في الذكرى الحادية عشرة على انسحاب الجيش السوري من لبنان، يؤكد البعض أن سوريا لم تنسحب فعليًا، بدليل تدخّل حزب الله في سوريا، التي ما زالت تعتبر السبب الرئيسي للكثير من المشاكل العالقة في لبنان.

بيروت: في 26 نيسان /إبريل من العام 2005، حصل ما لم يكن أحد من اللبنانيين يتوقعه، فقد انسحب الجيش السوري من البلاد بعدما أحكم سيطرته عليها طوال ثلاثة عقود، وما كان يُعتبر "حلماً" صعب المنال بالنسبة للبعض أصبح حقيقة واقعة.

ففي أيلول /سبتمبر من العام 2004، أقرّ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559 الذي يدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان وحلّ الميليشيات ونزع سلاحها وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضيها، وترافق صدور هذا القرار مع ضغط دولي غير مسبوق، خصوصًا من قبل الولايات المتحدة برئاسة جورج بوش وفرنسا برئاسة جاك شيراك الذي كان صديقاً مقربًا لرئيس الحكومة اللبناني الاسبق رفيق الحريري، من أجل استعادة سيادة لبنان.

وأتى اغتيال الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 ليفجّر موجة غضب ضد الوجود السوري والنظام الأمني اللبناني-السوري، توّجت في التظاهرة المليونية في 14 آذار، والتي أدت الى خروج الجيش السوري في 26 نيسان/إبريل من العام 2005.

وهكذا خرج الجيش السوري من لبنان، ولكن بعد 11 عامًا ها هم مقاتلو "حزب الله" مستمرون في التدخل في سوريا، وها هم اللاجئون السوريون يشكلون أزمة إقتصادية سياسية وأمنية في لبنان، وبعد 11 عامًا ما زال اللبنانيون منقسمين بقوة حول الأزمة السورية التي كادت تشعل حربًا جديدة في هذا البلد.

بعد 11 عامًا، خرجت سوريا من لبنان، لكنها لا تزال هي المشكلة.

سلطة الوصاية

بعد 11 عامًا على خروج سوريا من لبنان، ما الذي تغيّر اليوم؟ يقول النائب أمين وهبي (المستقبل) لـ"إيلاف"، إن سلطة الوصاية تغيّرت اليوم في لبنان، كانت سلطة الوصاية مباشرة على اللبنانيين يمثلها الجهاز الأمني السوري اللبناني، بعد خروج الجيش السوري نُقلت الراية بالهيمنة على الدولة اللبنانية إلى حزب الله مباشرة، وبالتالي اكتُشف الدور الحقيقي لحزب الله، لأن بعد العام 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان، تم مد اليد إلى حزب الله من قبلنا على أمل أن يلمس رغبتنا في أن نتشارك معه في بناء دولة حقيقية لكل اللبنانيين".

تابع: "وحزب الله لم يلاقِنا إلى منتصف الطريق، وذهب ليقوم بالدور الذي كان يقوم به الجهاز السوري، وما تغيّر أيضًا أن النظام السوري في الوقت الذي كان يتدخل في شؤون الدول المحيطة ويزايد على كل القوى السياسية في المنطقة، ابتلي بأن شعبه قد انتفض عليه، حتى لو استطاع أن يشوّه صورة هذه الانتفاضة، فإن الواقع الذي تغيّر اليوم هو أن الشعب السوري قد انتفض على النظام وكسر خوفه، وهذا النظام مهما بلغ من قوة، فإنه مع كل من يدعمه لن يستطيع أن يرمم الأعطال التي أصابت بنيته".

بدوره، يرى النائب نعمة الله أبي نصر ( تكتل عون) في حديثه لـ"إيلاف"، أن انسحاب الجيش السوري من لبنان شكّل إعادة القرار السياسي الى اللبنانيين، بمعنى أن الاستقلال بمعناه الصحيح تحقّق حينها، وتحقّق رفع الوصاية وانهاء شعار "الوجود السوري شرعي وضروري وموقت".

خروج سوريا

هل يمكن القول إن سوريا خرجت نهائيًا من لبنان أم لا تزال تتدخل بطريقة غير مباشرة؟ لا يعتقد وهبي أن سوريا خرجت من لبنان، فهي ما زالت تتحالف مع بعض الأطراف اللبنانيّة، غير أن الخطوة التدخليّة في سوريا أصيبت بأعباء كثيرة، لأن التدخّل أصبح باتجاه معاكس، أي أن حزب الله اليوم الذي كان في وقت من الأوقات يدعمه النظام السوري في هيمنته على لبنان، اليوم حزب الله يذهب إلى سوريا ليدعم هذا النظام، وبالتالي ليستمر هذا النظام صامدًا ولو شكليًا.

وبالتالي يعتقد وهبي بأن هذا التحالف الذي يمتد من إيران مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان، لا يزال يتدخّل في لبنان، والواقع هو نفسه، ومن يدفع الثمن هو المواطن اللبناني الشريف، والدولة اللبنانيّة وانتظام عمل الدستور والمؤسسات هي من تدفع الثمن، واليوم في أيام سطوة حزب الله والنفوذ الإيراني، الذي يدفع الثمن هو المواطن اللبناني والدولة اللبنانيّة.

ويضيف وهبي:"ما نعيشه من فراغ دستوري اليوم هو بسبب هذا النفوذ الإيراني الممتد إلى لبنان، ويرى هذا النفوذ الإيراني أن الإستحقاق الرئاسي بمثابة ورقة وهو يحدد متى يلعبها".

ويلفت أبي نصر في هذا الخصوص إلى أن الانسحاب السوري من لبنان شكّل أيضًا تحديًا للبنانيين، إذ أصبح قرارهم بيدهم، فإذا تعثروا بعد هذا القرار من خلال عدم استطاعتهم إصدار قرار إلا بوحي من الخارج سواء كان سوريًا أو غيره، فإن هذا التحدي يكون لم ينفع اللبنانيين بشيء.

ويضيف أبي نصر :" كانوا يقولون إن قانون الانتخاب كان يصنع في الشام ويُنفذ في بيروت، مفترض أن يصنع وينفذ اليوم في بيروت، وأي قرار داخلي يجب أن يكون من انتاج لبنان وتصنيعه فقط".

اللاجئون السوريون

خرجت سوريا وعاد اللاجئون السوريون إلى لبنان، في هذا الصدد يرى وهبي أن اللاجئين هم أخوة وصحيح أن لبنان يتحمّل بوجودهم أكثر من طاقته ولكن نحن نحمّل المسؤوليّة ليس لهذا النازح الذي هرب من القتل والدمار، بل إلى هذا النظام السوري الذي لم يمتهن سوى إذلال المواطن السوري.

ويضيف وهبي :" يجب حماية اللاجئين وتنظيم وجودهم وإبعادهم عن أي شكل من أشكال الإستغلال، من أجل تأمين عودتهم إلى بلادهم ساعة تسمح لهم الظروف بذلك".

ويلفت وهبي إلى أن هناك بعض حالات للاجئين تخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية، وهذا ينعكس على الجو السياسي في لبنان.