اشتكى بعض المواطنين العراقيين من تدخل السفير الايراني في بغداد بالعملية السياسية، معتبرين بأنه الحاكم الفعلي للعراق، فيما أشار آخرون إلى أن البلاد باتت مشرعة أمام جميع أنواع التدخلات التي تُمارسها غير دولة في الاقليم والعالم.
بغداد: قال مواطنون عراقيون ان الازمة البرلمانية الاخيرة اكدت بما لا يقبل الشك ان من يحكم العراق هو السفير الايراني في بغداد، وان الساسة العراقيين مجرد ادوات تطيع وتنفذ اوامره، معربين عن استغرابهم من "التدخلات الايرانية السافرة" بالشأن العراقي.
وأفاد مواطنون عراقيون ان السفير الايراني لدى العراق حسن دنائي فر هو الحاكم الفعلي للعراق وليس العبادي او معصوم او سليم الجبوري، مؤكدين أن ازمة مجلس النواب الاخيرة كان يحركها السفير الايراني وهو الذي اعاد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الى منصبه بعدما اعطى الضوء الاخضر لزعيم التيار الصدري بالانقلاب على النواب المعتصمين، معربين عن اسفهم لسير العراق من سيء الى اسوأ بفعل التدخلات الايرانية وضعف السياسيين العراقيين الذين لا يفكرون الا بمغانمهم الحزبية والشخصية، مشيرين الى اعتراف نائب رئيس الوزراء السابق رئيس ائتلاف العربية صالح المطلك في حوار تلفزيوني قبل ايام بان السفير الايراني كان له التأثير الاكبر في اعادة الجبوري.
وعبر العراقيون عن هذه الاراء بعد انفضاض التظاهرة التي جرت في ساحة التحرير ببغداد امس الثلاثاء، حيث فوجيء المحتجون بما حدث في مجلس النواب، خاصة في مسألة اعادة سليم الجبوري الى منصبه بفضل التيار الصدري كما قالوا، معتبرين بأنه "تلقى الاوامر" من السفير الايراني بضرورة مساندة الجبوري واعادته الى منصبه، منوهين الى ان هناك تدخلات غير ايرانية، لكن التأثير الاكبر كان للسفير الايراني الذي كشفت لقاءاته مع رؤساء الكتل انه الامر الناهي.
لا للتدخلات
إلى ذلك، اكد المحتج احمد شاكر عبد ان العراق تحكمه ايران ولا يمكنه ان يخرج من عباءتها، وقال: "لقد اعترف سليم الجبوري في تصريح له ان السفارة الايرانية راضية عنه، فيما شكر اسامة النجيفي السفير الايراني لتدخله في حل الازمة، واعترف صالح المطلك ان للسفير دور مؤثر فيما جرى، واذن .. ليست لدينا شكوك ان ساسة العراق بمختلف طوائفهم وقومياتهم يخضعون للاوامر الايرانية المتمثلة بالسفير الايراني، وهذا ما عبرنا عنه في احدى تظاهراتنا حينما مررنا من قرب السفارة الايرانية وصرخنا "كلا كلا للتدخلات الايرانية"، وحينها انزعج بعض الاصدقاء المحتجين الاسلامويين فاحترمنا رأيهم وتجاوزنا هذه الهتافات، ولكن علينا الجزم ان ما يحدث في العراق تديره السفارة الايرانية".
واضاف: "قرارات التيار الصدري بالانسحاب المفاجئ من مجموعة النواب المعتصمين لم تأت من فراغ، بل عن صفقة ايرانية تحديدا، لان التيار الصدري لا يمكنه التعامل مع اميركا ويرفض التعاطي معها مثلما لا يمكن للسعودية ان يكون لها تأثير عليه بل ان زيارة زعيم التيار لبيروت كانت العلامة الفارقة في الانسحاب ومن ثم التأييد للجبوري ومعناه انه تلقى الاوامر وهذا يؤكد ان ايران هي بطلة المشهد العراقي".
مقاطعة ايرانية
اما المتظاهر عبد الامير فرحان، فقد اكد ان العراق اصبح مقاطعة ايرانية بموافقة اميركية وخليجية، وقال: "13 سنة من الفساد والخراب والدماء واميركا تتفرج علينا من سفارتها بالمنطقة الخضراء، او عبر الاقمار الصناعية، وتعقد الصفقات مع هذه الدولة او تلك على حساب العراق، وها هي سلمت العراق كليا لايران، وهذا الامر ليس خافيا على احد، لكن المصيبة ان كل الاحزاب الدينية، الشيعية والسنية، تطيع ولي الفقيه الايراني وتنحني له وللاموال التي يغدقها عليها".
واضاف: "خرجت يوم الثلاثاء للتظاهر وانا كلي امل ان يحدث اصلاح فعلا ويتخلى السياسيون عن المحاصصة والطائفية وقلنا ان الخير في النواب المعتصمين الذين ارادوا كسر ارادة المحاصصة، ولكن ما حدث اصابنا بالصدمة، فالتيار الصدري الذي نثق به خرج متظاهرا من اجل تكريس المحاصصة والطائفية، وهذا ما اصابنا بالحيرة، ولكن ليس من الصعب ان نعرف السبب، فالضغوطات التي تعرض لها من السفارة الايرانية تحديدا هي السبب فخذلنا التيار الصدري للاسف وجعل البعض منا يبكي لاننا نريد ان يتحسن حال بلدنا".
أمر دبر بطهران
من جانبه قال المتظاهر سعد سلمان: "من دون خوف ولا حياء ان السفير الايراني هو رئيس جمهورية العراق ومن يقول عكس هذا فهو لا يفهم لا بالسياسة ولا بالحياة".
واضاف: "كل هذه الجعجعة التي حدثت ما هي الا أمر دبر بطهران لحماية الفاسدين والحرامية الذين يعلنون ولاءهم لايران في السر والعلن، لذلك اختلقوا ازمة سليم في البرلمان وجعجعة التظاهر ليجعلونا ندور في دوامة النسيان للشعار الأصيل الفصيح بلا لسان (باسم الدين سرقونا الحرامية)، لان طهران تعرف ان محاربة الفساد ليست في صالح الاحزاب التابعة لها".
وتابع: "لكي اثبت لك ذلك احيلك الى ما قاله السفير الايراني حينما التقى اسامة النجيفي حيث أيد السفير الايراني حق ودور المكونات العراقية في المشاركة الفاعلة، وأشار إلى أن ما حصل في مجلس النواب عقد المشهد ولم يراع الوضع الدستوري، وهذا تدخل سافر في الشؤون العراقية الى جانب كونه يؤكد ان الامر كله بيد السفير وليس بيد السياسيين العراقيين".
مجموعة ارادات
اما المحلل السياسي محمود المفرجي، فعبر عن قناعته بان "العراق مرتبط بمجموعة ارادات تتحكم بسياسته، منها الارادة الاميركية صاحبة الكلمة العليا في المعادلة العراقية".
وضرب المفرجي مثالا لـ"ايلاف" قائلا إن "تنحي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن السلطة كان قرارا اميركيا بامتياز وبموافقة ايرانية رغم حصوله على غالبية الاصوات فرديا وكتلويا، ما يدل على ان العراق لا يملك قراره السياسي، وان القرارات المصيرية تسيطر عليها مجموعة من الدول الخارجية".
ورأى المفرجي، ان الاجندات الخارجية عادة ما تتدخل بشكل مباشر في الاحداث المصيرية التي تضرب العراق، كما حدث مؤخرا في الازمة الاخيرة المتمثلة باقالة الرئاسات، حيث خاض العراقيون مخاض عسير لاقالة العبادي، لكن بزيارة واحدة لوزير الخارجية الاميركي كيري تغير كل شيء، مشيرا الى "تصريحات الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي اعلن من السعودية ان العبادي خط احمر، وهذا الامر هو الذي ابقى العبادي في منصبه".
وتطرق المفرجي الى الاحزاب السياسية، وقال: "هناك من هو مرتبط باميركا مباشرة وهناك من مرتبط بايران وهناك من مرتبط بالسعودية وبعض دول الخليج، ما يعبر على ان ان جذور التدخلات الخارجية ضاربة عميقا في اطناب الارض السياسية العراقية ولا يمكن اجتثاثها في هذه الحقبة".
اليد الطولى
الى ذلك اشار الصحافي والكاتب عامر القيسي، الى ان ايران لها اليد الطولى في العراق وقال لـ"ايلاف": "سمعت اعتراف صالح المطلك حول دور السفير الايراني في ازمة مجلس النواب ولكن لا يؤخذ به لانه في اطار عملية التسقيط السياسي التي اعتدما عليها، خصوصا وان المطلك مؤيد لحركة النواب المعتصمين, لكن هذا لايعني ان ايران ليس لها اليد الطولى في التأثير على المشهد السياسي العراقي، بل وحتى القرار السيادي في البلاد".
واضاف: "لا تنفرد ايران بهذا النوع من التأثير في القرار العراقي ومجريات العملية السياسية، هناك اميركا ودول الخليج وحتى جزر القمر، البلاد مفتوحة ولا حامي لها وجميع السياسيين لهم ارتباطات وعلاقات قوية مع دول عربية واقليمية ودولية، وتعمل على تنفيذ اجندتها"، وتابع: "اعتقد ان مقتدى الصدر في هذه المرحلة يمكن ان يكون الاكثر بعدا عن التاثير الايراني، وموقفه ربما يكون محكوما الى حد بعيد بتصفية حسابات مع دولة القانون، والمالكي تحديدًا".
التعليقات