إيلاف من بيروت: مرّ لبناني عائد لتوّه من لبنان إلى الولايات المتحدة برجل أميركي نصب يافطةً كتب عليها: "أعطِني 10 دولارات أو أصوت لدونالد ترامب". ضحك اللبناني، بل قهقه ملء فمه، مفكرًا: "فقريّ هذا الشعب الأميركي، ومحدود التفكير هذا المواطن الأميركي، أيكتفي بعشرة دولارات في سباق رئاسي لتحديد زعيم أقوى دولة في العالم، بينما تقاضى لبنانيون 600 دولار مقابل صوتهم لعضو مجلس بلدي في انتخابات بلدية بإحدى المدن اللبنانية أخيرًا؟"

عَبَثَ فرَئِسَ

قد لا تصحّ المقارنة هنا بين الأمرين. فهذا المواطن الأميركي عبّر بطريقته عن عبثية السباق الرئاسي في بلاده، أول مرة في تاريخها، بعدما انحصر التنافس على طريق البيت الأبيض بين الجمهوري دونالد ترامب، أبو المواقف العنصرية المتطرفة، والديمقراطية هيلاري كلينتون، التي لا يحملها الأميركيون على محمل الجد بعدما ذاقوا تعثرها في حياتها بوزارة الخارجية، بعد تعثرها في حياتها الزوجية.

وتتجلى هذه العبثية في أكثر من وجه. فعلى سبيل المثال، نعى رجل والدته بطريقة مبتكرة، ومعبرة عن الوضع، فقال بما معناه إنها آثرت الانتقال إلى الرفيق الأعلى، والتنعم بنعيمه، حين وجدت نفسها مضطرة للتصويت لواحد من اثنين، ترامب أو كلينتون.

والتصويت لأحدهما يعني عدم التصويت للآخر... هذا كل ما في الأمر. ففي الولايات المتحدة، الوعود الانتخابية كثيرة، لكنها لا تقوم على برنامج حقيقي، يقدمه الحزبان، الجمهوري والديمقراطي. فليس لأي منهما توجه فكري أو أيديولوجي أو رئيس أو أمين عام أو مكتب سياسي أو لجنة مركزية، وتاليًا لا برنامج انتخابياً مفصلاً ومعتمداً رسميًا على الرغم من الزخم الإعلامي والدعائي للحملة الانتخابية.

مال سياسي ما

بعيدًا من العبثية، لا يبدو هذا الأميركي يطلب مالًا مقابل صوته، أي لا يبدو أنه "يبيع" صوته، بل يهدد بأن يختار الأسوأ إن لم يلبِ أحدٌ طلبه. وعنده، ترامب هو الأسوأ. لكنه من حيث لا يدري يشير إلى دور "ما" لمال سياسي "ما" في تحديد وجهة السفينة الرئاسية الأميركية، وفي إيصال ترامب – ربما – إلى المكتب البيضاوي.

يقول خبراء أميركيون إن السياسة في بلادهم أكبر التجارات وأربحها، فالأموال محركها، تأتي بلاعبين في المشهد السياسي لا يعتمدون كليًا على سياسات إصلاحية تخدم شعوبهم ومواطنيهم، بل على مقدار إنفاقهم على الدعاية، فيكمن حينها سر الانتصار في القدرة على جذب الرأي العام الأميركي عبر عروض في الشوارع واستعراض للمجد والمبالغة في الخطابة في احتفالات عارمة. وهذا كله لا يتم من دون ضخ كثير من الأموال، يقدمها من فوق الطاولة ومن تحتها تجار سلاح أميركيون ومستثمرون يبذلون المال ليحفظوا مشروعاتهم من التوقف والضياع.

إنه مال سياسي بامتياز، خصوصًا أن قليلًا فقط من المرشحين يلتزمون بسقف الانفاق الانتخابي المشروع، وأن كثيرًا من الفضائح تنكشف ولو بعد حين، فيعرف الأميركيون أن ثمة من دفع مالًا ليفوز مرشحهم، أو ليسقط.

في المقابل، الفقراء محرومون من المشاركة في هذه المنافسة الانتخابية، لأنهم محرومون أصلًا من المشاركة في التجارة، فلا رأس مال عندهم ولا سلطة، ولا من يمولون.&

الأعلى إنفاقًا

في يناير الماضي، قال استطلاع للرأي أجراه معهد بيو للبحوث إن الأميركيين غير متفائلين بانتشار المال السياسي في الانتخابات، ويرون أن موازنة هذه الانتخابات تؤثّر بشكل أكبر في الحياة السياسية، وأن هذه الأموال تعوق مشاركة المرشحين الأفضل بسبب عدم امتلاكهم الأموال اللازمة للدعاية الانتخابية.

كشف التقرير نفسه أن الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ التي أُجرِيَت في العام الماضي سجلت الانفاق الأعلى على الإطلاق: أنفق المرشحون قرابة 1.1 مليار دولار، بزيادة 25 في المئة عن عام 2010. وعلى الرغم من هذا الإنفاق الكبير، كان التصويت الأدنى منذ نحو 25 عامًا.

وتكشف البيانات التي قدمها التقرير المرفق مع الاستطلاع أن إجمالي المبالغ المالية التي أنفقت في انتخابات الرئاسة تجاوز 278 مليون دولار: أنفقت كلينتون 77.5 مليون دولار على حملتها الانتخابية، وساندر 41.5 مليون دولار، وبن كارسون 31.4 مليون دولار، وتيد كروز 26.6 مليون دولار، وجيب بوش 24.8 مليون دولار، ضختها شركات تدعم مرشحًا ما للفوز، الأمر الذي يثير الكثير من الجدل حول استقلالية قرار البيت الأبيض، ولا سيما أن هذه الأموال تؤثر على قرارات المرشح وتوجهاته، لاضطراره إلى تلبية المصالح الاقتصادية للجهة التي مولته وأوصلته إلى كرسي القرار.