تدفع تركيا غاليًا ثمن استراتيجيتها الجديدة القاضية بالتصدي بحزم لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، محملة إياه مسؤولية مجزرة مطار اسطنبول التي اودت بحياة 44 شخصًا، بعد اتهامها مطولاً بالتساهل حيال "الجهاديين".


أنقرة: يتوقع الخبراء هجمات أخرى على اراضي تركيا، التي وفرت تربة خصبة للتنظيم، أزالت الصعوبات امام تجنيده عناصر جديدة.

لكن المعارضة تتهم من جهتها الرئيس الاسلامي المحافظ رجب طيب إردوغان بتعزيز تيار التعصب الذي باتت تركيا ضحيته مؤخرًا.

وقال رئيس مركز علوم الاقتصاد والسياسة الخارجية في اسطنبول سنان اولغين إن "تركيا تكافح تنظيم الدولة الاسلامية حاليًا بشراسة، لكنّ اخطاءها السابقة لها تبعات".

واضاف الدبلوماسي السابق ان تركيا معرضة جدًا للاعتداءات نظرًا الى موقعها الجيوستراتيجي على ابواب سوريا والعراق، حيث يسيطر التنظيم الجهادي على مناطق شاسعة.

واشار الى ان "تركيا موقع سهل لعمليات تنظيم الدولة الاسلامية، اكثر سهولة بكثير من اوروبا".

في البداية، ابدت تركيا التعاطف مع الجهاديين لمشاركتهم هدفًا واحدًا في سوريا هو رحيل الرئيس السوري بشار الاسد، العدو اللدود لإردوغان. كما اعتبرتهم أداة للتصدي لطموحات الحكم الذاتي لدى الاكراد السوريين، والتي تشكل هاجسًا لها، فيما تقاتل متمرديها الاكراد.

آنذاك، فاضت الصحافة التركية بتحقيقات حول مراكز التجنيد في المدن التركية، بما فيها اسطنبول أو تلقي جهاديين العلاج في مستشفيات رسمية في جنوب شرق الاناضول المتاخم لسوريا.

لكن الوضع برمته تغيّر منذ اعتداء انتحاري مزدوج نسب الى خلية تركية في التنظيم المتشدد، اسفر عن مقتل 103 اشخاص في اكتوبر في وسط انقرة، حيث تتخذ كبرى المؤسسات الرئيسة مقرًا، هو الاسوأ في تاريخ البلاد.

شكل هذا الاعتداء ناقوس خطر للنظام الإسلامي المحافظ الذي بدا مصدومًا وسط تعرضه لوابل اتهامات بالتسامح مع التنظيم المتشدد.

عندئذ انضمت تركيا بشكل فاعل الى التحالف الدولي بقيادة اميركية لمكافحة التنظيم.

وتعلن السلطات التركية بانتظام عن تفكيك خلايا "ارهابية" وتوقيفات، وعن قتل اشخاص يشتبه في انتمائهم الى التنظيم على الحدود السورية بعضهم يحمل أحزمة ناسفة.

تعزيز التيار "الجهادي"

رغم اعلان وزارة الداخلية عن حوالى 4000 عملية توقيف على علاقة بالتنظيم المتشدد وبأنشطة جهادية، لم يبدِ انها اضعفت نشاط الجهاديين في البلد المسلم الواقع بين آسيا واوروبا، فيما يواصل علمانيوه التنديد بمسار لأسلمة البلاد يزداد اتساعًا بتشجيع من النظام الحاكم منذ 2002.&

واعتبر ايغه ستشكين، المحلل في اي اتش اس كانتري ريسك، أن "قدرات تنظيم الدولة الاسلامية والجماعات السنية المشابهة في تركيا مرشحة الى التنامي طالما تجيز البلاد للاسلام السياسي في الداخل ان يزدهر دون ضوابط".

اضاف محذرًا أن "شبه استقلالية وانعدام تراتبية خلايا تنظيم الدولة الاسلامية في تركيا يجعل مهمة قوى الامن في منع الاعتداءات صعبة جداً".

ويتفق المحللون على توقع اعتداءات إضافية، تنفذها خصوصًا "الخلايا النائمة" التي كشفت عنها الاستخبارات التركية، مشيرة الى نحو 3000 عنصر تركي.

وبالنسبة إلى عمليات التجنيد الفعال، كشفت صحيفة "جمهورييت" المعارضة مؤخرًا انه يتم تحت ناظري السلطات في جامعات انقره واسطنبول في اوساط شريحة من الشباب تعاني وضعًا هشاً، وفقيرة تكره القيم الغربية.

وتشكل هذه الملاحظة خطورة بحسب رئيس مكتب صحيفة "حرييت" الواسعة الانتشار دنيز زيرك، لانها تشير الى توقع اعتداءات اضافية. قال: "من الجلي انه علينا الاستعداد لهجمات جديدة".

لكن تركيا لم تستعد لهذا الوضع لا بل عززته، على ما اكدت المعارضة البرلمانية في البلاد.

فغداة اعتداء اسطنبول، قالت المتحدثة باسم الحزب الرئيس في المعارضة العلماني التوجه "حزب الشعب الجمهوري"، سيلين سايك بوكي، إن "المتسامحين مع الارهاب، لا بل المتواطئين معه، لا يسعهم مكافحته".

واضافت أن "قيادات حزب العدالة والتنمية (الحاكم) رفضت تصنيف تنظيم الدولة الاسلامية كمنظمة ارهابية، ويتحملون مسؤولية هذه المجزرة"، بعد ان طالب حزبها تكرارًا باستقالة الحكومة بلا جدوى.