الدول الخليجية، ومنها ما يحركها حزب الله، علمًا أن فرنسا تمارس سياسة انفتاحية تجاه إيران منذ توقيعها اتفاق جنيف النووي مع الدول الكبرى، وهذه السياسة ستكون قيد البحث، خصوصًا أن السعودية تحشد حلفاءها الغربيين في صراعها الاقليمي مع إيران، ولفرنسا مكانة رفيعة بين هؤلاء.
&
وكانت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أثارت موضوع هذه العلاقات من منظار فوز الاصلاحيين في الانتخابات البرلمانية الإيرانية، لكنها قالت إن السياسة الخارجية لإيران لن تتغير، لأن قدرات الرئيس حسن روحاني بشأن توجيه السياسة الخارجية ستظل هامشية في ظل وجود المرشد الأعلى علي خامنئي، وأضافت: "ستبقى الأهداف الأساسية للدبلوماسية الإيرانية واضحة، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، وهي الحفاظ على أمنها وطموحاتها في منطقة الخليج، بالإضافة إلى تعزيز تحالفها الاستراتيجي مع النظام السوري والتوسع في نفوذها داخل العراق"، وهذا ما سيكون مثار بحث في اللقاء الذي يجمع بن نايف مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
&
الأزمة اللبنانية
&
ضمن هذا السياق، وفي مسألة تتصل بالملف الإيراني، سيكون لبنان على أجندة اللقاءات السعودية – الفرنسية، وقد نقلت صحيفة "النهار" اللبنانية عن مصادر دبلوماسية قولها إن تعليق الآمال على زيارة بن نايف إلى فرنسا ولقائه هولاند لجهة تحرير الهبة السعودية، التي كانت مقدمة إلى الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، لن يؤدي إلى نتيجة، لا سيما في ظل بلوغ التشنج الايراني - السعودي ذروته.
&
وأضافت هذه المصادر: "مع بروز معطيات مفادها أن الجانبين، السعودي والفرنسي، سيثيران المستجدات في ضوء قرار وقف اطلاق النار في سوريا وتداعيات ذلك على لبنان، تتجه الانظار مجددًا الى المساعي الفرنسية لحل الازمة اللبنانية، لا سيما من خلال قرار باريس ايفاد مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية، جيرار بونافون، الى المنطقة بهدف الدفع نحو إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، ومعلوم ان مهمة "بونافون" تستكمل التحرك الذي قام به الموفد الفرنسي السابق جان فرنسوا جيرو باتجاه الرياض وطهران.
&
وكانت صحيفة "الحياة" قد نقلت عن مصادر مطلعة على الملف اللبناني في باريس، أن إيرولت ووزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان ارسلا بونافون والمستشار الديبلوماسي للودريان لوي فاسي الى الرياض الأربعاء لتسليم رسالتين من الوزيرين الى نظيريهما السعوديين، وفحواهما أن باريس تأخذ علمًا بإيقاف الهبة السعودية إلى الجيش اللبناني، "وينبغي النظر في كيفية التعامل التقني مع تحويل المعدات إلى المملكة العربية السعودية"، وأضافت: "صحيح أن القرار خاص بالسعودية، لكن باريس تطلب ان تبقى الرياض حريصة على مصالح اصدقائها المشتركين في لبنان، وأن تُبقي الباب مفتوحًا للعودة عن القرار إذا بادر الأصدقاء اللبنانيون بتحرك تجاه المملكة لتصحيح ما حصل"، فيما قال المصدر إن السعودية اتخذت هذا القرار لأنها ترى أن لبنان وجيشه باتا تحت سيطرة حزب الله.
&
&
مكافحة الإرهاب
&
إلى ذلك، ثمة ملف ساخن آخر سيكون مثار بحث في اللقاءات السعودية في باريس، وهو ملف مكافحة التطرف والارهاب من خلال التعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الرياض وباريس، وهذه مسألة بالغة الأهمية، خصوصًا أن باريس كانت هدفًا لعدد من العمليات الارهابية، التي أدت إلى وقوع مجموعة كبيرة من الضحايا، وانتجت سياسة فرنسية، وبالتالي أوروبية، متشددة تجاه المسلمين، الأمر الذي عزز الاسلاموفوبيا المستشرية في الغرب.
&
ويشكل تبادل المعلومات الأمنية بين الرياض وباريس خطوة إضافية في التعاون بين البلدين في مواجهة التنظيمات الارهابية المتطرفة، التي تهدد أمن السعودية بقدر تهديدها الأمن الفرنسي والأوروبي.
&
كما سيتم التفاوض حول قرار الاتحاد الأوروبي حظر توريد الاسلحة إلى السعودية، وستطلب السعودية من المسؤولين الفرنسيين اتخاذ موقف حاسم من هذه المسألة، تمامًا كموقف دافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي رفض القرار وأعلن استمرار بلاده في بيع السلاح إلى السعودية.
&
مرحلة استراتيجية&
&
وكان برتران بزانسنو، السفير الفرنسي في السعودية، قال إن قصر الإليزيه سيشهد أحد أهم ملامح العمل المشترك بين الرياض وباريس على مختلف الصعد، وأن التحالف السعودي - الفرنسي يدخل مرحلة استراتيجية جديدة.
&
وقال خالد العنقري، السفير السعودي في فرنسا، إن من نتائج هذه الزيارة توثيق العرى التاريخية بين البلدين، واصفًا العلاقات القائمة بين الرياض وباريس بأنها «قوية واستراتيجية». وأكد أن العلاقات بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وأضاف: "الأحداث والتطورات في المنطقة تثبت كل يوم عمق العلاقات بين البلدين من خلال التشاور المستمر لإيجاد أفضل السبل لحل القضايا التي تعصف بعدد من مناطق العالم، وأولاها منطقة الشرق الأوسط".
&
ويرى العنقري أن أحد الأسباب التي تدفع لتوثيق العلاقات بين الرياض وباريس يكمن في أن للعاصمتين "وجهات نظر متطابقة حول كثير من القضايا"، معتبرًا أن سقف طموحاته لدفع هذه العلاقات نحو مزيد من التقدم والتطور "لا حدود له"، كما ونوه بـ "التطابق التام في الرؤى والمواقف" بين السعودية وفرنسا في الملف السوري، الذي سيشكل الطبق الرئيسي في المباحثات المشتركة، وأضاف: "العمل والتنسيق الدوري بين السعودية وفرنسا في ما يخص الأزمة السورية تحديدًا سيبقى في أعلى مستوياته، حتى انتهاء هذه المأساة الإنسانية".

&