كشفت أوراق بنما مقدار الفساد العميق المستشري في باكستان، من خلال اسماء عالية المقام، متورطة في امتلاك شركات وهمية في ملاذات ضريبية، بينهم أولاد نواز شريف.
لندن: منذ تسريب "اوراق بنما"، تشهد باكستان نقاشًا واسعًا حول الفساد المتفشي فيها. فمن بين المتهمين بامتلاك شركات مسجلة في ملاذات ضريبة أفراد عائلة رئيس الوزراء نواز شريف وسياسيون قياديون في المعارضة وقطب اعلامي ونحو 400 رجل اعمال، كما لاحظ الروائي الباكستاني محمد حنيف.&
إتهامات
كتب حنيف في صحيفة نيويورك تايمز: "سُجن رئيس الوزراء نواز شريف 14 شهرًا وأمضى ثمانية أعوام في المنفى، لكن هذا لم يمنع امبراطوريته العائلية من التوسع وادارة معامل لانتاج السكر ومزارع لتربية الدواجن.ولتبرئة ساحته بعد نشر أوراق بنما سارع إلى قنوات الأثير، وفي خطاب ينوح بالشكوى أعاد التذكير بكل التضحيات التي قدمتها عائلته من أجل البلد وكيف تضررت مصالحها".&
لفت مستشارو شريف الاعلاميون إلى أن الاتهامات لم تكن موجهة ضد رئيس الوزراء بل ضد أولاده، وامتلاك شركة مسجلة في الخارج لا يخرق القانون.وأقر المستشارون بأن هذا قد يكون لاأخلاقيًا، وأن باكستان لا تحمي أثرياءها.
في هذه الأثناء، أقال قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف ستة من كبار الضباط بينهم اثنان برتبة جنرال بتهمة التهريب وقضايا فساد أخرى.واتُهم احد الجنرالين بالمسؤولية عن مقتل ضابطين في أثناء اختبار سيارة مهربة.
الفساد ممنوع في الجيش
اتضح أن بعض هؤلاء الضباط أُقيل في العام الماضي من دون تقديمه إلى محاكمة عسكرية، وانه سيبقى مشمولًا بالمعاش التقاعدي ومنافع العلاج الطبي.لكن توقيت اعلان الجيش عن هذه الاقالات تضمن رسالة واضحة: "الفساد غير مسموح به في صفوف الجيش وعلى الحكومات المدنية ايضًا ألا تسمح به في صفوفها".
تريد احزاب المعارضة الآن فتح تحقيق في المصالح والأعمال التي تملكها عائلة رئيس الوزراء، ويريد رئيس الوزراء فتح تحقيق في نشاطات الجميع.
ويقول الروائي محمد حنيف في هذا الشأن: "يبدو أن نقاشنا الوطني حول الفساد أثار جدالًا بين عصابة من اللصوص، بعضهم يقول للبعض الآخر "انتم سرقتم أكثر" فيما يقول البعض الآخر "أنتم تُضبطون متلبسين مرات أكثر"".
وبحسب حنيف، يمتهن عدد من المجرمين في باكستان السياسة لحماية أرصدتهم ومضاعفتها، فالرئيس السابق آصف علي زرداري أمضى 11 عامًا في السجن بتهمة الفساد من دون أن يصدر عليه حكم في قضية واحدة. ولا أحد يعرف كيف اصبح يملك قصرًا ريفيًا في انكلترا وآخر في فرنسا.
الفاتحون
لا نقاش&جماهيريًا حول شؤون الجيش المالية، كما يقول حنيف، مضيفًا أن السبب هو "لأننا نعامل جنرالاتنا وكأنهم أبطال فاتحون، لكن الفاتحين يأخذون ما يعتقدون انه ملكهم، وحتى في خلال الاشتراك في حروب طويلة داخل باكستان وخارجها، تمكنت القوات المسلحة من التعامل بالعقارات وانتاج أسمدة وادارة مخابز وبيع حبوب لوجبة الافطار.وهذه النشاطات كلها قانونية لأن دكتاتورًا عسكريًا أو زعيمًا مدنيا ضعيفًا وافق عليها ذات يوم".
يتابع: "تاريخ باكستان متداخل مع الفساد، حتى أن بعض الباكستانيين الأكبر سنًا ممن عاشوا خلال تقسيم الهند في عام 1947 لا يسمونه تقسيمًا أو تحررًا بل يشيرون اليه بوصفه زمن النهب. فعمليات النزوح والمجازر التي وقعت في يوم التقسيم اقترنت بنهب ممتلكات النازحين بالجملة وصُنعت ثروات عديدة بتقديم دعاوى كاذبة بالتعويض".
يورد حنيف، على سبيل المثال، بناء مدينة إسلام آباد عاصمة باكستان: "وزع جنرالاتنا وسياسيونا وبيروقراطيونا قبل نصف قرن قطعًا من الأراضي على بعضهم بعضًا، وشيدوا عليها أبنية ثم باعوها إلى الجيل التالي".
لكن السياسيين والجنرالات والبيروقراطيين ليسوا وحدهم من يعتقد أن الدولة تدين لهم بقصر وحديقة جميلة، قد تلقى الصحافيون في مدن عدة وعودًا، وفي بعض الحالات حصلوا على قطع أرض بأسعار مدعومة في مجمعات سكنية لبناء المنازل.
الحائل بيننا
يكتب حنيف أنه سأل زميلًا صحافيًا إذا كان من المعيب على السياسيين والجنرالات أن يحصلوا على قطع ارض مجانًا، فكيف يكون من حق الصحافيين أن يفعلوا الشيء نفسه.
كان جواب الصحافي أن اشخاصًا مثل حنيف هم الذين "يقفون حائلًا بيننا" وبالتالي ليس من المستغرب أن يكون من النادر قراءة أو مشاهدة تقرير اخباري عن ملايين الباكستانيين الذين يعيشون في احياء فقيرة أو يناضلون من أجل حقوقهم في الأرض.
ويروي حنيف انه حين سأل مقاولًا عن جرأته في الحديث بصراحة عما سرقه ونهبه من الدولة، أجابه باستغراب: "لماذا تسميها سرقة؟ فالدولة أمنا والمؤكد أن كل واحد يأخذ شيئًا من أمه حين لا تكون منتبهة".
يختم حنيف قائلًا: "أنا عضو فخري في مجلس الفنون في باكستان، وهو منظمة للفنانين غالبيتهم شعراء.وقبل كل انتخابات سنوية يعدنا المرشحون لعضوية الهيئة الادارية بأن يواصل المجلس جهوده للحصول على اراض نبني عليها في مكان ما، وحتى اولئك الذين ينظرون إلى النجوم يبقون عينًا على محفظة نقود الأم"، التي اشار اليها المقاول.
التعليقات