دمشق: استهدف تفجيران انتحاريان الاربعاء العاصمة السورية بفارق اقل من ساعتين بينهما وأوقع احدهما 32 قتيلا على الأقل، في وقت يدخل النزاع السوري عامه السابع &في ظل تعثر الجهود الدبلوماسية للتوصل الى تسوية سياسية للحرب المدمرة.

دبلوماسياً، انتهت الاربعاء في استانا جولة ثالثة من المحادثات السورية برعاية روسيا وايران حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة بدون احراز تقدم ملموس فيما غابت عنها فصائل المعارضة احتجاجا على عدم تثبيت وقف اطلاق النار في البلاد.

وذكر التلفزيون السوري الرسمي ان "ارهابيا فجر نفسه في حرم القصر العدلي القديم في دمشق".

ويضم القصر العدلي القديم المحكمة الشرعية والمحكمة الجزائية، وهو محاذ لسوق الحميدية الشهير في وسط دمشق.

وقال مصدر في شرطة دمشق لوكالة فرانس برس ان هذا التفجير "اوقع 32 قتيلاً على الاقل ومئة مصاب" بعد حصيلة اولية نقلتها وكالة الانباء الرسمية (سانا) وافادت بـ"ارتقاء 25 شهيدا".

وبث التلفزيون الرسمي مشاهد من احد المستشفيات التي نقل الضحايا اليها. ويظهر عدد من الجرحى وهم مستلقون على الحمالات اثناء تلقيهم العلاج.

وقال جريح ضُمدت عينه اليسرى وكان يزور القصر العدلي لانجاز معاملة "سمعت ضجيجاً والتفت يساراً لأجد شخصاً بديناً يرتدي سترة عسكرية ويصرخ وهو يرفع يديه +الله أكبر+ قبل ان يحدث الانفجار وأقع أرضا".

واضاف "شعرت بعدها ان الدماء تسيل من عيني".

وتظهر مشاهد بثها التلفزيون السوري من موقع التفجير الانتحاري، بقعاً كبيرة من الدماء على الارض وعلى الجدران والسقف، واشلاء متناثرة على الارض مع زجاج مكسور داخل قاعة تعلوها صورة للرئيس السوري بشار الاسد.

ووقع التفجير الاول عند الساعة الواحدة وعشر دقائق بالتوقيت المحلي (11,10 ت غ)، قبل ان يقدم انتحاري اخر على تفجير نفسه في غرب العاصمة قرابة الساعة الثالثة (13,00 ت غ) متسببا باصابة 25 شخصاً بجروح، وفق مصدر في شرطة دمشق.&

ونقلت "سانا" ان "ارهابيا انتحاريا فجر نفسه بحزام ناسف داخل احد المطاعم في منطقة الربوة"، كما اوضح التلفزيون ان الانتحاري فجر نفسه "بعد مطاردته ومحاصرته من قبل الجهات المختصة".

ويأتي هذين التفجيرين الانتحاريين بعد اربعة ايام من تفجيرين دمويين استهدفا السبت احد احياء دمشق القديمة وتسببا بمقتل 74 شخصا، غالبيتهم من الزوار الشيعة العراقيين.&

وتبنت هيئة تحرير الشام (تضم جبهة النصرة سابقا وفصائل اخرى جهادية متحالفة معها) تفجيري السبت.

"المهم انتهاء الحرب"

وتزيد هذه الاعتداءات من تعقيدات النزاع الذي يكمل الاربعاء عامه السادس، بعدما انطلق باحتجاجات سلمية غير مسبوقة ضد النظام السوري، واجهتها قواته بالقمع، وسرعان ما تحولت الى نزاع مسلح تسبب بمقتل اكثر من 320 الف شخص.&

ويعرب عدد من المدنيين المعارضين للنظام عن خيبة أملهم مما آلت اليه الاوضاع اليوم، ومن بينهم لاعب كرة القدم عبد الله الحسين (32 عاما) الذي يقول لفرانس برس "أجمل ذكريات الثورة هي انطلاقتها"، مضيفا "لم أكن أنا او غيري نتوقع أن تصل الحال الى هنا عندما خرجنا في التظاهرات".

ويرى الشاب المقيم في محافظة ادلب (شمال غرب) الواقعة تحت سيطرة فصائل معارضة وجهادية "اذا انتهت هذه الحرب بحل سلمي أم عسكري فالشعب لم يعد يهمه الامر، المهم أن تنتهي فقط".

وتحول النزاع في سوريا الى حرب متعددة الاطراف من قوات النظام والمسلحين الموالين لها وبينهم ايرانيون ولبنانيون وعراقيون، الى الفصائل المعارضة والاسلامية المدعومة من تركيا ودول الخليج، وصولا الى الاكراد الذين يحلمون باستقلال ذاتي، واخيرا الجهاديين وعلى رأسهم تنظيم الدولة الاسلامية المعروف باعتداءاته الوحشية.

ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لفرانس برس ان "الادارة الدولية تريد انهاء الحرب والشعب يبحث عن حل، الا ان الحروب في الداخل ستبقى مستمرة ولن تعود سوريا كما كانت في المدى القريب".

ويدفع السوريون يومياً ثمنا للحرب وتحصد الغارات والمعارك أرواح الابرياء.

واسفر قصف جوي "يرجح انه روسي" فجر الاربعاء على مدينة ادلب عن مقتل "20 مدنيا بينهم 14 طفلا"، في حصيلة جديدة للمرصد السوري. ومن بين القتلى ايضا 14 شخصا من عائلة واحدة.

وشردت الحرب السورية اكثر من نصف سكان البلاد داخل البلاد وخارجها. اذ فرّ حوالى 4,9 ملايين من البلاد وخصوصا الى الدول المجاورة، حيث يعيش نحو تسعين في المئة منهم تحت عتبة الفقر، بحسب الامم المتحدة.

وكشفت دراسة جديدة لباحثين بينهم اعضاء في "الجمعية الطبية السورية الاميركية" ان العام 2016 كان "الاخطر" على العاملين في القطاع الصحي في سوريا.

وبحسب الدراسة، فان 814 من افراد الطواقم الطبية، قتلوا منذ بدء النزاع.

وفي تعليق ارفق بالدراسة، تعترف منظمة الصحة العالمية ان هذه الحرب هي حاليا "اكبر ازمة انسانية".

بانتظار التسوية

وفي ظل الازمة المستمرة، تتواصل الجهود السياسية والدبلوماسية بهدف التوصل الى تسوية سياسية تنهي النزاع الدامي.

وانتهت الاربعاء جولة ثالثة من محادثات استانا حول سوريا بدون تحقيق تقدم ملموس بعد رفض الفصائل المعارضة المشاركة فيها احتجاجاً على استمرار خرق وقف اطلاق النار، الساري في منذ 30 كانون الأول/ديسمبر.&

ويحد هذا الغياب امكانية تثبيت وقف اطلاق النار او تحقيق اي تقدم لتسوية النزاع.

وتستبق محادثات استانا جولة خامسة من مفاوضات السلام حول سوريا حددتها الامم المتحدة في 23 من الشهر الحالي.

وتاتي هذه الجهود الدبلوماسية بعد تطورات ميدانية ودبلوماسية ابرزها الخسائر الميدانية التي منيت بها المعارضة خلال الاشهر الأخيرة لا سيما في مدينة حلب، والتقارب الجديد بين تركيا وروسيا، فضلا عن وصول الجمهوري دونالد ترامب الى سدة الحكم في واشنطن وعدم وضوح موقفه من الازمة السورية.