كشف وزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هيغل أنه تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنحو 50 ساعة عبر الهاتف، عندما كان وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، مشيرًا إلى أنه لم يكن طامعًا في السلطة، كما كشف أن زوجة السيسي انزعجت، بسبب الدماء التي سالت من أجل فض أعتصام رابعة العدوية.

إيلاف من القاهرة: مازال هناك الكثير من الأسرار التي تكتنف عملية عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، في 3 يوليو 2013، ثم فض اعتصام أنصاره في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في 14 أغسطس من العام نفسه.&

خاص بالثورة
وكشف وزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هيغل، بعضًا من تلك الأسرار. وقال في تصريحات لمجلة "نيويوركر"، إنه أجرى نحو 50 ساعة من الاتصالات الهاتفية مع نظيره وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، آنذاك.

تنشر المجلة تصريحات هيغل ضمن ملف كبير عن مصر، يحمل عنوان "ثورة مصر الفاشلة"، في عددها الصادر غدًا 2 يناير 2017، وأعده الصحافي الأميركي بيتر هيسلر، الذي جمع فيه شهادات من مسؤولين غربيين وصحافيين ومواطنين في مصر.

قال هيغل إن السيسي لم يكن معروفًا في الجيش الأميركي، وقالت مسؤولةٌ أميركية أخرى إن "معلومات السيرة الذاتية الخاصة بالسيسي كانت محدودة للغاية"، وتابعت: "لم يعرف الناس الكثير عن زوجته، وكذلك عن أبنائه. لا أظن أن تلك صدفةٌ؛ بل هي هالة تعمد أن يخلقها حول نفسه".

ونقل التقرير عن وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا قوله: "لا يمكنني أن أقول إنني أتذكر أي نوعٍ من الاهتمام الخاص في ملخصات المخابرات الأميركية في ما يتعلق بالسيسي".

هامش للإخوان
وكشف التقرير عن دور السيسي بعد ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس حسني مبارك، مشيرًا إلى أنه لعب الدور الرئيس في المفاوضات السرية مع جماعة الإخوان المسلمين.

ونقل التقرير عن مسؤول كبير، لم يسمه، في وزارة الخارجية الأميركية: "كانت له (السيسي) صلاتٌ بالجيش والحركات الإسلامية المصرية خلال تلك الفترة، مشيرًا إلى أن &"رؤيته (السيسي) كانت تتلخص في محاولة التأثير على العملية السياسية، وتذليل مصاعبها والتحكم فيها". ووَصَفَ مسؤول أوروبي ـ لم يسمه التقرير أيضًا ـ هذه التسوية بـ"التعايش"، قائلًا: "طالما لم يتدخل الإخوان كثيرًا في الشؤون العسكرية، كان الجيش يسمح لهم بتولي أمور الحكومة المدنية".

ولفت التقرير إلى أن دور السيسي برز على الساحة السياسية بشكل كبير، مع إصدار الرئيس السابق محمد مرسي الإعلان الدستوري في نهاية شهر نوفمبر 2012، والذي حصن فيه قراراته من الطعن أمام القضاء المصري، وتعرّض لانتقادات حادة من المعارضة، التي طالبت الجيش بالتدخل، للجم جماعة الإخوان، وفي تلك الأثناء فتح وزير الدفاع الأميركي هيغل حوارًا مع السيسي، وزار مصر مرات عدة، وأصبح حلقة الوصل الوحيدة بين الإدارة الشخص الأميركية والسيسي.

دور إنقاذي
قال هيغل عن تلك الفترة، إنه أجرى اتصالات هاتفية مع السيسي، تقدر بخمسين اتصالًا. وأضاف: "كنا نتحدث مرةً في الأسبوع على الأقل، واستمر كل اتصال ساعة كاملة، وأحيانًا أكثر من ذلك". وكشف هيغل في شهادته، أن السيسي لم ينو تولي السلطة في مصر، وأشار التقرير إلى أن لدى هيغل قناعة بأن السيسي لم يكن طامعًا في الحكم.

أسرة السيسي

أضاف هيغل أنه اتصل بالسيسي تزامنًا مع اندلاع تظاهرات 30 يونيو 2013، وتصاعد الدعوات إلى تدخل الجيش، ونقل عنه قوله: "ماذا يمكنني أن أفعل؟، لا يمكنني الرفض، لا يمكن أن أخذل بلدي. عليَّ أن أقود، ولديَّ الدعم والتأييد. أنا الشخص الوحيد في مصر اليوم الذي يمكنه إنقاذ البلد".

وحول شهادته عن فضّ اعتصام أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في 14 أغسطس 2013، ما أدى إلى مقتل أكثر من 800 شخص، أفاد هيغل، بأنه تحدث مع السيسي عبر الهاتف، مشيرًا إلى أنه أعرب عن أسفه لما يحصل: "قال السيسي إنَّه آسف، آسف للغاية، وأنه تمنّى ألا يحدث هذا. إن هذا لم يكن الشيء الذي أراده، أو الذي أرادته بلاده".&

تذمر أسري
وكشف هيغل أن زوجة السيسي كانت منزعجة من الدماء التي سالت في رابعة، وقال نقلًا عن السيسي حول مواقف أسرته: "أعياهم ما حدث". وتابع: "وقال (السيسي) إنَ زوجته كانت منزعجةً بشدة، وعائلته كذلك؛ لإراقة كل هذه الدماء. ولم يقل إنَّهم لاموه على ذلك، لكنهم كانوا مُتأثرين حقًا نتيجة ما حدث. وقال إنهم كانوا يدعون من أجل الجميع".

السيسي ومرسي

ويعتبر التقرير أن ما وصفها بـ"مذبحة رابعة أنهت فعليًا مرحلةً من الثورة المصرية"، ونقل عن مسؤول أوروبي ـ لم يسمه ـ قوله "إن قادة جماعة الإخوان ظنوا، حتى آخر لحظة، أن السيسي في صفّهم"، مشيرًا إلى أن "مرسي قد فوجئ بشدة حين انقلب السيسي عليه".

يسلط التقرير الأضواء على أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، والمرشح الرئاسي المنافس لمرسي، ويرى أنه يشكل تهديدًا حقيقيًا للسيسي. ونقلت المجلة عن مسؤولين أميركيين قولهم: "خلال انتخابات الرئاسة الأولى بعد ثورة 2011، كان السيسي وقادة الجيش الآخرون قلقين بشأن أحمد شفيق، الجنرال المتقاعد في سلاح القوات الجوية المصرية، ومنافس محمد مرسي في الانتخابات".

شفيق أخطر من مرسي
يرجع التقرير سبب القلق إلى أنه "ربما كان شفيق يمثل خطرًا أكبر من مرسي؛ إذ بدا أنهم كانوا يعتقدون أن جماعة الإخوان المسلمين من السهل التحكم فيها، بينما من الممكن لشفيق أن يعيد إحياء حزب سياسي يمتلك قوة وسلطة حقيقية. وحتى بعد الإطاحة بمحمد مرسي من منصب الرئاسة، وهزيمة الإخوان المسلمين، عملت السلطات المصرية على التأكد من بقاء أحمد شفيق في منفاه في دول الخليج، وذلك من خلال مجموعة من الدعاوى القانونية المرفوعة ضده، والتي تمنع عودته إلى البلاد".

أحمد شفيق

تنقل المجلة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن السيسي غير مؤمن بالسياسة أو الأحزاب السياسية، وقال أحدهم: "يعطي انطباعًا بأنه يرى السياسة نشاطًا مُضِرًا، ويرى أنها تقسِّم الدولة، ولا يرى من الأحزاب السياسية إلا مخاطرها".

ويشير التقرير إلى أن "اختفاء الأحزاب السياسية من مصر السيسي مدعاة لقلق كاتب التقرير، فمن دون أحزاب سياسية حقيقية، ومؤسسات سياسية مستقلة، وسياسيين مخضرمين، لا تتبقى سوى طرق قليلة جدًا للشباب المصري للمشاركة في السياسة غير التظاهر في الشوارع".

مشروعات عسكرية!
وفي ما يخص إدارة السيسي للملف الاقتصادي، ينقل التقرير عن الخبير في شؤون الجيش المصري، والباحث الزائر حاليًا في جامعة هارفارد، روبرت سبرنجبورج، قوله: "السيسي يعتقد، مثل جميع رجال الجيش، أن الاقتصاد هو مجموعة من المشاريع التي يديرها الجيش. إنه لا يعلم شيئًا!".

أثناء فض اعتصام رابعة

يؤكد التقرير أن الاقتصاد المصري يعاني بشدة، كما إن المصريين يقاسون من ويلات ارتفاع الأسعار، ويرى أن الحكومة أنفقت قدرًا ضخمًا من الموارد المالية؛ من أجل دعم الجنيه المصري.&

وفي العام الماضي، ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه، وأوقفت بعض الشركات العالمية نشاطها في مصر، مثل شركة "جنرال موتورز" وشركة "إل جي"؛ بسبب عدم قدرتها على تحويل إيراداتها من العملة المحلية إلى الدولار، لكي تدفع ثمن شراء الأجزاء المستورَدة.

لا ثورة ثالثة
يستبعد التقرير أن تندلع في مصر ثورة ثالثة أو فوضى عارمة، وقال: "لدى مصر شعور قوي بالوحدة، إذ إنها في النهاية الدولة الأقدم على الأرض، كما إن الحركات المتطرفة لا تحظى بالكثير من القبول عند المصريين اليوم".

ويشير إلى أن "هناك حالة من الرعب في مصر من بدائل السيسي، حتى من جانب أعتى منتقديه". وينقل عن النائب في البرلمان محمد أنور السادات قوله: "أعتقد ألا خيار لدينا سوى أن ينجح السيسي، سواء كان هو الاختيار المثالي أم لا. لن تستطيع مصر تحمل ثورة ثالثة".
&