بيروت: وسمت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية العام 2017 مع انتهاء تجربة "الخلافة" التي فرضها لثلاث سنوات على أراض واسعة امتدت من العراق إلى سوريا، الدولتان اللتان أنهكتهما المعارك وتركتهما أمام دمار كبير وتحديات عدة. 

خلال هذا العام، خسر التنظيم المتطرف مناطق واسعة، أبرزها معقلاه الأساسيان، الموصل في العراق والرقة في سوريا، ولم يبقَ لديه إلا بقايا من "أرض الخلافة" التي كانت تساوي قبل ثلاث سنوات مساحة بريطانيا نفسها.

بموازاة الهجمات البرية، تعرض التنظيم لغارات جوية عنيفة شنتها طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، دعماً لحلفائها من القوات العراقية أو الأكراد السوريين، وأخرى نفذتها روسيا ما أتاح للجيش السوري استعادة مناطق واسعة.

وأعلن رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي الشهر الحالي "انتهاء الحرب" ضد التنظيم الذي كان سيطر في العام 2014 على ما يقارب ثلث مساحة العراق.

واستطاع العبادي، الذي دعمته واشنطن ودول غربية شكلت بدورها هدفاً لاعتداءات دموية نفذها التنظيم، أن يكتسب بخلاف التوقعات، مصداقية كبيرة بعدما قاد البلاد أثناء مواجهة التنظيم المتطرف.

ووفرت المعارك ضد التنظيم فرصة لاعادة بناء جيش انهار في الموصل أمام هجمة الجهاديين.

ودرب التحالف الدولي 125 ألف عنصر من قوات الأمن العراقية، بالاضافة الى قوات مكافحة الإرهاب التي شكلت رأس حربة الحرب ضد التنظيم.

- فراغ أمني -

رغم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية كقوة مسيطرة في العراق، لكن بعض مقاتليه ما زالوا يختبئون في وديان صحراوية في محافظة الأنبار (غرب)، في منطقة سيكون من الصعب القضاء عليهم فيها.

وقال القيادي في الحشد الشعبي العراقي أحمد الأسدي لوكالة فرانس برس "انتهى داعش من وجهة نظر عسكرية لكن ليس كتنظيم ارهابي (...) علينا أن نبقى في حالة استنفار".

ويُعد مستقبل الحشد الشعبي المدعوم من ايران أحد التحديات التي ستواجه العراق.

وتشكلت هذه القوات في العام 2014 بعد دعوة المرجعية الشيعية العراقيين الى الجهاد. وتضم فصائل مسلحة كانت موجودة سابقاً أبرزها "كتائب حزب الله" وأخرى تم تشكيلها لاحقاً.

وشارك الحشد الشعبي في قتال تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب القوات العراقية، ويُعد جزءاً من المنظومة الأمنية للبلاد.

وأمام العراق راهناً مهمة العمل على إعادة الحياة إلى مدن ذات غالبية سنية تعرضت لدمار كبير جراء المعارك، بينها الموصل وبيجي والرمادي والفلوجة.

ومن شأن البطء في انجاز هذه المهمة أن يمنح فرصة لمن تبقى من تنظيم الدولة الإسلامية للعودة واستغلال الانقسام الطائفي في البلاد.

في سوريا، وعلى وقع هجمات منفصلة قادها الجيش السوري بدعم روسي، أو قوات سوريا الديموقراطية بدعم أميركي، بات التنظيم يسيطر على خمسة في المئة فقط من مساحة البلاد مقابل 33 في المئة مطلع العام.

واذا كان التنظيم قد تحول في سوريا الى عصابات متناثرة في جيوب صغيرة، لكن ذلك لا يبعد وفق محللين خطر الخلايا النائمة. 

وأمام دمشق تحدٍ آخر يتمثل في تصاعد قوة الأكراد وإعلانهم النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق سوريا.

ولطالما أكدت دمشق نيتها استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد.

ويحذر الخبير في الشؤون الجهادية أيمن التميمي من استغلال التنظيم الدولة الاسلامية حصول "فراغ أمني"، مشيراً إلى أنه قد ينتج على سبيل المثال عن "حرب بين قوات النظام وقوات سوريا الديموقراطية". 

- أزمة ودمار -

وتنتظر مدن سورية عدة أبرزها حلب وحمص والرقة اعادة اعمارها بعد دمار كبير خلفته سنوات من المعارك بين قوات النظام من جهة والفصائل المعارضة أو تنظيم الدولة الإسلامية من جهة ثانية.

وبخلاف العبادي، لا تنظر الدول الغربية إلى الرئيس بشار الأسد بايجابية، وتطالب منذ العام 2011 بتنحيه عن السلطة. 

وتُجمع الدول الداعمة للمعارضة السورية إن كانت عربية وغربية على أن حل النزاع سياسي وليس عسكرياً. وتواصلت في العام الحالي الجهود الدولية للتوصل الى تسوية، بالتزامن مع انتصارات ميدانية حققها الجيش بدعم روسيا. وبات يسيطر حالياً على نحو 55 في المئة من مساحة البلاد.

ورعت الأمم المتحدة منذ العام 2016 ثماني جولات مفاوضات غير مباشرة بين الحكومة والمعارضة السوريتين، لم تحقق أي تقدم فعلي مع استمرار الخلاف إزاء مصير الأسد.

في المقابل، رعت كل من روسيا وايران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة محادثات سلام في أستانة حققت مكسباً ميدانياً بإقرار اتفاق خفض توتر في أربع مناطق سورية تسيطر عليها الفصائل المعارضة.

وشهدت تلك المناطق تراجعاً كبيراً في نسبة العنف رغم الانتهاكات، مقارنة مع السنوات الماضية.

ومن المفترض أن تستضيف روسيا العام 2018 مؤتمراً يجمع الحكومة والمعارضة السوريتين في سوتشي، أعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين اثر قمة جمعته مع نظيريه التركي والايراني.

وإذا كان العام 2018 سيشهد نهاية للنزاع الذي تسبب بمقتل أكثر من 340 ألف شخص، لكن التحديات الإنسانية لا تزال كبيرة أمام كل من سوريا والعراق.

وأدت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الى نزوح نحو ثلاثة ملايين شخص، فيما تسبب النزاع في سوريا منذ اندلاعه في العام 2011 بنزوح ولجوء أكثر من نصف سكان البلاد الذي كان يقدر عددهم بـ22 ألفاً.

وفي العراق، يحتاج 11 مليون شخص الى دعم انساني. 

ورغم أن عدداً كبيراً من السوريين يعودون حالياً إلى مناطقهم، تقول المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دمشق إنجي صدقي لفرانس برس، "في وقت باتت بعض المناطق أكثر أمناً العام الحالي، اندلع القتال في مناطق اخرى مسببة بموجات نزوح جديدة".