حلم الاكراد بوفرة اقتصادية بعد اعلانهم الحكم الذاتي في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا الغنية بالنفط وبالحقول الزراعية، لكنهم وجدوا انفسهم يعيشون في جزيرة معزولة جراء تقلص الموارد.
القامشلي: داخل صيدليته في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة (شمال شرق)، يتفحص مصطفى عبدي مستودعه شبه الفارغ بحثا عن دواء لعلاج احد المرضى. ويقول لوكالة فرانس برس "غالبية مستودعات الادوية تعاني ازمة خانقة، حتى ان معظم الادوية باتت مفقودة"، موضحا ان "مستلزمات الجراحة والابر وحتى ادوية السكري باتت مقطوعة".
ولا تقتصر الازمة على القطاع الصحي، بل تشمل قطاعات عديدة اخرى.
ويقول الباحث الفرنسي فابريس بالانش لوكالة فرانس برس "الوضع الاقتصادي سيئ، لان المناطق الكردية محاصرة، فمن الجنوب هناك تنظيم الدولة الاسلامية ومن الشمال تركيا".
اما من الجهة الشرقية حيث معبر سيمالكا الحدودي مع اقليم كردستان العراق، فان السلطات "تغلق الحدود بحسب مزاجها"، على حد قوله.
ويتشارك الاكراد من جهتي الحدود في العراق وسوريا قضية واحدة، لكن توترا يشوب العلاقات بين الحزب الذي يتزعمه مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وحزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الكردي الابرز في سوريا وذراعه العسكري المتمثل بوحدات حماية الشعب الكردية.
وتحافظ سلطات كردستان العراق على علاقة جيدة مع تركيا التي تصنف وحدات حماية الشعب بـ"الارهابية"، اذ تعتبرها جزءا من حزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضد انقرة.
ارتفاع الاسعار منذ الفدرالية
ونتيجة ذلك، فان معبر سيمالكا، طريق التجارة الوحيد بين مناطق سيطرة الاكراد والخارج، يبقى مغلقا في معظم الاحيان ومن دون سابق انذار، الامر الذي ينعكس سلبا على السكان الذين يعانون نقصًا في السلع وازمة اقتصادية قاسية.
ويقف &المسؤول الكردي في معبر سيمالكا سيامند أوصمان تحت أشعة الشمس الحارقة قرب المعبر المغلق. ويقول "تفاجأنا باغلاق معبر سيمالكا تزامنا مع اعلان الفدرالية"، مشيرا الى ان نسبة المواد التي كانت تمر عبره تقلصت بنسبة 90 في المئة منذ مارس.
ويضيف "اما المواد القليلة التي تدخل، فتبقى اياما عدة محمّلة في السيارات تحت اشعة الشمس، ويستوجب دفع مبالغ كبيرة لادخالها".
وانسحبت قوات النظام السوري تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية في العام 2012 مع احتفاظها ببعض المقار في المدن الكبرى، واعلن الاكراد على الاثر اقامة ادارة ذاتية موقتة في مناطق كوباني وعفرين (ريف حلب الشمالي والغربي) والجزيرة (الحسكة)، اطلقوا عليها اسم "روج آفا" (غرب كردستان). وفي مارس الماضي، اعلن الاكراد النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا.
وتمتلك مناطق سيطرة الاكراد الموارد الكافية للازدهار وضمنها حقول النفط الذي عمد الاكراد الى استخراجه وتكريره لتأمين الاستهلاك المحلي من الوقود والكهرباء.
كما تعرف المنطقة بارضها الخصبة، وخصوصا محافظة الحسكة التي كانت تنتج في السابق اكبر كميات القمح في سوريا. الا ان الانتاج الزراعي تراجع خلال السنوات الماضية لعدم تمكن السكان من الاعتناء بالارض.&
تضاف الى كل ذلك سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على خطوط التجارة الاساسية بين الحسكة ومحافظتي الرقة ودير الزور المجاورتين.
في إحدى اسواق القامشلي، يتجول مهند الجربا لشراء بعض الحاجيات، ويقول "أصبحنا ضحايا ضمير البائع. فهو من يتحكم بالاسعار"، مشيرا الى ان ارتفاع الاسعار برز بشكل ملحوظ بعد اعلان النظام الفدرالي.
ويبلغ سعر كيلو السكر اليوم في مناطق الاكراد 800 ليرة سورية (1,60 دولار) مقابل 175 ليرة قبل خمسة اشهر، كما ارتفع سعر الطحين من 25 ليرة للكيلوغرام الواحد الى 125 ليرة (0,25 دولار)، وبات سعر الزيت النباتي 800 ليرة لليتر الواحد مقابل 200 ليرة في السابق.
لا استيراد ولا تصدير
في بداية يوليو، اقامت الامم المتحدة جسرا جويا من دمشق الى القامشلي هدفه ايصال المساعدات الى حوالى 300 الف شخص يحتاجون الى دعم. وحملت الدفعة الاولى اربعين &طنا من المواد الغذائية من ارز وملح وسكر، ولكن المساعدات تبقى غير كافية ولن تسد الحاجات الضرورية سوى لوقت قصير.
في مكتبه في مدينة عامودا (في الحسكة) في مبنى تابع للادارة الذاتية، يقول المستشار بدران جيا كرد "نعاني مشكلة في تأمين الخضار والفاكهة، ونحن لسنا قادرين على الاستيراد والتصدير" نتيجة اغلاق المعابر.
ويضيف "لم يفسح النظام السوري المجال في السابق للتقدم الاقتصادي (في المنطقة) رغم أن مناطقنا غنية"، فضلا عن ان "الدول الكبرى التي تساعد روج آفا عسكرياً لم تحاول مساعدتها اقتصاديا".
وتدعم الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية عسكريا خصوصا بعدما اثبتت انها الاكثر فعالية في قتال تنظيم الدولة الاسلامية.
ويؤكد جيا كرد "هناك بعض المنظمات الخيرية التي تساعدنا ولكن بشكل ضئيل وموقت وهذا ليس حلاً للمشكلة الاقتصادية".
ويقول ناصر احمد الذي يبيع ادوات كهربائية على بسطة في احدى اسواق القامشلي، "المواد التي تدخل الاسواق غالية جداً، والحجة الاساسية لدى التجار هي الحدود واغلاق الطرق التجارية".
ويضيف "العامل يتقاضى 700 ليرة سورية يوميا (دولار ونصف). لم نعد نستطيع العيش بسبب غلاء الاسعار والمواطن هو الخاسر الاكبر".&
التعليقات